ترك برس

تناول مقال تحليلي للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، قرار السلطات في بلاده اعتقال زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ، المعروف بتصريحاته العنصرية تجاه اللاجئين.

 وقال أقطاي في مقاله بصحيفة يني شفق: "عندما سمعت بخبر اعتقال أوميت أوزداغ بتهمة إهانة الرئيس، لم أصدق أذني. إن شخصا أمضى سنوات في التحريض على الكراهية وإثارة الفتن وارتكاب جرائم كراهية كادت تدفع البلاد أكثر إلى حافة حرب أهلية عدة مرات، كان من المفترض أن يُحاسب على أفعاله الخطيرة بشكل عاجل ومنذ زمن بعيد، فهل يُعقل أن يكون مثوله أمام القضاء فقط بسبب إهانة الرئيس؟ أليست هذه التهمة بمثابة تفصيل صغير مقارنة بما فعله من جرائم جسيمة تدخل ضمن نطاق العديد من مواد القانون الجنائي التركي؟ إن إهانة رئيس الجمهورية ربما تكون مجرد إضافة ثانوية على سجل أوزداغ الحافل بالجرائم".

وأضاف: "لحسن الحظ، سرعان ما تم توضيح أن هذه التهمة ليست السبب الحقيقي لاعتقاله أو احتجازه لاحقًا. بل السبب الحقيقي، هو الجرائم التي ارتكبها سابقًا والتي كان يجب أن يُحاسب عليها منذ زمن بعيد، ولكن تأخر التعامل معها كثيرًا".

ولفت إلى أن أفعال وتصرفات أوزداغ تضمنت التحريض على الحقد والكراهية والبغضاء بين الناس وإثارة العداوات ومحاولة تقسيم البلاد ونشر الفوضى في المجتمع لزعزعة الاستقرار. كما شملت جرائمه اختلاق الأكاذيب ونشر الأخبار الكاذبة والاعتداء على حقوق الأشخاص وتشويه سمعتهم والإضرار بالاقتصاد بهذه الأساليب. بالإضافة إلى ذلك عمل على تقويض القيم الوطنية والمعنوية لتركيا وتشويه سمعتها الخارجية وإثارة الكراهية العنصرية، بل وحتى محاولة إشعال حرب أهلية في البلاد وغيرها من الجرائم. كانت لأوزداغ العديد من التصريحات والأفعال التي تندرج تحت هذه الجرائم، إلى درجة أن عدوانيته باتت تشكل تهديدًا للأمن القومي والسلم المجتمعي في تركيا.

وتابع المقال:

قبل بضع سنوات في منطقة ألتنداغ بأنقرة، استغل أوميت أوزداغ حادثة جنائية لتحريض الجماهير على مهاجمة أحياء سكنية يسكنها سوريون.وقد أسفرت هذه الهجمات عن حرق عدد كبير من المنازل والمحلات التجارية والسيارات، وتعرض العديد من السوريين للعنف والاعتداء. والحمد لله تصرّف اللاجئون السوريون بمنتهى الحكمة في تلك الفترة وصَبروا ولم يردوا على كل تلك الاستفزازات، وإلا لكانت الأحداث قد وصلت إلى مستويات كارثية لا تُحمد عقباها.

أما تغريداته التي تهدف إلى إثارة مشاعر الكراهية والعنصرية ضد السوريين، فهي وحدها كافية لتوضيح حجم الاستفزاز الذي يتعرض له مجتمعنا. ولا يزال الأرشيف متاحًا للجميع.

وما حدث في قيصري قبل فترة لا يختلف عن الاستفزازات التي حرض عليها تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في 6-8 تشرين الأول/أكتوبر 2014 بحجة قضية كوباني (عين العرب). ففي قيصري تم التخطيط لهذه الأحداث بشكل مسبق، حيث جرى تحديد منازل وأماكن عمل السوريين ووُضعت عليها علامات للإشارة إليهم، واستهدافهم بشكل علني. وكما حدث في أنقرة، كان أوميت أوزداغ وزعماء حزبه في طليعة المشهد التحريضي. وباستخدام أخبار استفزازية كاذبة وملفقة بعناية، تفجرت موجة من العنف أسفرت عن إحراق العديد من منازل وأماكن عمل السوريين، وتعرضهم للاعتداء الجسدي.

إن استضافة تركيا للاجئين السوريين منذ عام 2011 هي تجسيد للقيم الإسلامية الأصيلة التي يتحلى بها الشعب التركي، والتي تتوافق مع معتقداته وعاداته وتقاليده. وقد تميزت تركيا بهذا الموقف الإنساني النبيل، متفوقة على العديد من الدول في مجال العمل الإنساني. ورغم أن تركيا لم تعتبر هذا الأمر استثمارًا، بل نهجا إنسانيا خالصا، إلا أنها حققت مكاسب سياسية كبيرة منه بعد تحسن الأوضاع في سوريا.

وفي سوريا التي يعاد تشكيلها اليوم، أصبحت تركيا تحتل مكانة مرموقة بين دول العالم، وتتمتع بأكبر تأثير في تشكيل مستقبل سوريا. وهذا يعود بشكل كبير إلى السياسة الوطنية التي اتبعتها تركيا تجاه اللاجئين. وعلى النقيض من ذلك سعى أوميت أوزداغ وأتباعه إلى تقويض هذه السياسة الوطنية، وكانوا يعملون بجد لعرقلة جهود تركيا وتقويض مكانتها كقوة مؤثرة في المنطقة.

بمعنى آخر فإن هؤلاء الأشخاص عملوا لصالح الأطراف المعادية لتركيا والتي تسعى إلى إلحاق الضرر بها. ولا عجب في أنهم قد تذرعوا بالقومية التركية لتحقيق أهدافهم الخبيثة. فكل الخائنين لتركيا يلجأون إلى التستر وراء قيم نبيلة أو مقدسة أوهوية مقبولة. وإلا فإن الجميع يعلم أنه لا هو ولا من تصرفوا بهذه الطريقة لهم علاقة بالقومية التركية.

فالأيديولوجيا الإمبريالية البريطانية، التي سعت إلى تقسيم الدولة العثمانية التي كانت تمتد عبر ثلاث قارات لحصر الأتراك في الأناضول، وجدت في القومية التركية الأداة الأمثل لتحقيق أهدافها. وبالتعاون مع نظيرتها المكملة لها القومية العربية، تمكنت هذه القوى من حصر الأتراك في الأناضول. أما الأراضي التي كانوا يقللون من شأنها، ويصفونها بصحارى العرب، فقد استولى عليها البريطانيون والفرنسيون وأخيرًا الأمريكيون، الذين لم يكونوا أذكى منا، واستقروا فيها.

بعد أن زرعوا فينا هذا الخداع، استغلوا كل الثروات والإمكانيات الجيوسياسية للأراضي التي استقروا فيها إلى أقصى حد، بالطبع لم يكونوا أذكياء مثلنا ليقولوا "ما شأننا بصحارى العرب، ولماذا يجب أن نبذل أرواحنا هناك؟". ولم يصلوا بعد إلى هذا الوعي والنضج الفكري فهما خاصان بنا. فما هو دور المتطرفين العنصريين مثل أوميت أوزداغ؟ أولئك الذين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هذا المستوى من الوعي والنضج الفكري سيرشدهم إليه عبر خطاباته المليئة بالغضب والتحريض.

ولكن أي شخص يتمتع بقدر ضئيل من الفطنة يمكنه إدراك أن هذا النوع من العنصرية يؤذي الأتراك قبل أي شخص آخر، ويضعف مكانة تركيا، ويجعلها عاجزة عن إدارة شؤونها، ويهدد السلم الاجتماعي، ويشل حواس الأمة.

إن الادعاء بأن أوميت أوزداغ من خلال العنصرية المتطرفة والهجومية التي أظهرها حتى الآن يعبر عن مشاعر وأفكار فئة معينة من المجتمع، وأن شخصًا آخر سيظهر ليمثل هذا القطاع إذا اختفى هو، هو ادعاء فارغ. فالساحة السياسية أشبه ما تكون بالسوق، حيث يمكن لأي سلعة أو فكرة أن تجد مشترين من خلال التسويق والإعلان الجيد. ولكن بعض هذه الأفكار ليست سوى غرائز حيوانية لا يمكن أن تجد مكانًا لها في السياسة. ومن حق أي ديمقراطية سليمة، بل من واجبها أن تحد من انتشار مثل هذه الأفكار. يمكن للناس أن يكونوا عنصريين، ولكن لا يحق لهم أن يعبروا عن عنصريتهم إلى حد انتهاك حقوق الآخرين بذريعة حرية التعبير.

إن خطاب الكراهية والعنصرية الذي يروج له أوزداغ إذا لم يتم وقفه يمكن أن يثير الغرائز الحيوانية لدى الناس. وبما أن هذا النوع من الخطاب عدواني ويغذي الكراهية، فإن السماح له بالانتشار يشكل تهديدًا لأي مجتمع سليم. ومن الطبيعي أن تسعى تركيا، كدولة وشعب، إلى حماية نفسها من هذه الأخطار، ولا يمكن تصور عدم اتخاذ تدابير ضد المحرضين الذين يظهرون بوضوح عزمهم على تقويض السلم الاجتماعي الذي تسعى تركيا منذ سنوات للحفاظ عليه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!