ترك برس
أكد السياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، أن الحرب التي شنّتها القوة الصهيونية في غزة بدعم من العالم "المتحضر" بأكمله كشفت عن اختلال هائل وغير مسبوق في ميزان القوى، فعلى مدار 471 يومًا، استمع العالم لروايات مناقضة تماما لما كان يروَّج حتى الآن، وشهدوا تغيرا في توزيع الأدوار مخالفا تماما لما اعتادت رؤيته في الأفلام.
وقال أقطاي في مقال بصحيفة يني شفق إنه بدلًا من أن يكون اليهود ضحايا الإبادة الجماعية كما تصورهم هوليوود ونتفليكس، ظهروا كأبرز مرتكبي المجازر. ولا شك أن هذا كان أحد الأهداف التي سعت حماس لتحقيقها منذ انطلاقها في 7 أكتوبر، وقد نجحت في تحقيقه بشكل واضح.
ولم يقتصر الأمر على هذا فحسب، بل حققت حماس أيضًا مكاسب غير متوقعة في مواجهة هذا الاختلال الهائل في توازن القوى، وقد كانت هذه النتيجة نصرا كبيرا لحماس، بينما شكّلت هزيمة وخسارة كبرى لإسرائيل ولكل القوى التي تدعمها. وفقا للكاب التركي.
وتابع المقال:
غير أن البعض يقيسون نتائج هذا الصراع فقط من خلال عدد الشهداء الفلسطينيين والمدن المدمرة، ويستخلصون روايات نجاح أو فشل بناءً على ذلك، ولكن يغيب عن أذهانهم ما يلي: في تجارب الحروب غير المتكافئة التي تخوضها حركات التحرر ضد قوى استعمارية واحتلالية قوية، لا يمكن الحديث عن الهزيمة إلا إذا تلاشت إرادة المقاومة والنضال والتحدي لدى الشعوب المضطهدة. ففي هذه الحال تكون الهزيمة مرادفة للرضوخ لشروط وأوامر العدو، أما النصر فيتمثل في إفشال أهداف العدو ومنعه من تحقيق غاياته العدوانية.
عندما تنجح المقاومة في إحباط انتصار عدوها، تكون قد انتصرت، وعندما تسير على خطى العدو تكون قد هُزمت. أما عندما تتبنى رواية العدو وقصصه وترددها كالببغاء فتكون قد خسرت تماما. وهذا ما حدث لألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية عندما وقَّعتا على اتفاقيات الاستسلام واتبعتا مسار الولايات المتحدة. وللأسف واجه العثمانيون هزيمة مشابهة في عام 31 أكتوبر 1918، حيث حققت القوات البريطانية والإيطالية والفرنسية نصرًا واضحًا على الدولة العثمانية عندما وقعت الهدنة، وبهذا فتحنا أبوابنا للعدو. وكما قال علي عزت بيجوفيتش حول الهزيمة والنصر: " الهزيمة لا تتحقق بخسارة المواقع أمام العدو، بل عندما تصبح مشابها لعدوك".
واليوم تُظهر لنا المشاهد المقارنة التي رأيناها وخاصة في عمليات تبادل الأسرى، أن كتائب القسام أبعد ما تكون عن التشبه بأعدائها. بل على العكس، فقد قدمت نموذجًا فريدًا للمعايير الأخلاقية والروحية العليا، وأظهرت أسلوبًا مميزًا أذهل العالم أجمع.
وكما أشرنا سابقًا، حققت حماس جميع الأهداف التي أعلنها أبو عبيدة. فقد كشفت حماس للعالم بأسره الوجه القبيح للاحتلال الإسرائيلي، وعرّته أمام العالم، ودفعته إلى حافة الانحدار المعنوي. وجعلت جميع قضايا الاحتلال من ظلم واعتداءات وانتهاكات لحقوق الإنسان على جدول أعمال العالم. وكما كانت حماس تؤكد مرارا وتكرارا فقد أثبتت أن القوة العسكرية الإسرائيلية الهائلة لن تستطيع هزيمتها، فلم تقترب إسرائيل حتى من تحقيق هدفها المعلن في بداية الهجمات، وهو القضاء على حماس وإنقاذ الرهائن. بل إن حماس استطاعت تعويض خسائرها البشرية خلال الحرب بسرعة، وواصلت تطوير قدراتها وإمكانياتها العسكرية بشكل ملحوظ مع مرور الوقت. أما فيما يتعلق بالرهائن فلم تتمكن إسرائيل من استعادة أي منهم سوى أولئك الذين تم الإفراج عنهم في إطار الاتفاق. وكلما تحدث المسؤولون الإسرائيليون بتكبر وغرور كانوا يواجهون هزائم أكبر.
والآن وبعد توقيع الاتفاق، أظهرت حماس استعدادها التام لهذه المرحلة من خلال عرض القوة، حيث تم التخطيط لكل تفاصيل العملية، من إدارة الإعلام إلى الديكور. هذه المشاهد تمثل في الواقع سخرية من مزاعم إسرائيل بكونها دولة، بينما تؤكد في الوقت نفسه على قوة وصلابة حماس. وهذه المشاهد تنتشر في جميع أنحاء العالم، وتُفسر على أنها انتصار ساحق لحماس والقضية الفلسطينية بل وحتى للمسلمين، وتعكس تفوقًا معنويًا كبيرًا.
إن مشهد الأسيرات الإسرائيليات أثناء اعتلائهن منصة مراسم التسليم وكأنهن فُزن بميدالية أولمبية، وهن بصحة جيدة ومظهر أنيق تعلو وجههن الابتسامة، ويلوحن بأيديهن وسط مئات المقاتلين من حماس، تشكل صورة أيقونية ستظل تلاحق إسرائيل لسنوات قادمة وتجبرها على مواجهة تداعياتها.
ستُروى قصص المعاملة الإنسانية التي تلقتها الأسيرات الإسرائيليات على أيدي كتائب القسام، وستقارن بالمعاملة التي يلقاها الفلسطينيون في سجون إسرائيل. وفي هذا السياق يطرح الصحفي من جريدة "ستار" رسول طوسون سؤالاً بالغ الأهمية: "من الذي يتصرف كدولة ومن الذي يتصرف كمنظمة إرهابية؟"
في الحقيقة لقد أظهرت كتائب القسام منذ البداية هذه الحرب إرادة لا تصدق وشجاعة ونبلا وتخطيطا دقيقا لجميع التفاصيل. وأثبتت العروض الإعلامية لعمليات القسام أنها جزء من آلية إعلامية ضخمة، تُظهر عملًا احترافيًا في إدارة الصورة العامة. وهذه الاحترافية والنجاح يعودان بشكل أساسي إلى قدرتها على التحرك بشكل مستقل والإيمان والتفاني والانضباط الفريد رؤيتهم للحياة.
إنه انضباط الفريد يستطيع أصحابه أن يواصلوا مسيرتهم بثبات وإصرار حتى بعد استشهاد قائدهم وكأن شيئًا لم يحدث. لقد رأينا كيف فرحت إسرائيل كالأطفال باستشهاد يحيى سنوار. ولكن تلك الشهادة كانت حدثا غير اعتيادي؛ فلم تؤدِ إلى أي تراجع أو انهيار معنوي بين مجاهدي حماس، بل منحتهم الفرصة ليثبتوا لإسرائيل أنه لا يمكنها أن تنتصر عبر اغتيالات قادتهم أو بالأسلحة المدمرة التي تعتمد عليها. كما أثبتت أن هذا القائد الأسطوري لم يكن يفضل نفسه على الشهداء الذين سقطوا خلال الحرب، ولم يكن سياسيًا انتهازيًا يستغل مقاتليه لأغراضه الشخصية.
إن قضية فلسطين أساسها الإيمان الإسلامي والأخلاق وليست معركة تقدم امتيازات دنيوية لبعض النخب القتالية، بل هي قضية يتساوى الجميع بالإيمان بها، والتضحية بروحه من أجلها. ولعلنا نرى انعكاسًا واضحًا لهذه الحقيقة في ردود فعل الإعلام الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا النموذج من النصر لم يقتصر على غزة فحسب، بل ظهر أيضًا بنفس المعايير في سوريا وأفغانستان في الآونة الأخيرة.
وهذا يجب أن يذكرنا بأن المرجعية التي ألهمت أهل غزة والمجاهدين في كتائب القسام هي الأخلاق الإسلامية المستمدة من القرآن والسنة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!