
إبراهيم قراغول - يني شفق
أدى بدء الهند هجومًا بالصواريخ والطائرات الحربية على الأراضي الباكستانية ليلة أول أمس إلى إشعال الأوضاع فجأة في جنوب آسيا. فالتصريحات المتصاعدة منذ أسابيع بشأن الحرب، وما رافقها من توتر، تحولت إلى واقع ملموس عبر تنفيذ الهند 24 غارة جوية وصاروخية على باكستان. فهل انتقلت الحروب التي استمرت لسنوات في الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا؟ وإذا دخل البلدان في حرب شاملة، فماذا سيكون موقف دول المنطقة؟ وما موقف الصين وروسيا؟ ماذا ستفعل جمهوريات آسيا الوسطى التركية، وإيران، وأفغانستان؟ هل ستدخل بنغلاديش الحرب أيضًا؟ هل هناك من يخطط لضرب "الحزام الإسلامي الكبير" الممتد من إندونيسيا إلى المغرب من خلال باكستان؟ وما موقع إسرائيل من هذا التخطيط الحربي؟
وإذا تفاقمت الأمور، هل ستنتشر الحرب على شكل تأثير الدومينو لتصل إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط؟ هل سيكون الصراع على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة عبر الهند؟ الأسئلة كثيرة، وكلها تشير إلى نتائج خطيرة وحقيقية ومقلقة.
باكستان... قدرة عسكرية مذهلة!
في الهجمات الهندية، استُهدفت المساجد والأهداف المدنية، ما أسفر عن مقتل 26 شخصًا. وقد تم اختيار "المسجد" كهدف بشكل مقصود، إذ كان هو محور الرسالة والحرب. وقد روجت نيودلهي ذلك للعالم كله باعتباره "حربًا ضد الإرهاب"، تمامًا كما لقّنوها. لكن ذلك لم يُجدِ نفعًا، إذ لم يعد لهذا "الخطاب القديم" من جمهور في العالم.
وقد ردت باكستان بحزم شديد وبإرادة صلبة. شاهدنا باكستان تتصرف بأسلوب بالغ الذكاء والانضباط، وهي تدرك تمامًا ما تفعل. ضربت مقرات القيادة الهندية على طول الحدود، ونفّذت هجمات صاروخية، وأسقطت 5 من أصل 10 طائرات حربية هندية في الأجواء، رغم أنها كانت - على ما يبدو - طائرات غربية الصنع وأحدث من حيث التكنولوجيا. كانت القدرات الاستخباراتية وتحديد الأهداف لدى باكستان ممتازة.
لقد شكلت قدرة باكستان على الردع قناعة دولية قوية بأن الهند لا تملك فرصة حقيقية للانتصار في مثل هذه الحرب.
ماذا قالت إسرائيل للهند؟
الوحدة القاتلة ستضرب الهند
لم تكن الهند تتوقع ردًا بهذه الحدة على هذا النطاق. ومن المؤكد أنها الآن تعيد التفكير بجدية فيما حدث. لقد كشفت التطورات عن صورة قوية لما يمكن أن تفعله باكستان في حال تصعيد إضافي.
غالبًا ما قالت إسرائيل للهند: "باكستان لا تستطيع الرد بفعالية، لأنها تخشى الولايات المتحدة. وسنقوم نحن بتسويق الهجوم على أنه ضد الإرهاب. انظر إلينا، نحن نقصف في كل مكان، ولا ترد أي دولة مسلمة في المنطقة. استعملوا هذا التكتيك أنتم أيضًا."
وجاء الدعم العلني الوحيد للهجوم الهندي من إسرائيل. حتى ترامب قال: "هذا الهجوم مخزٍ ويجب أن يتوقف فورًا." ويبدو أن الوحدة القاتلة التي دفعت إسرائيل نحو الانتحار في الشرق الأوسط ستصيب الهند أيضًا في جنوب آسيا.
الخرائط قد تتغير، والهند ستنكمش
وباكستان ردّت أيضًا على إسرائيل!
سياسة المتطرفين الهندوس بالاعتداء على المسلمين لنيل رضا الغرب يبدو أنها ستنتهي بالفشل. وعند النظر إلى خريطة القوى العالمية، والرياضيات السياسية، والتفكك داخل الغرب ذاته، وما يلي هذه الخطوات، يتضح أن مستقبلاً قد يُغيّر الخرائط الجغرافية في جنوب آسيا، ويقلّص من حجم الهند، أصبح أقرب إلى الواقع.
فباكستان ليست دولة شرق أوسطية، ولا يوجد بعد الآن من يصدق الخطابات القديمة. وإذا استمرت الهند في التحرك بعقلية إسرائيل، فقد تفقد مناطقها الشمالية بالكامل، وتُسحق أمام الصين، ويصاب نموها الاقتصادي بزلزال عنيف. ويبدو أن الرد القوي من باكستان كان رسالة حاسمة لكل من الهند وإسرائيل.
"حارب الإسلام... تنل رضا الغرب،
وتحصل على القوة!"
لقد حُوّلت الهند إلى "المتعهد الرئيسي" لحرب الغرب ضد الإسلام. فقد جعل اليمين المتطرف في إسرائيل والولايات المتحدة من الهند، بعد الحرب الباردة مباشرة، المقر الرئيسي للإسلاموفوبيا في الحرب الصليبية العالمية الجديدة التي أطلقوها.
وكان ينبغي توقع أن تتحول الهجمات التي بدأت داخل الهند ضد المسلمين إلى حرب مفتوحة. فالهند كانت بحاجة إلى سلاح يتيح لها تحويل نموها الاقتصادي السريع إلى قوة سياسية وعسكرية، ويجعلها قوة إقليمية عظمى، وذلك من خلال عقيدة الحرب على الإسلام التي لاقت قبولًا ودعمًا من الغرب.
ولنتذكّر، أن غزوات الولايات المتحدة وإسرائيل وشركائهما الأوروبيين لأفغانستان والعراق خلال الخمسة والثلاثين عامًا الماضية، وإشعالهم حروبًا أهلية في عشرات الدول، وإنشاؤهم عشرات التنظيمات الإرهابية، وترويجهم لمصطلح "التهديد الإسلامي العالمي"، كل ذلك تم لتحقيق هذه الأهداف. ومجزرة إسرائيل في غزة لم تكن سوى الحلقة الأخيرة من هذه العاصفة.
سيناريو إثارة "حرب دينية":
هكذا يُسوّق الأمر دائمًا!
بينما كانت أوروبا تضعف، تم "اكتشاف" الهند لتكون الأداة التي يدفع بها الغرب هذا السلاح إلى ساحة المعركة. مقتل 29 "هندوسيًّا" في كشمير في هجوم وصف بالإرهابي كان بمثابة حبكة لإشعال "حرب دينية". وكالعادة، سيُغلّف الحدث بغطاء "مكافحة الإرهاب"، وسيُسوّق بهذا الشكل.
وهذا ما حصل بالفعل. فقد اشتعلت الهند فجأة، وبدأت تتحرك لتحويل الموقف إلى حرب شاملة. فكل من السيناريو والرأي العام كانا، حسب منظورهم، جاهزين. وعليه، تحركت في الليلة السابقة وهاجمت باكستان.
في مقالي السابق، تناولت ما قد يحدث إذا دخلت البلدان في حرب كبرى. وإذا أردنا مناقشة الأزمة بلغة دقيقة، فعلينا أن نعود إلى تلك العبارات. ولهذا، أكررها مستأذنًا في ذلك:
كل دولة تربطها علاقات قوية بتركيا ستدعم باكستان
بينما كان العالم يركّز على التداعيات الجيوسياسية للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وقع الانفجار بين الهند وباكستان. فالولايات المتحدة حليف للهند، والصين حليف لباكستان، ومن الواضح أن شيئًا ما يُخطط له في الحزام الممتد من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا، بل إن آسيا الوسطى أيضًا جزء من هذا السياق.
كأن هناك سيناريو يُحبك ليشمل كل الدول القريبة من تركيا. وكأن الصراع بين القوى الكبرى، الصين والولايات المتحدة، يفرض خططًا جديدة على المسرح الإقليمي.
وستكون تركيا إلى جانب باكستان بكل دعمها العسكري. وستدخل بنغلاديش أيضًا هذه الحرب، إذ إن التعاون بين بنغلاديش وباكستان يتعزز بسرعة، لا سيما بعد الإطاحة بالديكتاتورة الموالية للهند "شيخة حسينة". وقد بدأ الجيش البنغالي فعليًا في حشد قواته على الحدود مع الهند.
وحتى إن دخلت فقط باكستان وبنغلاديش في الحرب في آنٍ واحد، فقد ينتهي ذلك بتفكك الهند للمرة الثانية. هذا فضلًا عن أن الضغط الصيني من الشمال بدأ يُحسّ بالفعل، وقد يدفع الهند إلى زاوية حرجة وبألم شديد.
الهند لا تستطيع الانتصار في أي حرب،
وستبقى فريسة لا أكثر
لقد تم حساب هذه الخطوة على عجل، وهذا واضح. فالضغط الصيني، إلى جانب اندلاع حرب كهذه، سيُقلص نفوذ الهند الإقليمي بشكل دراماتيكي، بل ويدمره.
الهند لا تملك فرصة للربح أو تحقيق مكاسب من الحرب. فهي ليست دولة حققت شيئًا بالحرب في تاريخها. وعلى الرغم من كل المبالغة، فإن قدرتها على خوض حرب إقليمية ضعيفة جدًا. ولن تتجاوز كونها "فريسة" تُستخدم من أجل أهداف إسرائيل والولايات المتحدة.
ولن يكون الدعم الأميركي والإسرائيلي كافيًا لإبقاء الهند على قدميها. بل ستفشل محاولات استخدام الهند كأداة في مواجهة الصين.
ومهما بلغ حجم اقتصاد الهند، فإنها لا تزال لاعبًا هاويًا للغاية في ساحة السلطة العالمية. كما أنها تفتقر تمامًا إلى ثقافة الإمبراطورية. وهاتان النقطتان هما من أهم السمات في صراع القوى الإقليمية والعالمية.
قد تُحمّل إسرائيل فاتورة هذه الحرب
إن محاولات ضرب الجغرافيا الكبرى الممتدة من إندونيسيا إلى الأناضول، ومن البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي، من بوابة جنوب آسيا، لن تُفلح. ويبدو أن إسرائيل تحاول اليوم تنفيذ هذا المخطط. لكنها، من وجهة نظري، ترتكب انتحارًا. وقد تُحمّل هي وحدها فاتورة هذه الكارثة.
فمن إندونيسيا إلى الأناضول، لا توجد دولة واحدة قد تدعم الهند. ستبقى معزولة تمامًا، وتُجر إلى كارثة، بل وقد ينهار اقتصادها قبل أن تبدأ المعركة.
هناك من يريد أن يشغل باكستان بالهند، بينما يُعدّ لشيء آخر في الشرق الأوسط. فإسرائيل تسعى لاستنزاف إيران عبر الولايات المتحدة، وباكستان عبر الهند، وتركيا عبر اليونان وقبرص. وغدًا، قد يدفعون بإندونيسيا إلى صدام مع أستراليا.
لكن، في السنوات العشر الأخيرة، تغيّرت قواعد اللعبة في كل الصراعات والحروب التي تدخلت فيها تركيا. وشهد التاريخ العسكري العالمي تطورات وتغيرات كبيرة، وتم اتخاذ خطوات مفصلية. ويبدو أن ذروتها ستكون في الحرب بين باكستان والهند.
بابور، السلاجقة، العثمانيون:
الجميع سيشارك في هذه الحرب!
إذا اتسعت رقعة الحرب، فستفقد الهند كشمير. وسيخسر المحور الأميركي – الإسرائيلي مواقعه بشدة في جنوب آسيا. وقد لا يبقى له شريك واحد من إندونيسيا إلى البحر المتوسط. وسينفر هذا الحزام بالكامل من الولايات المتحدة.
وسيُتخذ على الأرجح خطوات كبرى نحو تحولات تاريخية عظيمة، قد تشمل حتى مواجهة عسكرية بين تركيا وإسرائيل. بابور، السلاجقة، العثمانيون... جميعهم سيشاركون في هذه الحرب! وسينتهي بذلك الفصل البريطاني من التاريخ.
وأثناء انشغالكم بما يحدث في جنوب آسيا، لا تنسوا أن الرد على الحرب بين الهند وباكستان قد يُوجّه من البحر المتوسط والشرق الأوسط!
هم يفكرون بمائتي عام،
ونحن ننقل ألف عام إلى الحاضر
بينما يعيد العالم اليوم النقاش حول الدولة العثمانية، يبدو أن تاريخ إمبراطورية بابور سيُعاد فتحه أيضًا، ويُنقل إلى القرن الحادي والعشرين.
فبينما يناقشون هم آخر قرنين، نحن نناقش ألف سنة، وننقل ذاكرتنا التاريخية عبر الألف عام إلى الحاضر.
فالذاكرة، والإرث، والطموحات الكبرى تغيّر الخرائط. نأمل أن تُمنع هذه الحرب قبل أن تندلع، ولكن إن كبرت، فذلك ما سيحدث. ولعل وقت التغيير الحقيقي في الخرائط قد حان بالفعل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس