ترك برس

تناول تقرير تحليلي للكاتب والباحثة في الشأن التركي صالحة علام، التساؤلات التي خلفتها الأحداث المتلاحقة على الساحة السورية، وقدرة فصائل المعارضة المسلحة المنضوية تحت راية “تحالف الجيش الوطني السوري” على اجتياح العديد من المدن، وطرد عناصر تنظيم قسد وقوات نظام الأسد منها.

وأشارت علام إلى أن التساؤلات تتعلق أيضا بكيفية فرض المعراضة سيطرتها على قواعد ومطارات عسكرية ومدنية، وانتزاعها محافظة حلب ثاني أكبر المدن السورية وأكثرها تأثيرا في اقتصاد البلاد، وتقدمها باتجاه محافظة حماة في غضون أيام قليلة دون وقوع مواجهات حقيقية مع القوات التابعة لنظام الأسد، أو قوات حلفائه الروس والإيرانيين الموجودين في المنطقة.

وقالت في تقريرها بموقع الجزيرة مباشر إن من أكثر هذه التساؤلات إلحاحا يدور حول تلك القدرة العسكرية الهائلة، والقوة القتالية التي ظهرت فجأة لعناصر المعارضة السورية، التي أرغمت بموجبها قوات الأسد، وعناصر وحدات حماية الشعب على الانسحاب من مناطق تمركزها المعتادة، والتقهقر إلى الخلف في مشهد مثير للدهشة والاستغراب.

وتساءلت أيضا: "لماذا انسحبت القوات الروسية من قاعدتها العسكرية بالمنطقة، قبيل هجوم عناصر المعارضة بأيام، وأين اختفى الحرس الثوري الإيراني ومقاتلو حزب الله الذين كانوا يجولون ويصولون في أنحاء الأراضي السورية دفاعا عن الأسد وحماية لنظامه من الانهيار؟".

وتابعت التقرير: 

المعروف أن فصائل المعارضة السورية منذ إنشائها لم تقدم على خوض مواجهة عسكرية بمفردها سواء مع قوات النظام أو العناصر الكردية المسلحة، وأن كل قتال شاركت فيه كان تحت عباءة القوات التركية الموجودة في الشمال السوري، ضمن العمليات العسكرية التي خاضتها تلك القوات بهدف طرد العناصر الكردية المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، ومنع تمركزها على خط الحدود الفاصل بين سوريا وتركيا، لإفشال مخطط إقامة كيان كردي منفصل عن الدولة المركزية في دمشق، وهو ما تراه أنقرة مهددا لأمنها القومي.

المعلومات المتداولة على مدى السنوات الماضية أكدت عجز النظام السوري، وضعف قواته المسلحة، مما يعيق قدرته على الثبات منفردا في وجه أية مواجهات عسكرية محتمله، وأن قوته التي يستند إليها، ويتباهى بها مستمدة في الأساس من الدعم المطلق الذي يتلقاه من حلفائه الروس والإيرانيين، الذين خاضوا نيابة عنه الكثير من المعارك العسكرية على مدى الـ13 عاما الماضية، وقادوا حملات سياسية ودبلوماسية للدفاع عنه في المحافل الدولية، لضمان استمراره على سدة الحكم.

لكن تسارع الأحداث وتطورها على النحو المعلن يشير إلى أن طول أمد الصراعات التي اندلعت في المنطقة، وتسارع الأحداث فيها قد أثر على صيغ تحالفات دولها، وأحدث نوعا من التباين في قناعاتها، وتبدل في مواقفها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، ويحقق لها أهدافها المعلنة والخفية..

وهو ما تؤكده بقوة مواقف الدول الفاعلة على الساحة السورية، التي مر معظمها مرور الكرام ولم يلتفت إليه الكثيرون، فتركيا التي تعد أكثر المعنيين بالأوضاع داخل سوريا بحكم ملاصقتها الجغرافية لها، وتأثرها المباشر بما يحدث بها، نفت بصورة قاطعة ضلوعها في الهجوم أو التخطيط له، أو حتى العلم به.

برغم أنها الداعم الوحيد في المنطقة لفصائل المعارضة، وتمدها بكافة احتياجاتها العسكرية، وتتولى مهمة تدريب عناصرها على القتال داخل معسكرات أُعدت لهذا الهدف، ولعل آخرها تلك الأكاديمية العسكرية للتدريب والتأهيل العسكري الذي تم افتتاحها في الشمال السوري منذ عدة أشهر، وكأنه كان استعدادا مبكرا للهجوم الحاصل الآن.

وتتهم تركيا رسميا بشار الأسد بالتسبب في اشتعال الحرب نتيجة لتعنته، ورفضه التسوية السياسية، ووضع حد لمعاناة ملايين السوريين، مؤكدة دعمها المطلق للهجوم الواسع الذي تشنه فصائل المعارضة، التي وصفتها بالشرعية، على مناطق يسيطر عليها النظام، ورفضها نظرية التدخلات الأجنبية التي تروجها طهران.

تصريحات الرئيس أردوغان، حول أولويات بلاده بشأن الصراع السوري يدور حول الحفاظ على وحدة أراضيها، وإنهاء حالة عدم الاستقرار المستمرة منذ 13 عاما، معلنا أن حكومته ستتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بضمان عدم الإضرار بالأمن القومي لتركيا.

كما أوضحت أسباب احتضان أنقرة للمعارضة السورية، ودعمها العسكري واللوجستي لها، وهي تؤكد وجود دور محوري لها فيما يحدث الآن من مواجهات على الساحة السورية، الذي ربما يكون أحد أسبابه الرد على مواقف بشار الأسد السلبية من الدعوات المتكررة التي أطلقها أردوغان لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإفساح المجال أمام مباحثات ثنائية بهدف التوصل لتسوية سياسية تنهي معاناة السوريين.

ولعل التصريح الذي أدلى به أحمد داوود أوغلو رئيس حزب المستقبل، ورئيس الوزراء السابق حول أن “الأسد يدفع الآن ثمن ردوده المتعجرفة على دعوات الرئيس أردوغان للتطبيع، لو اختار التفاهم مع تركيا لكان بإمكانه الحفاظ على نفوذه في دمشق”، يصب في هذا الاتجاه.

أما الموقف الروسي فجاء على غير المتوقع، إذ اتسم بالجمود واللامبالاة، ولم يتخط في مجملة التعبيرات البروتوكولية المتعارف عليها سياسيا، وهو ما يؤكد أن موسكو أعادت ترتيب أوراقها استعداد لمرحلة من المفاوضات مع رونالد ترامب.

فهناك معلومات متداولة حول وجود تحفظات لروسيا بشأن سياسات الأسد على الصعيدين الداخلي والخارجي، التي منها رفضه المصالحة مع تركيا، وتفكيره في استبدال إيران وروسيا بإسرائيل والولايات المتحدة للحفاظ على منصبه والاستمرار في حكم البلاد برغم أنف العباد، وهو الطرح الذي يبدو أن موسكو أخذته على محمل الجدية، وبدأت التعامل في الملف السوري عموما وفقه.

موقف إيران يبدو مختلفا تماما عن الموقفين التركي والروسي، إذ تعاني طهران بشدة نتيجة تطورات الأوضاع التي أجبرتها على المواجهة المباشرة مع إسرائيل، واضطرارها التخطيط للرد على الضربة الأخيرة التي وجهتها إليها.

إضافة إلى أن أهم أذرعها في المنطقة، الذي كانت تعتمد عليه في مثل هذه المواقف، وهو حزب الله، لا يزال لم يتعاف بعد من تأثير الضربات الموجعة التي تلقاها نتيجة خسارته لقيادات الصف الأول به، والعدد الكبير من عناصره الذي راح ضحية عمليتي البيجر وأجهزة الاتصالات اللاسلكية، مع احتمالية انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بينه وبين إسرائيل..

وهو ما يعيق تقدمها، ويكبل يدها، ويمنعها من التعاطي مع التطورات على الأرض بصورة أكثر فاعلية، إذ لم تجد أمامها سوى التأكيد على استمرارها في دعم الأسد، والتحرك دبلوماسيا لحث الأطراف الفاعلة في الملف السوري على التعاطي بإيجابية لمساندة النظام السوري ومنعه من الانهيار..

مستدعية منصة أستانا علها تفسح المجال أمام عودة التوافق التركي- الروسي- الإيراني بما يضمن وقف القتال الدائر، وتخلي فصائل المعارضة عن مناطق النظام التي استحوذت عليها، حيث رجحت وسائل إعلام إيرانية نقلا عن وزير الخارجية احتمالية اجتماع وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في إطار عملية أستانا -التي ترتب قواعد الانتشار العسكري للأطراف الفاعلة في سوريا- يومي السابع والثامن من الشهر الجاري على هامش منتدى الدوحة.

ورغم إدراك الأطراف المعنية بحقيقة عدم التزام دمشق من الأساس باتفاق أستاتا الذي فقد فعليا أهميته، ولم يعد له وجود حقيقي على الأرض بعد التطورات الأخيرة، إلا أن الجميع تذكره فجأة وأصبح محل اهتمام لم يحظ به منذ سنوات خلت، وإن اختلفت الأسباب.

فإيران التي لا تملك حاليا سوى التحرك سياسيا ودبلوماسيا تتمسك به كآخر قشة يمكن الاستفادة منها لإعادة الأمور إلى سابق عهدها حتى تستعيد قدراتها العسكرية مجددا، أما تركيا فإن التطورات الأخيرة تأتي على هواها كونها تحقق لها جملة من الأهداف، وتقوي موقفها أمام ساكن البيت الأبيض الجديد، وروسيا هي الأخرى لها مصالح خاصة تتطلب منها تقليص حجم النفوذ الإيراني في سوريا قدر المستطاع، تمهيدا لاستبعادها تماما من هناك، كونها تعيق مخططاتها العسكرية والاقتصادية التي تستدعي التعاون مع تركيا، وإفساح المجال للمعارضة لتكون جزءا من التكوين السياسي للبلاد حتى وإن تطلب الأمر التضحية بالأسد ونظامه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!