قطب العربي - الجزيرة مباشر

في عام حكمه اليتيم (يونيو/حزيران 1996 – يونيو 1997) تمكن رئيس الوزراء التركي نجم الدين أربكان من تحقيق أولى خطوات حلمه الذي راوده كثيرا، والذي تمثل في تأسيس تكتل إسلامي وازن في مجال العلاقات الدولية، يكون قادرا على تأسيس نظام عالمي عادل، بدلا من النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه سياسيا خمس دول ذات عضوية دائمة، لها حق النقض في مجلس الأمن، كما تهيمن عليه اقتصاديا مجموعة الثماني الاقتصادية الكبرى، وكانت الخطورة الأولى لتحقيق حلم أربكان هي تأسيس مجموعة الثماني الإسلامية الكبرى أيضا.

المجموعة التي تعقد قمتها الدورية غداً الخميس (19 ديسمبر/كانون الأول 2024) في القاهرة انطلقت في منتصف يونيو/حزيران 1997، أي في أسابيع أربكان الأخيرة في الحكم قبل أن يطيحه الجيش بانقلاب عسكري ناعم، أطلق عليه انقلاب المذكرة، وهي المذكرة التي قدمتها قيادة الجيش له متضمنة مطالب تعجيزية دفعته إلى رفضها، وترك السلطة.

أربكان الذي دخل الحياة السياسية التركية منذ أواخر الستينيات عقب عودته من ألمانيا، ترك بصمات كبيرة في المشهد التركي، فهو الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا، الذي أدخل هذا التيار حلبة السياسة التركية بعد عقود من الحكم العلماني الخالص الذي جاء على أنقاض آخر خلافة إسلامية، والذي لم يكن يقبل أي وجود أو مظهر إسلامي، بل يعتبره خطرا على علمانية الدولة، وقد بدأ بتأسيس حزب النظام الوطني عام 1970، الذي تم حله بعد 9 أشهر فقط، فأسس حزبا جديدا باسم السلامة الوطني عام 1972، وتمكن من الحصول على مقاعد برلمانية أهلته للدخول في شراكة سياسية مع حزب الشعب الجمهوري، تولى بمقتضاها موقع نائب رئيس الوزراء، وقد كان صاحب قرار دخول القوات التركية إلى قبرص التركية، وقد تم سجنه بعد انقلاب الجيش عام 1980، وبمجرد خروجه من السجن بعد 3 سنوات أسس حزب الرفاه الذي فاز بأكثرية نيابية عام 1996 فأسس حكومة تشاركية مع حزب الطريق القويم ، تولى بموجبها موقع رئاسة الوزراء مدة عام واحد انتهى بانقلاب الجيش كما ذكرنا.

خلال عام الحكم هذا حرص أربكان على تنفيذ حلمه في تأسيس كيان إسلامي دولي قادر على فرض كلمة المسلمين في النظام الدولي، وكانت الفكرة حاضرة، فاستغل موقعه رئيسًا للوزراء، في الدعوة إلى اجتماعات تحضيرية للمنظمة (الحلم) بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 1996، وانتهت بتأسيس مجموعة الدول الثماني الإسلامية في 15 يونيو 1997، التي تم تعديل اسمها لاحقا إلى مجموعة الدول الثماني النامية تجنبًا لوصف “الإسلامية” الذي لم يرق لبعض الأعضاء ومنهم الرئيس المصري السابق حيني مبارك، الذي لم يحضر القمة الأولى للمجموعة في تركيا، وأوفد رئيس وزرائه كمال الجنزوري.

توفي أربكان في فبراير/شباط 2011، لكن حلمه لم يمت، بل إنه وجد طريقه إلى النور في حياته بالإعلان عن تأسيس هذه المجموعة التي اقتصرت على أكبر 8 دول إسلامية من حيث التعداد السكاني، وهي إندونيسيا، وباكستان، وبنغلاديش، وتركيا، وإيران ومصر، ونيجيريا، وماليزيا، ( يبلغ تعداد سكان دول المجموعة مليار و178 مليون نسمة يشكلون نسبة 14.5 في المئة من سكان العالم)، وتهدف المجموعة إلى التعاون في مجالات التنمية والاقتصاد وزيادة حجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، وتحسين وضع هذه الدول في الاقتصاد العالمي (يبلغ نصيب دول المجموعة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 4.8 في المئة فقط،).

لم يكن أربكان يريد مجموعة اقتصادية فقط، بل أرادها أكثر شمولا، لذا عقدت قمتها الأولى بحضوره تحت شعار “السلام والحوار والتعاون والعدالة والمساواة والديمقراطية”، لكن دولا أخرى من المشاركين ارتأت قصر المجموعة على الشأن الاقتصادي حتى لا تثير استفزاز القوى الكبرى، ومع ذلك فإن المجموعة تضطر في أحيان كثيرة إلى اتخاذ مواقف سياسية خاصة اتجاه القضية الفلسطينية التي هي محل توافق بينها مثل دعوتها في العام الماضي إلى وقف الحرب في غزة.

في قمة المجموعة التي ستستضيفها القاهرة اليوم ستفرض السياسة نفسها على الاجتماع، في ظل التغييرات الكبرى التي تشهدها المنطقة الإسلامية بعد طوفان الأقصى وتداعياته، وفي ظل تهديد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لمنطقة الشرق الأوسط برمتها، وبعد انتصار الثورة السورية. وسيشارك في القمة رئيسا تركيا وإيران مع غيرهما من رؤساء الدول الثماني، لكن هذين الرئيسين سيلتقيان مباشرة للمرة الأولى عقب إطاحة حكم الأسد صديق إيران وخصم تركيا، وستكون القمة فرصة للتشاور في وضع سوريا الجديدة، إضافة إلى مناقشة القضايا الاقتصادية التقليدية المجدولة سلفا في أعمال القمة.

رغم صمودها مدة 27 عاما حتى الآن لم تحقق القمة نتائج ذات قيمة على المستوى الاقتصادي وهو هدفها الرئيسي، والسبب في ذلك هو ارتباط دول المجموعة بشراكات تجارية واقتصادية مع دول أو تكتلات أخرى ذات أولوية على شراكات هذه المجموعة، ومع ذلك تحرص الدول الأعضاء على استمرار عمل المجموعة على أمل تحقيق مكاسب منها ولو كانت قليلة، خاصة أن عضوية المجموعة لا تمثل عبئا ماليا كبيرا عليها، مع تحمل تركيا عبء الأمانة العامة في إسطنبول.

وأعتقد أن من المهم بالنسبة لقمة القاهرة أن تصدر بيانا بما حققته المجموعة من إنجازات خلال السنوات الماضية، وخاصة خريطة الطريق العشرية التي اعتمدتها قمة دكا (الافتراضية) عام 2021، والتي تهدف إلى زيادة قوة المنظمة وتأثيرها في الساحة الدولية، وزيادة التعاون في مجالات التجارة والزراعة والأمن الغذائي والتعاون الصناعي، وقضايا مثل الشركات الصغيرة والمتوسطة والطاقة والنقل والسياحة والصحة.

إذا اعتبرنا أن استمرار المجموعة حتى الآن (27 عاما) يعد نجاحا في حد ذاته، فإن استكمال حلم أربكان يحتاج إلى المزيد من المساعي لتطوير المجموعة، وزيادة فعاليتها عالميا، وهذه مهمة تلميذه أردوغان الذي يؤمن بالفكرة  ذاتها التي حملها أستاذه، وهي إقامة نظام عالمي عادل يكون للمسلمين فيه حضور قوي، وهنا فإن من الممكن ضم دولتين مسلمتين كبيرتين للمجموعة وهما السعودية والجزائر، ليصبح اسمها مجموعة الثماني+، أو يمكن تسميتها مجموعة العشر، فالدولتان المقترحتان تضمان عددا سكانيا كبيرا (37 مليون في السعودية و47 مليون الجزائر) كما أن السعودية تتبوأ المركز الثاني عشر ضمن مجموعة العشرين الأكبر اقتصاديا في العالم، وإضافة إلى ذلك يمكن تطوير أهداف المجموعة لتشمل قضايا سياسية وثقافية واجتماعية أخرى، حتى يمكن تحديد موقف إسلامي موحد اتجاه هذه القضايا في المحافل العالمية.

 

 

 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس