إبراهيم قراغول - يني شفق

هل يمكن أن تشن تركيا عملية عسكرية ضد تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي رغم معارضة الولايات المتحدة؟نعم، يمكنها ذلك. وقد فعلت ذلك سابقًا، وتفعله الآن، وستواصل فعله مستقبلًا.

هل يستطيع الوجود الأمريكي شرق الفرات أن يعيق تركيا؟ لا، لا يستطيع، ولن يتمكن من ذلك.

هل لا تزال هناك عوائق أمام إعادة توحيد الخريطة السورية؟ لا، لم تعد هناك أي عوائق.

هل يمتلك تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي القوة لتقسيم الخريطة السورية؟ لا، لا يمتلك هذه القوة. ولن يمتلكها أبدًا. لن يُسمح بذلك تحت أي ظرف.

هل لإسرائيل القدرة، عبر دعمها العلني لتنظيم بي كي كي الإرهابي، على إبقاء الحرب محصورة ضمن حدود تركيا؟ لا، لا تمتلك هذه القدرة. هذا الفصل انتهى، وطيّ ذلك الملف بات أمرًا من الماضي.

من يهددون دمشق لن يستطيعوا الحفاظ على القدس

إذا كان هدفهم إشعال الحرب، فإن هذه الحرب ستنتقل من الآن فصاعدًا إلى حدود إسرائيل أو إلى داخلها. هذا هو النظام الجديد للعالم، وهذه هي الحقيقة التي تفرضها الجغرافيا. لم يعد بإمكان من يهددون دمشق أن يحافظوا على القدس دون مواجهة تداعيات ذلك.

أولئك الذين سعوا لتقييد تركيا داخل محور الولايات المتحدة-إسرائيل-أوروبا سيشهدون ظهور قوة جديدة. هذه القوة ستفرض واقعًا جديدًا، سواء داخل تركيا، أو في المنطقة، أو على المستوى العالمي.

الذين أعادوا تشكيل هذه الجغرافيا على مدار ألف عام قد عادوا، وعودة هؤلاء ستترك أثرها الكبير طوال القرن الحادي والعشرين.

درس في الجغرافيا والتاريخ للحمقى

تركيا، الدولة التي تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة، تبسط نفوذها بقوة غير مسبوقة:

تمتد قوتها من البحر الأحمر والخليج العربي إلى المحيط الهندي.

تراكم إمكانات هائلة تربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط.

تؤسس مناطق نفوذ مشتركة بين إفريقيا وآسيا، لتصبح لاعبًا أساسيًا في رسم ملامح التوازن الإقليمي والدولي.

وبعد إحباط محاولة الانقلاب في 15 يوليو، وضعت الأسس لإنشاء واحدة من أعظم قواها العسكرية عبر التاريخ، مما يثبت قدرتها على الصمود والتحدي.

كيف يمكن أن يُتصور أن تترك تركيا نقطة ضعف على حدودها؟ أو أن تُظهر عجزًا؟ أو أن تُقدّم مصالح دول أخرى على مصالحها الوطنية؟ أو أن تخاف أو تتردد؟ إن مجرد التفكير بهذا الشكل يُعدّ غباءً مطلقًا.

اليوم، كل من يضع ثقته أو آماله على تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي، يقف غارقًا في هذا الغباء وسيظل أسيرًا له، غير مدرك أن تركيا قد تجاوزت هذه التحديات وأصبحت قوة لا يمكن تجاوزها في المنطقة.

إغلاق عملية المخلب - القفل ماذا تعني؟ البداية الجديدة

بعد العمليات العسكرية التي استمرت لفترة طويلة ضد تنظيم بي كي كي الإرهابي في شمال العراق، جاء الإعلان الحاسم: إغلاق عملية المخلب - القفل.

انطلقت بعد هذا التصريح التحركات في سوريا، حيث انتهت حرب أهلية واحتلال دام 13 عامًا في غضون 13 يومًا فقط. سقط النظام، واستعادت البلاد حريتها.

اليوم، يتم تشكيل حكومة جديدة في سوريا، وتُعاد صياغة العلاقات الدولية، ويعيش الشعب السوري فرحة الحرية. تُتخذ الخطوات الأخيرة لتحقيق وحدة الأراضي السورية، بينما تُكشف ملفات الجرائم التي ارتكبها النظام السابق. في الوقت ذاته، يتم الإعداد لمشاريع تهدف إلى إعادة بناء البلاد اقتصاديًا.

خلال الفترة المقبلة، سنشهد صعودًا اقتصاديًا وسياسيًا على خط سوريا-لبنان، حيث تتحول المنطقة إلى دول استقرار وأمان. كما سنرى تشكيل مجالات مشتركة للقوة والازدهار بين تركيا وسوريا ولبنان.

ولكن، لم يدرك الكثيرون المعنى العميق لتصريح إغلاق عملية المخلب - القفل. فهذه العبارة تشير إلى إغلاق المنطقة الممتدة من الحدود الإيرانية إلى الحدود السورية تمامًا أمام تنظيم بي كي كي الإرهابي. كما أُغلقت البوابة الشرقية في وجه تنظيم واي بي جي الإرهابي. ولو لم يُغلق هذا القفل، لما كانت سوريا قادرة على تحقيق هذه النتائج الحالية.

من يستثمرون في الجنون سيشهدون جنون تركيا الحقيقي

ما الذي يمكن لتنظيم واي بي جي الإرهابي فعله الآن؟ تم قطع صلاته بإسرائيل، وانقطعت علاقاته مع إيران والعراق. ولم يتبقَّ له سوى الدعم الجوي من الولايات المتحدة، وهو دعم غير كافٍ للحفاظ على بقائه.

في الشمال، تقف تركيا بحزم، وفي الشرق يحضر الوجود التركي والعراقي، وفي الجنوب تتواجد سوريا. هل يمكن لتنظيم إرهابي محاصر من جميع الجهات أن يستمر معتمدًا على الضغوط السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل؟ الإجابة ببساطة: لا، لن يكون ذلك ممكنًا.

تركيا لن تساوم على وحدة أراضيها في سبيل الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة، ولن يكون هذا الخيار مطروحًا بأي حال من الأحوال. كيف لدولة نجحت في منع تقسيم الصومال أن تقبل بترك ثغرة تؤدي إلى تقسيمها؟ مجرد التفكير في هذا السيناريو هو ضرب من الجنون. ولكن أولئك الذين استثمروا في هذا الجنون سيكتشفون أن تركيا نفسها تمثل الجنون الحقيقي، جنون القوة والقدرة.

حكومة ضعيفة في دمشق كانت تناسب الجميع

إن تأسيس جيش إرهابي في شمال شرق سوريا لم يكن بهدف تقسيم سوريا فحسب، بل كان أيضًا خطوة تهدف إلى فتح جبهة مباشرة ضد تركيا.

لو تحقق تقسيم سوريا، لكانت جبهة تركيا قد فُتحت في اليوم التالي مباشرةً دون أي تردد. ولكن العقل الذي أعاد توحيد سوريا هو ذاته العقل الذي يعرف جيدًا كيف يمنع فتح هذه الجبهة.

وجود النظام السوري إلى جانب إيران وروسيا لم يكن كافيًا لردع محور الولايات المتحدة-إسرائيل-تنظيم بي كي كي الإرهابي. الحكومة الضعيفة في دمشق كانت تقدم لهم كل ما يحتاجونه لتنفيذ مخططاتهم الإقليمية بكل أريحية.

كانوا يشنون ضرباتهم في أي مكان بسوريا وقتما أرادوا، ويعززون أي تنظيم يخدم أهدافهم، ويصنعون أعداءً وحلفاء وفقًا لمصالحهم، بل كانوا ينفذون عمليات عسكرية على النقطة الصفر من الحدود التركية. سوريا تحولت إلى أرض بلا صاحب، بلا دولة أو شعب، مجرد قطعة أرض مهملة.

ولكن تلك الأرض المهملة استُعيدت. في دمشق، تم بناء قوة جديدة توحد الشعب والأرض معًا. هذه القوة لن تؤدي فقط إلى ضمان أمن واستقرار شرق الفرات، بل ستفتح آفاقًا جديدة لاستقرار لبنان أيضًا.

نهاية حقبة توسع إسرائيل: صعود قوة جديدة لا يمكن إيقافها

لم يقتصر تراجع النفوذ على إيران فقط، بل شمل أيضًا إسرائيل والولايات المتحدة. كل من حاول استغلال سوريا لزعزعة الاستقرار الإقليمي فقد قوته. عندما نتحدث عن "نهاية حقبة توسع إسرائيل"، فإن هذا هو المعنى المقصود تمامًا.

لا تنظروا إلى التحركات التكتيكية الحالية فقط، بل انظروا إلى الأفق البعيد؛ سنرى كيف بدأت إسرائيل تتراجع من الداخل، وكيف اقتربت دولتها من نهاية الطريق الذي كانت تسلكه.

لقد انتهت مرحلة إعادة تشكيل المنطقة بناءً على أولويات إسرائيل، وانتهت أيضًا حقبة زعزعة استقرار الدول وفقًا لمصالحها. أولئك الذين ربطوا الإبادة في غزة، واحتلال لبنان، وتفتيت سوريا في ملف واحد مترابط، يدخلون الآن مرحلة لن يتمكنوا فيها من تحقيق أجنداتهم في غزة أو لبنان مع استعادة سوريا لاستقرارها.

تحولات كبرى في الخريطة السياسية الإقليمية

عند النظر إلى التاريخ السياسي للمنطقة وتحولات القوى العالمية الحالية، سنشهد تغييرات جوهرية في خريطة القوى الجديدة. هذه التغيرات أحدثت زلازل سياسية وأضعفت نفوذ القوى الخارجية. نحن نعيش لحظة صعود قوة إقليمية كبرى تعمل على إعادة ترتيب الجغرافيا وإضعاف تدخلات القوى الخارجية.

القضاء على "الغزاة الصغار" في منطقتنا

لم يتبقَّ لدى القوى الخارجية سوى تنظيم إرهابي واحد، وهو تنظيم بي كي كي/واي بي جي. لكن هذا التنظيم لن يمكنهم من فرض إرادتهم على تركيا أو على أي دولة أخرى.

ذلك الجيش الإرهابي، والميليشيات المأجورة، والغزاة الصغار الذين كانوا يعبثون بأمن المنطقة، بات القضاء عليهم مسألة وقت قريب.

فرصة استثنائية لتركيا

تركيا أمام فرصة تاريخية لإنهاء إرهاب استمر لخمسين عامًا، ولإغلاق فصل طويل من الاستعمار وعدم الاستقرار الذي تم فرضه عبر الإرهاب.

لهذا السبب، من الواضح أن جميع "الصيغ السياسية" التي تُطرح حاليًا بهدف منح تنظيم بي كي كي/واي بي جي الوقت لإكمال مشروع تقسيم سوريا، ليست سوى محاولات لكسب الوقت والمماطلة.

لكن هذه الألعاب لن يُسمح لها بالاستمرار. لن يُسمح باستخدام تنظيم إرهابي كأداة لإفشال مشروع تركيا الكبرى وصعودها كقوة إقليمية لا تُقهر.

تلك التنظيمات هي بقايا الحملات الصليبية
إغلاق ثغرات الاختلافات العرقية والطائفية

لا ترتبط التنظيمات المسلحة في هذه المنطقة بالهويات العرقية أو الطائفية بأي شكل من الأشكال، بل تُستخدم هذه الهويات كأدوات لتبرير وجودها. في الواقع، جميع هذه التنظيمات هي امتداد للهجمات التي استهدفت المنطقة منذ العصور الصليبية، وهي أدوات تستخدم لضرب استقرارها ووحدتها.

لذلك، يجب اجتثاث هذه التنظيمات تمامًا من منطقتنا، دون استثناء.

لم يعد هناك مكان في هذه المنطقة للصراعات العرقية أو الحروب الطائفية؛ فهي نقاط ضعف استغلتها القوى الغربية لفرض هيمنتها. لكننا اليوم أمام حقيقة أكبر وأهم: إنهاء الاحتلال والاستعمار الذي ترسخ في منطقتنا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.

شراكة عسكرية ثلاثية ونظام دفاع جوي مشترك

بينما نشهد نهاية الاحتلال الفرنسي في إفريقيا، يجب أن نعمل على إنهاء الهيمنة الأمريكية في منطقتنا. كما ينبغي وضع حد للتوسع الإسرائيلي وللاحتلال المستمر، وجعل إنهاء "الإبادة الجماعية للمسلمين" هدفًا رئيسيًا في استراتيجياتنا.

لقد حان الوقت لسد الثغرات التي استغلتها القوى الخارجية لتقسيم دولنا. الثورة السورية كانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، وهناك خطوات أخرى يجب أن تُتخذ، مع تناولها بوعي وإدراك عميق لتحويلها إلى قوة جماعية توحد الشعوب.

يجب العمل على تطهير شرق الفرات بسرعة، والتحرك بفاعلية لوقف التوسع الإسرائيلي. كما يجب إبرام اتفاقيات دفاعية وعسكرية عاجلة بين تركيا وسوريا ولبنان، وتزويد سوريا ولبنان بأنظمة دفاع جوي متقدمة. هذا التعاون الدفاعي يجب أن يشمل البر والبحر، خاصة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

من التهديد إلى المبادرة: مرحلة جديدة

لطالما كانت القوى الخارجية هي من تهددنا، أما اليوم فقد حان الوقت لنكون نحن المبادرين بالتهديد. سنقول بكل وضوح: "دمشق هي بوابة القدس". تحرير دمشق يعني تحرير القدس، وهذه حقيقة ثابتة عبر التاريخ، وستبقى كذلك دائمًا.

نحن على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالخطوات الكبرى.

أما بالنسبة لتركيا، فهذا ليس إلا بداية الطريق... فلنستعد لما هو قادم.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس