إسلام الغمري - خاص ترك برس

في معركة التحرير الممتدة، حيث يُسطِّر الأبطال بدمائهم معالم الطريق نحو الحرية، رحل القائد العظيم أبو خالد محمد الضيف، قائد هيئة أركان كتائب الشهيد عز الدين القسام، بعدما أفنى حياته في مواجهة الاحتلال، يقاتل في الظل، ويقود المقاومة من خلف ستار، تاركًا بصمته في كل محطة من محطات الصراع. لكنه، وكما كان رحيل القادة العظام من قبله، لم يكن الأخير، ولم يكن نهاية المسيرة، بل حلقة جديدة في سلسلة التضحية والفداء التي لن تنكسر حتى تتحرر فلسطين من بحرها إلى نهرها.

الضيف.. أسطورة المقاومة التي لا تُمحى

لم يكن محمد الضيف مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا للصمود والأسطورة الحية التي أرهقت الاحتلال لسنوات طويلة. عاش متخفيًا، يخطط بصمت، يقود المعارك بحنكة، ويوجّه ضرباته بدقة أذهلت العدو وجعلته هدفًا دائمًا لمحاولات الاغتيال. ظنّ الاحتلال أنه باغتياله سينهي أسطورة الطوفان، لكنه لا يدرك أن الطوفان لا يتوقف، وأن من يزرع فكراً وجهاداً، لن تغتاله الصواريخ، ولن توقف مسيرته قنابل الطائرات.

رحل الضيف، لكنه ترك خلفه جيلاً صُنع على عينه، ونهجًا لن يموت، وكتائب متحفزة لاستكمال ما بدأه، فهذا القائد لم يكن فردًا، بل كان مشروعًا متكاملاً، ومنهجًا لا يُمحى من ذاكرة الأرض والمقاومة.

قادة لا يموتون.. وشهداء يعيدون رسم الخريطة

ليس محمد الضيف أول القادة الذين يرتقون شهداء، فقد سبقه الشيخ أحمد ياسين، شيخ المجاهدين، ورفيق دربه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ثم القائد صالح العاروري، وأبو العبد إسماعيل هنيه وقائد الطوفان يحيى السنوار، وغيرهم ممن حملوا راية الجهاد، وساروا على درب المقاومة حتى ارتقوا في سبيل الله. لكن التاريخ يشهد أن رحيل القادة لم يكن نهاية المسيرة، بل كان وقودًا يزيدها اشتعالًا، ودافعًا لاستمرارها بقوة أكبر وعزيمة أشد.

كلما غاب قائد خلفه ألف قائد، وكلما ارتقى شهيد نهض من بعده مليون شهيد، فهذه الأرض ولادة، وشعبها لا يعرف الانكسار، وكل قطرة دم تُراق، ترسم خارطة جديدة للمعركة، خارطة عنوانها الحرية، ووقودها التضحية، ونهايتها التحرير الحتمي بإذن الله.

المعركة مستمرة.. والنصر وعدٌ قادم

إن رحيل القادة العظام خسارة لا شك فيها، لكنه في ذات الوقت تأكيد على أن هذه القضية العظيمة تدفع بأغلى رجالها في سبيلها، وأن هذا الطريق الذي اختاروه، هو الطريق الوحيد المؤدي إلى القدس. إن معركة “طوفان الأقصى” لم تكن مجرد مواجهة عابرة، بل كانت نقطة تحول في مسيرة التحرير، وستظل وقودًا يُشعل روح المقاومة حتى يتحقق الهدف الأسمى: زوال الاحتلال عن كل شبر من أرض فلسطين المباركة.

لقد ودّعنا أبا خالد محمد الضيف، كما ودّعنا من قبله قادة وأبطالًا، لكننا على يقين بأن فلسطين لا تُترك يتيمة، وأن المقاومة لا تعرف الفراغ، وأن القسام الذي أنجب الضيف، قادر على أن يُنجب ألف ضيف جديد، يحمل الراية ويواصل الطريق. فهذا هو وعد الله، وهذا هو إيمان المقاومين الذين جعلوا شعارهم الخالد:

“وإنه لجهادٌ نصرٌ أو استشهاد”.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس