إحسان أقطاش - يني شفق
كنت قد خصصتُ هذا المقال لتحليل خطابات الرئيس أردوغان وتأثيرها السياسي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مع التركيز على سبب عدم إثارة هذه الخطابات حماسًا كبيرًا داخل صفوف حزب العدالة والتنمية. غير أن تطورات الأحداث في حلب تصدرت المشهد وفرضت نفسها على الساحة.
قبل الخوض في تفاصيل الحرب الأهلية السورية، دعونا نلقي نظرة على توازن القوى الحالي على الأرض. فعندما اندلعت الحرب الأهلية في سوريا، تحالف نظام الأسد مباشرة مع إيران بهدف الحفاظ على النظام ومنع سقوطه. ثم دخلت روسيا كفاعل ثانوي في البداية، لكنها سرعان ما أصبحت الشريك الرئيسي والحاسم في التحالف.
أما تركيا، فقد دخلت في بداية الربيع العربي في تحالف مع إدارة أوباما. ولكن سرعان ما أدركت تركيا حماقة السياسة التي اتبعتها إدارة أوباما تجاه سوريا، والتي تهدف إلى خلق الفوضى وتقسيم البلاد. حيث تبين أن الولايات المتحدة وبريطانيا لم تسعيا سوى لخلق "الفوضى" التي أدت إلى تمزيق سوريا وتحويلها إلى بيئة خصبة للتنظيمات الإرهابية. وحين أدركت تركيا هذه النوايا، قررت أن تنأى بسياساتها عن هذا التحالف الفوضوي، لتعيد صياغة مقاربتها في الملف السوري.
وبينما كانت إدارة أوباما تسعى لإدماج إيران في النظام الدولي، استغلت إيران هذا المسعى لتحقيق طموحاتها الإمبراطورية. ومن جهة أخرى، تخلت الولايات المتحدة عن خططها لتغيير النظام السوري بعد مقتل سفيرها في ليبيا.
لم تكن الأوضاع الداخلية في تركيا تختلف كثيرًا عن رؤية أوباما. فقد سيطر تنظيم "غولن" الإرهابي على الجيش، وتسربت جميع المعلومات الاستخباراتية والتقديرات العسكرية عبر شبكة هذا التنظيم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن رئيس الوزراء آنذاك ومستشاريه المتعجرفين ذوي المؤهلات العلمية الضعيفة كانوا عاجزين عن فهم تطورات الأحداث. فلم يستطع أي من إيران ولا "أنور باشا الجدد" لدينا ولا السعودية ودول الخليج توقع أن تؤدي الحرب الأهلية السورية إلى الوضع الحالي الذي يجعل من سوريا لقمة سائغة لإسرائيل.
وفي المرحلة الراهنة، فإن الحل الأمثل لإنشاء دولة سورية مستقرة وضمان أمن تركيا واستقرار العراق وسوريا يكمن في استبدال الموقف الإيراني بالموقف التركي داخل سوريا.
هذا الاقتراح قد يبدو جذريًا، ولكنه ليس مستحيلًا. فقبل اندلاع الحرب الأهلية السورية، تعاونت تركيا وسوريا لمدة عشر سنوات على فتح سوريا على العالم وتنفيذ عملية تحول ديمقراطي.
وفي حال تحقق تحالف بين الدولة السورية وتركيا، يمكن أن تظل روسيا محافظة على موقعها الحالي دون تغيير، وسيتم تحقيق توازن قوى يُشكل حاجزًا أمام التهديدات الإسرائيلية.
نهاية سياسة الفوضى الإيرانية
منذ غزو العراق وحتى اليوم، فضلت إيران أن تبقى الدول المجاورة، العراق وسوريا ولبنان، وخاصة العراق، في حالة من الفوضى لضمان استقرار أراضيها وأمنها. ورغم أن التوازن الداخلي في لبنان يختلف عن العراق وسوريا، إلا أن الوضع العام مشابه.
ولكن يبدو أن استراتيجية إيران في الحفاظ على استقرارها من خلال إغراق جيرانها في الفوضى قد وصلت إلى نهايتها. فالفوضى السائدة في الدول المجاورة جعلت إيران هدفًا سهلًا، وباتت استراتيجيتها في الاعتماد على الميليشيات في هذه الدول، باستثناء حزب الله، غير قابلة للاستمرار.
في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، زار مستشار سياسي إيراني إسطنبول وكان يخطط لعقد سلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين الحكوميين. وقد طلب مقابلتنا أيضًا، وقد حضر برفقته صديق تركي. وعند بدء الاجتماع قلت له: "على مدى 200 عام، كان البريطانيون والفرنسيون هم من يضعون قواعد اللعبة في هذه المنطقة، والآن تديرها الولايات المتحدة. فلنعمل نحن الدولتان معًا، بعيدًا عن الأطماع الإمبريالية، للحفاظ على أمن سوريا ووحدتها. فالدول الصغيرة ستحتاج من الآن فصاعدًا إلى الاستقرار البنَّاء الذي تقدمه هاتان الدولتان." وقد ألقى المسؤول الإيراني كلمة طويلة، ولكنني لا أعرف ما الذي تم التوصل إليه في الاجتماعات التي عقدت في أنقرة لاحقًا.
لقد قمنا بإجراء دراسة حول الحرب الأهلية السورية؛ حيث أظهر الاستطلاع أن 75% من الشعب لا يرغب في اندلاع حرب بين الدولتين. وعندما شاركت هذه الآراء في برنامج على قناة "Ülke TV"، أخبرنا مستشار كان يمثل مؤسسة "SETA" في ذلك الوقت أنه يرفض هذا الرأي ويعتبره غير مناسب.
في تلك الفترة، لم يكن لدى كل من إيران و"أنور باشا الجدد" لدينا رؤية بعيدة المدى في السياسة.
إذا استمر الدمار والفوضى في بلد ما لمدة 15 عامًا، فإن عملية إعادة البناء ستستغرق وقتًا طويلًا مماثلًا. في الأيام القليلة الماضية، قوبلت يد التعاون التي مدها الرئيس أردوغان إلى الأسد، والتي تعكس رؤيته الثاقبة للمستقبل، بالتحفظ والتردد على الأرجح بسبب تأثير إيران.
تركيا تمتلك رؤية تقوم على عدم وجود أطماع إمبريالية في المنطقة، بل على اعتبار دول المنطقة شقيقة، وعلى إيمانها بأن استقرار كل دولة يساهم في استقرار تركيا وأمنها والتي أصبحت بدورها جزيرة استقرار.
وتوجه روسيا طاقتها إلى حربها الخاصة مع أوكرانيا. أما إيران، فهي تسعى لتفادي التهديد المتزايد الذي يطرق أبوابها نتيجة العمليات التي خاضتها مع إسرائيل.
سنعرف قريباً مصير عملية حلب ومصير تنظيم بي كي كي/ بي واي دي" الإرهابي.
إن المقترح المقدم للحكومة السورية هو مقترح صعب وجريء وُجه في وقت صعب. وهو مقترح من شأنه أن يطمئن إيران أيضًا، حيث إن النظام الذي أقامته من الميليشيات عاجز عن الحفاظ على وحدة البلاد. سنرى ما ستسفر عنه الأيام.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس