ترك برس

استعرض مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي سلجوق تورك يلماز، تأثير الدعم الغربي غير المشروط لإسرائيل على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى المنطقة بشكل عام، مؤكدا أن أحداث حرب 7 أكتوبر 2023 غيرت الديناميكيات في الصراع، وأسقطت الأسطورة التي كانت سائدة بأن إسرائيل ستظل المنتصر الدائم.

وتناول الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق العلاقة بين إسرائيل من جهة، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة من جهة أخرى، موضحًا كيف أن هذا الدعم قد أسهم في تأجيج حالة الاضطراب في المنطقة.

وناقش أيضا كيف أن هذه الحرب عكست الطبيعة الاستعمارية لإسرائيل، التي لا علاقة لها بمعاناة اليهود في أوروبا، بل تم تشكيلها ككيان استعماري يخدم مصالح الولايات المتحدة وبريطانيا.

وفيما يلي نص المقال:

إن الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل قد تسبب حتى يومنا هذا في إحداث حالة من الاضطراب ضد الفلسطينيين ودول المنطقة. وقد استفادت إسرائيل إلى أقصى حد من هذا الاضطراب، وبنت وجودها على اعتقاد مستمر بأن الانتصار سيكون حليفها. ورغم أن الفلسطينيين ودول المنطقة خاضوا صراعًا ضد إسرائيل، إلا أن وجود الولايات المتحدة والمملكة المتحدة خلف إسرائيل كان عائقاً كبيراً، مما أدى إلى كسر المقاومة بمرور الوقت.

أما بالنسبة للدول التي تراقب هذه التطورات من بعيد مثل تركيا، فكان غياب تفسير مقنع لدعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غير المشروط لإسرائيل يمثل مشكلة كبيرة. وفي هذا السياق، لم يتم تقديم تفسير كامل عن أنشطة اللوبيات في الولايات المتحدة لصالح إسرائيل. وربما كان هذا هو السبب في تكوّن فكرة مفادها أن اليهود يسيطرون على كل شيء في الولايات المتحدة. هذا النوع من التفكير يتجاهل دور العقل السياسي الأمريكي والبريطاني، وكانت الإجابة على السؤال حول آرائهما وأفكارهما بخصوص شرق البحر الأبيض المتوسط والعالم الإسلامي مفقودة. مع أن الإجابة على هذا السؤال كانت هي الأكثر أهمية. وبالتالي، لم يتم التركيز على الفروق بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وربما يكون هذا التقارب نابعًا من إيمانهما المشترك بقدرة إسرائيل على تحقيق النصر الدائم.

لقد ارتكزت علاقات دول مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية مع إسرائيل على الاعتقاد الراسخ بانتصار إسرائيل الدائم. ولا يمكن اعتبار ذلك قبولًا بالهزيمة، بل يمكن رؤيته كنهج قائم على المصالح من قبل كيانات تشبه الدول. وتجدر الإشارة إلى أن تعميم مصطلح "الدول الإسلامية" في هذا السياق يُعد إشكاليًا من الناحية الواقعية. فالإمارات على سبيل المثال، لا تتوافق مع معايير الوحدة الإسلامية أو العربية أو الجغرافية.

وقد أعاد تنظيم "بي كي كي" الإرهابي أيضًا صياغة نفسه بناءً على نفس التوقعات. وكما ذكرنا سابقًا، فإن الهياكل التابعة مثل تنظيم "غولن" الإرهابي لم تتردد في إقامة علاقات مع إسرائيل، لأنها تشترك معها في نفس الرؤية المستقبلية. غير أن تنظيم "غولن" يختلف عن الآخرين، فقد قام زعيم التنظيم الإرهابي غولن بتوجه رسائل علنية وواضحة إلى إسرائيل عام 1991 عندما غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق، مؤكداً على ضرورة الوقوف إلى جانب المنتصرين في ظل ما اعتبره إعادة تشكيل للمنطقة الإسلامية باعتبارها تشهد حالة جديدة من التفكك.

وما دام نجاح إسرائيل يتماشى مع المصالح الوطنية للولايات المتحدة وبريطانيا، فلن تواجه أي مشكلة، خصوصًا وأن اللوبيات في إسرائيل والولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة جيدًا. وحتى حادث الهجوم على السفينة الأمريكية يو إس إس ليبرتي عام 1967 من قبل إسرائيل عمدًا لم يتم إخفاؤه بواسطة النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة. حيث تم تجاهل هذا العمل وتبريره على أنه يخدم المصالح الوطنية الأمريكية.

ومن يعتقد أن كسب عداء المسلمين العرب سيضر بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة الإسلامية فهو مخطئ. إن التغاضي عن المجازر والتطهير العرقي وجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل هو نتيجة مباشرة للمصالح الوطنية للولايات المتحدة وبريطانيا. وقد أثرت هذه المعتقدات القوية في الولايات المتحدة وبريطانيا على البنى التابعة في منطقتنا. لذا يجب أن يتم تقييم موقف تنظيمي "غولن" و"بي كي كي" الإرهابيين الذين ينظرون إلى الفلسطينيين وحماس كأعداء من هذا المنظور. ولم يستسلم الفلسطينيون وحماس أبدًا.

كان ظهور حركة حماس باستراتيجية جديدة لمواجهة إسرائيل بعد 7 أكتوبر أمرًا غير متوقع. لقد كسرت حماس الاعتقاد السائد بأن إسرائيل ستنتصر دائمًا. ونتيجة لذلك، انهارت قصة إسرائيل التي استمرت حوالي قرن من الزمن، وسقطت أسطورة المحرقة التي فقدت كل قيمتها. لقد أثبتت إسرائيل أنها بنية استعمارية استيطانية، وأنه لا علاقة لها بمعاناة اليهود في أوروبا. لقد تم تشكيل هذا الكيان الاستعماري وفقًا لمصالح الولايات المتحدة وبريطانيا.

وقد انكشفت هذه الحقيقة بكل عريها بعد 7 أكتوبر. لقد عادت الوحشية الاستعمارية الأنجلوسكسونية التي كان يعتقد أنها من الماضي إلى الظهور في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو أمر لا يمكن تفسيره بالأيديولوجيا اليهودية. كما أن تحريك المستوطنين الإسرائيليين أثناء الثورة الشعبية في سوريا هو دليل على أن إسرائيل دولة استعمارية. ولكن هناك تغيير كبير على أرض الملعب الآن، حيث بدأت الأنظمة التي نشأت عن الاستعمار البريطاني والفرنسي في التغيير، وهذا لا يتماشى مع الاعتقاد الراسخ بأن إسرائيل ستنتصر دائمًا.

من الصعب استيعاب التغيرات التي حدثت في الميدان مع نتائجها بشكل كامل. ولكن يمكننا أن نفترض أن تركيا والحكومة السورية الجديدة قد تؤديان إلى تغيير في تعريف المصالح الوطنية لكل من بريطانيا والولايات المتحدة. ومن المرجح ألا يؤثر هذا التغيير على البلدين بنفس الشكل، ولكن يمكننا أن نتوقع أنه سيفتح باب النقاش حول تعريف المصالح الوطنية في كلا البلدين. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أيضًا تصريحات رئيس الوزراء اللبناني حول تركيا والرئيس أردوغان، والتي تمثل تطوراً جديداً.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!