ترك برس
أكدت الكاتبة الصحفية المصرية صالحة علام أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الرئيس الوحيد الذي وجه خطابا مؤثرا لقوى المعارضة المسلحة التي قادت كفاح الشعب السوري، مهنئا إياها ومعتبرا ما قامت به ملحمة تم تسطيرها بالدماء والأرواح.
وقالت الكاتبة في مقال بموقع الجزيرة مباشر إنه عقب انهيار النظام الحاكم في سوريا وفرض فصائل المعارضة المسلحة سيطرتها على معظم مدنها، ودخولها إلى قلب العاصمة دمشق، وإعلان فرار الرئيس المخلوع بشار الأسد، أصبحت تركيا هي اللاعب الأكثر فاعلية وتأثيرا على الساحة السورية، بالرغم من الوجود العسكري لكل من روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية بها.
و في ما يلي نص المقال:
لم تأت هذه المكانة التي تحظى بها تركيا في الوقت الراهن من فراغ، فعلى مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، عمر الثورة السورية، كانت الحكومة التركية هي الداعم الرئيس لمكوناتها، إذ احتضنت قياداتها المعارضة، وقدمت لها كافة أشكال الدعم العسكري واللوجستي، وشرعت أبوابها لاستقبال ملايين اللاجئين الذي فروا من ويلات الحرب التي اندلعت بين قوى المعارضة ونظام الأسد بمساندة كل من روسيا وإيران.
وأخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن الشعب السوري ومطالبه المشروعة في المحافل الدولية والإقليمية، لاستعادة حقوقه المهدرة، ونيل حريته من نظام طالما تعامل بديكتاتورية وسادية غير مسبوقة، وبذلت جهودا دبلوماسية مضنية بالتعاون مع كل من روسيا وإيران تحت مظلة أستانا، لإنهاء الأزمة التي طال أمدها، وطالت معها معاناة اللاجئين والمهجرين في الداخل والخارج، لكن غرور الرئيس المخلوع وتعنته حال دون الوصول لهذا الهدف سلميا.
لتحسم فصائل المعارضة أمرها وترتب أوضاعها وتشن حربا عسكرية واسعة النطاق ضد النظام، مستغلة التطورات الإقليمية المتسارعة التي تمر بها الدول الفاعلة في الملف السوري على وجه الخصوص، وانشغال الولايات المتحدة الأمريكية بالإستعداد لتغيير إدارتها الحاكمة.
فروسيا ترُكز على حربها ضد أوكرانيا، طلبا للمزيد من الانتصارات والاستيلاء على مساحات أكبر من الأراضي قبيل وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، بينما تنشغل إيران في حربها المباشرة مع إسرائيل، ما يجبرها على توفير قدراتها العسكرية لهذه المواجهة التي يبدو أنها ستستمر لفترة من الوقت.
وسواء نفت أنقرة أو اعترفت بدورها في العملية العسكرية التي قادتها فصائل المعارضة المسلحة، وأسفرت عن تحرير سوريا أرضا وشعبا من نظام جثم على أنفاسها على مدى خمسين عاما، فإن الكثير من الدلائل تشير إلى هذا الدور وتؤكده.
فمع الدعم المعلن من جانب تركيا لفصائل المعارضة منذ اندلاع الثورة السورية يصعب قبول إمكانية اتخاذ المعارضة قرارا بحجم شن حرب موسعة ضد النظام دون إخطار مسؤولي الحكومة التركية سلفا بهذه الخطوة، إلى جانب ما يمكن استنتاجه من تصريحات الرئيس التركي نفسه.
فعقب الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية تركيا وإيران وروسيا في الدوحة الذي خُصص لبحث تطورات الملف السوري، وقُبيل أن يكون هناك حديث بشأن نية المعارضة الزحف باتجاه دمشق، صرح أردوغان بأن قوات المعارضة السورية ستتقدم نحو العاصمة دمشق بعد أن فرضت سيطرتها على حلب وإدلب وحماة وحمص.
ثم إن أردوغان هو الرئيس الوحيد الذي وجه خطابا مؤثرا لقوى المعارضة المسلحة التي قادت كفاح الشعب السوري، مهنئا إياها ومعتبرا ما قامت به ملحمة تم تسطيرها بالدماء والأرواح.
الإدارة الأمريكية أشارت في تصريحات لعدد من مسؤوليها أنها لم تكن على علم بوجود ما سمته” موافقة ضمنية تركية” على خطط المعارضة السورية المسلحة لمهاجمة نظام الأسد، في تأكيد للمعلومات التي تم تداولها إعلاميا حول قيام ممثلي فصائل المعارضة المسلحة بإخطار أنقرة بخططهم الرامية لتنفيذ عملية عسكرية موسعة ضد النظام السوري قبل 6 أشهر، بعد فشل محاولات المصالحة مع بشار الأسد التي قام بها أردوغان، وأنها حصلت على موافقتها الضمنية.
بينما صرح جيمس جيفري السفير الأمريكي السابق لدى أنقرة بأن عناصر تنظيم الدولة يعسكرون على مرمى حجر من تركيا فعليا، ولذا فمن الصعب القبول بأن تركيا لم تكن على علم مسبق بالتجهيزات التي سبقت الهجوم،
في إشارة إلى وجود علاقات تربط بين أنقرة وهيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني، بما يسمح بإطلاع عناصر استخباراتها الموجودة في المنطقة على تحركات الهيئة وما تقوم به من استعدادات قبيل الهجوم.
أما إيران فلم يعد أمامها من سبيل سوى محاولة التعاطي مع الواقع الجديد في سوريا إذا ما أرادت الحفاظ على مكانتها في العراق، ما يتطلب منها بطبيعة الحال التنسيق مع أنقرة التي أصبحت شريكا لا غنى عنه لكل من يريد أن يكون له موضع قدم في سوريا الجديدة.
تغير المعادلات الاستراتيجية، واختلاف الأهداف للدول الفاعلة في الملف السوري يمثلان فرصة ذهبية أمام تركيا لتعزيز مكانتها وتوسيع نطاق نفوذها، والعمل على حماية مكتسباتها التي حققتها نتيجة التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة.
إلا أن استمرار هذه المكانة يظل مرهونا بقدرة أنقرة على إدارة المرحلة بوعي وحنكة، وتحديد الأولويات السياسية والأمنية التي تضمن لها تحقيق مصالحها في ظل التحديات التي بدأت تطل برأسها، وفي مقدمتها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، ومحاولة البعض إثارة الفرقة والفتنه عبر الحديث عن أن من يسيطرون على السلطة بسوريا حاليا يمثلون جزءا فقط من الشعب السوري وليس كل الشعب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!