ترك برس

تناول تقرير لصحيفة "عربي21" الموقف التركي من المصالحة التاريخية التي تحققت بين الصومال وإثيوبيا بوساطة تركية.

وبحسب الصحيفة، جاء إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس، عن مصالحة أسماها بـ"التاريخية" بين الصومال وإثيوبيا، واتفاق لحل خلافات الجارتين في شرق أفريقيا، بعد محادثات في أنقرة جمعت الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ليثير التساؤلات حول مكاسب وخسائر مصر من تلك المصالحة.

وقالت إنه في مشهد معقد، شهدت الشهور الماضية من العام الجاري، خلافا سياسيا بين الصومال وإثيوبيا، على خلفية قيام حكومة الأخيرة باستئجار ميناء بحري وعسكري لمدة 50 عاما، بميناء بربرة في أرض الصومال غير المعترف بها دوليا والمناوئة لمقديشو، لاقى رفضا صوماليّا وعربيّا ومن القاهرة التي تتوجس من الحضور الإثيوبي قرب باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وممر التجارة الدولية نحو قناة السويس.

الأمر الذي قابلته حكومة حسن شيخ، بعقد اتفاقية عسكرية مع حكومة رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، إثر زيارتين له في كانون الثاني/ يناير، وآب/ أغسطس الماضيين للقاهرة، التي أرسلت 3 شحنات عسكرية وجنودا للصومال، ما اعتبرته إثيوبيا تحديّا لها، وقابلت التحرك المصري بزيادة وجودها العسكري في البلد العربي الكائن في القرن الأفريقي. وفقا للتقرير.

وفي المشهد الجديد الذي تنظمه أنقرة، وترعاه على مدار 8 أشهر، واختتمه بعد يومين من المباحثات عبر مؤتمر صحفي جمع شيخ، وآبي، كشف فيه أردوغان، عن "إعلان أنقرة"، مؤكدا أنه "الخطوة الأولى لبداية جديدة قائمة على السلام والتعاون بين الصومال وإثيوبيا".

ونجحت الدبلوماسية التركية منذ أيار/ مايو الماضي، في جمع وزيري خارجية الصومال وإثيوبيا مرتين بأنقرة في حزيران/يونيو وآب/أغسطس، ومرة في البيت التركي بنيويورك، وصولا لاجتماع مباشر بين آبي أحمد، وحسن شيخ، مدة 8 ساعات، في أنقرة.

وأشار الرئيس التركي إلى بدء مفاوضات فنية بين الجانبين نهاية شباط/ فبراير المقبل، ولمدة 4 أشهر، ملمحا إلى أن البلدين أقرا بفوائد وصول إثيوبيا الآمن إلى البحر الأحمر، مع احترام سلامة أراضي الصومال، مؤكدا أنه "واثق من أن شيخ محمود، سيقدم الدعم والمساندة اللازمة فيما يتعلق بالوصول إلى البحر".

وهو التصريح الذي قرأه مراقبون مصريون، بأنه يحقق الرغبة الإثيوبية في الوصول لمياه البحر الأحمر بموافقة صومالية، فيما لم تعلن القاهرة حتى كتابة هذه السطور موقفها من الاتفاق الجديد.

لكن في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، استضافت القاهرة الجولة الثانية من المباحثات التركية المصرية بشأن القارة السمراء، حيث اتفق المجتمعون على التعاون بينهما لتحقيق أهدافهما المشتركة في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ودعم الصومال وتعزيز قواته.

وتفجر المشهد بمنطقة القرن الأفريقي، في كانون الثاني/ يناير الماضي، إثر اتفاق عقدته أديس أبابا مع حكومة هرجيسا عاصمة إقليم أرض الصومال، التي انفصلت عن مقديشيو منذ عام 1991، يمنح إثيوبيا فرصة تاريخية للحصول على ميناء تجاري وعسكري على خليج عدن، ما اعتبرته الصومال تحديّا لها وانتهاكا لسيادتها واعترافا من جارتها إثيوبيا، بحكومة غير شرعية.

وكما تحقق إثيوبيا حلمها في بناء سد مائي عملاق على النيل الأزرق المصدر الموسمي والرئيسي لمياه نهر النيل، استغرق نحو 13 عاما، دون اتفاق مع مصر والسودان دولتي مصب نهر النيل، وبما يضر بحصتيهما التاريخية في المياه، تسعى حكومة آبي أحمد لتحقيق طموح بلادها الدولة "الحبيسة" للوصول إلى البحر الأحمر، عبر شريط استراتيجي قرب التقاء البحر الأحمر بالمحيط الهندي، عبر أرض الصومال.

ذلك الوضع المعقد في القرن الأفريقي، وفق وصف مراقبين، دفع إلى تقارب سياسي وأمني وعسكري بين الصومال ومصر، البلدين العربيين العضوين في الجامعة العربية، خاصة أن القاهرة فشلت دبلوماسيتها على مدار نحو 10 سنوات في الوصول مع أديس أبابا، لاتفاق ملزم للأخيرة حول سنوات وحجم ملء حوض السد الضخم، وطرق تشغيله في سنوات الجفاف، وغيرها من الأمور الفنية.

مصر وفي طريق البحث عن ورقة ضغط على إثيوبيا بملف المياه بحسب رؤية محللين، سارعت بعقد اتفاق عسكري، وقعه السيسي وحسن شيخ، في آب/ أغسطس الماضي، وأرسل الجيش المصري 3 شحنات من المساعدات العسكرية للصومال في آب/ أغسطس، وأيلول/ سبتمبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر، بهدف دعم الجيش الصومالي وبناء قدراته، وفق بيان سابق للخارجية المصرية.

لكن إثيوبيا، التي لديها آلاف القوات في الصومال ضمن قوات الاتحاد الأفريقي التي تنتهي مهمتها بنهاية العام الجاري، والتي تحل محلها قوات جيبوتية ومصرية، تساهم للمرة الأولى ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية مدة 4 سنوات من عام 2025 حتى 2029. وردا على الاتفاق المصري الصومالي، وإعلان مقديشو طرد الجنود 4 آلاف جندي إثيوبي متمركزين في أراضيها منذ 2014، زادت أديس أبابا قواتها في الصومال لـ10 آلاف جندي، وعينت سفيرا لها في أرض الصومال.

كما أن تركيا التي تتمتع بعلاقات جيدة مع إثيوبيا والصومال، معا، ولديها قاعدة عسكرية قرب مقديشو منذ 10 سنوات، وتمدها بطائراتها المسيرة؛ عقدت اتفاقية دفاع عسكري معها في شباط/ فبراير الماضي، مدة 10 سنوات؛ بهدف دعم قوات البحرية الصومالية وحماية سواحلها الممتدة لـ3 آلاف كيلومتر.

ماذا عن موقع مصر من الاتفاق الجديد؟

وبعد عقد تركيا المصالحة التي وصفت بـ"التاريخية" بين الصومال وإثيوبيا، زادت التكهنات حول مدى خسارة مصر ورقة الصومال، كإحدى أوراق الضغط على إثيوبيا في ملف مياه النيل.

كما أثار مراقبون السؤال حول احتمال أن تكون تركيا قد قامت بهذا الدور لصالح مصر وبالتنسيق معها، معربين عن تخوفهم من الاحتمال الثاني، وهو أن تكون تركيا قد أدت دورا مخالفا للرغبة المصرية، وأنه وفقا للاحتمال الأخير، قد تتلبد الأجواء المصرية التركية مجددا بعد عودة العلاقات إثر قطيعة امتدت نحو 10 سنوات، متسائلين: هل ترد القاهرة على أنقرة بتحرك يضايق الأخيرة في سوريا؟

"يلبي أحد أهداف مصر"
وفي رؤيته للأمر وتعليقه عليه، قال الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية أحمد مولانا، في حديثه لـ"عربي21"؛ إن "الإعلان عن الاتفاق بين إثيوبيا والصومال، لم يتضمن تفاصيل توضح مصير مذكرة التفاهم بين أديس أبابا، وأرض الصومال بشأن تأجير ميناء بحري".

ولفت إلى أن الإعلان "اكتفى بالحديث عن عموميات من قبيل احترام وحدة أراضي الصومال، وهو ما يمكن أن تعيد إثيوبيا تفسيره مثلما فعلت في اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة ومياه النيل –وقعته مع مصر والسودان في آذار/ مارس 2015-".

ولكن الباحث في مجال الدراسات الأمنية، أوضح أنه "من ضمن أهداف مصر، عدم إقامة قاعدة عسكرية إثيوبية بحرية –على البحر الأحمر-"، مبينا أن "هذا الهدف يبدو وفق التفاصيل الأولية أنه تحقق مؤقتا، بينما هدف الضغط على إثيوبيا لتغيير موقفها بخصوص تشغيل سد النهضة لم يتحقق".

وعن هدف أنقرة، ومدى تصادمه مع مطامح القاهرة، يعتقد مولانا، أن "الدور التركي عمل على احتواء الأزمة بين الصومال وإثيوبيا؛ لأن لديها مصالح مع كلا البلدين، والأرجح أن ما تحقق يلبي أحد الأهداف المصرية، وأظن أنه يوجد تنسيق مصري تركي بخصوص ملف الصومال".

بروباغندا الدور المصري بالصومال

من جانبه، أكد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور سعيد عفيفي، أن "موضوع الدور المصري في الصومال لم يكن إلا بروباغاندا مصرية للسيسي، وأيضا ورقة من أوراق الضغط المصري على الإمارات".

عضو مجموعة "تكنوقراط مصر"، المعارضة، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "أبوظبي تسعى لفصل أرض الصومال، عن دولة الصومال، وذلك لمصالح تجارية تتعلق بالموقع الجغرافي المميز في القرن الأفريقي، كي تستكمل محور جزيرة سوقطرة اليمنية بخليج عدن التي تحتلها الإمارات".

وذهب عفيفي للقول؛ إن "مصر حضرت في الصومال ليس ضد إثيوبيا، كما فهم الجميع؛ ولكن كانت هناك للتلويح بالقوة إذا ما انفصلت أرض الصومال، وخصوصا بعد أن تم طباعة عملة لها وإصدار جواز سفر".

وأشار إلى أن "الإمارات اعترفت بهذا التحول في أرض الصومال، بل إنها فتحت مكاتب تمثيل دبلوماسي لها في العاصمة هرجيسا، وأعلنت قبولها جواز سفر أرض الصومال كدولة مستقلة".

ويعتقد عفيفي، أن "السيسي كان يريد ابتزاز الإمارات ماليّا؛ فأرسل بعض الوحدات من الجيش المصري في شكل استعراضي بحت، وفهم الجميع أنه ضد إثيوبيا، ولكن الحقيقة كما ذكرتها"، وفق قوله.

وعن المصالحة بين الصومال وإثيوبيا، أكد أن "هذا الأمر له جذور تاريخية تعود إلى احتلال إثيوبيا إقليم أوغادين الصومالي، وضمه لأراضيها عام 1954، وعلى الجانب الآخر ساعدت الصومال حركة تحرير أوغادين، ما نتج عنه نزاعات لهذا السبب".

واستدرك بقوله: "لكن بسبب التقارب الإثيوبي مع أرض الصومال، ومحاولة استئجار ميناء هناك؛ كون إثيوبيا دولة حبيسة ليس لها سواحل على البحر الأحمر بعد استقلال إريتريا عنها عام 1993، ووضع كل ساحل البحر الأحمر ضمن الأراضي الإريترية".

وأوضح أنه "نظرا لأن تركيا لا تريد تعقيد الأمور المستقبلية في أرض الصومال، إذا ما تم منح إثيوبيا الحق في إنشاء ميناء في أرض الصومال، فقد تدخلت تركيا لعقد هذه المصالحة لغرض إبقاء الوضع على ما هو عليه".

الحل المصري والحل التركي

وخلص للقول؛ إن "تركيا تدخلت لأجل مصالح الصومال، ومصر كانت تتدخل في الصومال لمصالح السيسي وعصابته"، مضيفا: "هكذا دائما هي الحلول العسكرية تخسر"، ملمحا إلى أن "السيسي اعترف بنفسه أنه ليس رجل سياسة".

وأضاف: "والسيسي يتبنى في كل أزماته إما الحلول العسكرية أو المؤامرات، وبدلا من استخدام الأوراق السياسية في حل أزمة سد النهضة أو استخدام الحل العسكري منذ العام 2017،  تبني نهج المؤامرات والمكايدات بين إثيوبيا والصومال للضغط على آبي أحمد، وهو فكر انتهى منذ عهد جمال عبدالناصر، لكن السيسي يصر على ذات النهج".

وعن احتمالات حدوث توتر في العلاقات المصرية التركية، وحدوث رغبة مغايرة في سوريا، أكد أن "تركيا الآن هي اللاعب الأقوى في سوريا وليست مصر ، والإرادة المصرية في سوريا ليس لها أي تأثير حالي، بل وعلى المستوى الشعبي، فالسوري يدعو للمصري بأن ينعم الله عليه بتغيير القيادة السياسية لما يعلمه عن معاناته".

وفي نهاية حديثه، يرى أن "العلاقة المصرية التركية مازالت علاقات دبلوماسية سطحية لرعاية المصالح الاقتصادية فقط".

بتفاهمات مشتركة

وفي رؤية تركية، يعتقد الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك تفاهمات مصرية تركية في الفترة الأخيرة خاصة بعد التقارب بينهما بملفات عديدة، وكان منها ملف إثيوبيا وأفريقيا بشكل واضح".

وأشار إلى أن "هناك إدراكا تامّا من صانع القرار التركي لتجنب الخلاف السياسي في الصراعات الأفريقية؛ بهدف الحفاظ على استراتيجية بناء شراكات متعددة مع دول القارة، ومنها مصر، كدولة مهمة جدا لتركيا، وبينهما علاقات ثنائية ودور كبير لهما في أفريقيا، وما يجمعهما في شرق المتوسط من قواسم مشتركة بين الطرفين في هذا الملف".

ولا يتوقع أوغلو، أن "يكون هناك تحركا تركيّا في أفريقيا يتعارض هدفه مع الرغبة المصرية في القارة؛ ولكن في النهاية، الدول تتحرك وفق مصالحها"، مضيفا: "لكني وكما ذكرت أن هناك استراتيجية تركية في أفريقيا تقوم على تجنب الانخراط في النزاعات، وحتى مع الدول الفعالة في هذه المنطقة".

ويعتقد أن "الخطوات التركية التي تتبعها أنقرة منذ أكثر من عامين تسير في هذا الاتجاه، ونحو فتح قنوات جديدة وكسب أصدقاء والبعد عن الخلافات والنزاعات".

وأكد أن "المتابع للشأن التركي والعلاقات التركية المصرية، يرى أنها تسير وفق تفاهمات، وتم صياغة منظومة بينهما في ملفات عديدة، كان آخرها الملف الليبي الصعب، الذي كان محور خلافات بين الطرفين في الأعوام الماضية".

وأشار الباحث التركي إلى أنه "خلال الزيارة الأخيرة من السيسي لأنقرة في أيلول/ سبتمبر الماضي، طلبت مصر من تركيا المساعدة في موضوع سد النهضة وضبط العلاقة مع أديس أبابا، ولذا؛ أعتقد أن الدور الدبلوماسي التركي الذي أدى أدوارا حيوية مؤخرا، من بينها في سوريا، كان بتنسيق أكبر بين القاهرة وأنقرة".

وتوقع زيادة "التنسيق بينهما، خاصة أن ملف فلسطين والحرب الإسرائيلية على غزة مازالت لم تغلق، كما أن هناك تفاهمات مشتركة بين مصر وتركيا في الملف السوري، وسيكون المسار نفسه قائما".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!