ترك برس

رأى الكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال أن إسرائيل فشلت في القضاء على حركة حماس ولم تتمكن من تأمين تبادل آمن للعديد من الأسرى الإسرائيليين على الرغم من الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة والدول الغربية.

وقال أويصال في مقال بصحيفة الشرق القطرية إن حماس أظهرت قدرتها على تطوير منظومة عسكرية فعالة للغاية رغم كل الظروف الصعبة والدمار الذي لحق بها، كما أصبح من الواضح أن إسرائيل غير قادرة على خوض حرب على جبهتين.

وأشار الأكاديمي التركي إلى أن إسرائيل كانت تهدف إلى القضاء على المقاومة في غزة، لكن النتيجة كانت عكس ذلك تمامًا، إذ تعززت روح المقاومة واستراتيجيتها، واكتسبت شرعية دولية.

وفيما يلي نص المقال:

لطالما استهدفت الأطماع الغربية العالم العربي الإسلامي منذ حقبة الحملات الصليبية. وقد شكلت حملة نابليون على مصر ثم الحرب العالمية الأولى تجسيدًا لهذه النزعة الاستعمارية. وعند انسحاب القوى الغربية من المنطقة، عملت على إنشاء مشروع يخدم مصالحها الاستراتيجية، تمثل في تأسيس دولة إسرائيل. وجاءت حماية إسرائيل كوسيلة لضمان استمرار الانقسام والاضطراب وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بما يحقق أهداف الغرب. وقد رُبط بقاء هذا الوضع إما باستسلام الشعب الفلسطيني وإذعانه، أو بتهجيره من أرضه.

بدعم من الولايات المتحدة والغرب، استغلّت إسرائيل وحكومة نتنياهو عملية السابع من أكتوبر كذريعة لشن حرب إبادة تهدف إلى القضاء على المقاومة في غزة. وقد سُجلت هذه الحرب في التاريخ كحملة الدمار والمجازر، لكنها لم تحقق لإسرائيل الأهداف التي كانت تطمح إليها. وكما أقرّ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، لم يكن لديهم تصور بأن مقاتلي حماس الذين فقدوا حياتهم سيتم استبدالهم بهذه السرعة وبأعداد كبيرة. من جانبه، اعترف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاجاري، بأن التحدي الحقيقي كان مواجهة فكرة المقاومة، وهو أمر أصعب من هزيمة حماس نفسها. ورغم إصرار نتنياهو وحكومته المتطرفة على استمرار الحرب، إلا أن تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، إضافةً إلى إعلان الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب كلمة «كفى»، وضع حدًا لهذا الصراع.

إن الطريقة التي انتهت بها حرب غزة تحمل في طياتها العديد من الدلالات والتأثيرات الاستراتيجية. في المقام الأول، ظهر بوضوح أن إسرائيل لا تمتلك القوة الكافية دون دعم الغرب، ولا سيما دعم الولايات المتحدة، حيث تبين أن عدوانها يعتمد بشكل أساسي على الإذن والدعم الأمريكي. ومن بين الآثار البارزة الأخرى، يتضح أن إسرائيل لن تتمكن مجددًا من خوض مشروع إبادة شاملة بهذا الحجم. وحتى إن حاولت، فإن الدعم الدولي الذي تعتمد عليه لن يكون بالقوة التي كان عليها سابقًا. لقد انقلبت رواية القوة والنجاح التي كانت تروج لها إسرائيل، مما جعل مهمتها أكثر تعقيدًا. ومع التوقعات باستمرار ثقافة المقاطعة والاحتجاجات على المستوى العالمي، ستواجه إسرائيل مزيدًا من العقبات. إضافة إلى ذلك، يبدو أن حرب غزة لعبت دورًا في خسارة الحزب الديمقراطي للانتخابات الأمريكية، وهو ما سيجعل هذه الحرب عنصرًا ذا تأثير في السياسات الداخلية مستقبلاً.

كان القضاء على المقاومة في غزة أحد الركائز الأساسية لمشروع الشرق الأوسط الجديد. ففي فترة ترامب الاولى، بدأ تصميم جديد للمنطقة وفي مركزها إسرائيل، ولكن هذا المشروع توقف نتيجة اعتراضات الفلسطينيين. وكان هدف نتنياهو إنهاء هذه الاعتراضات من أجل المضي قدمًا في خطته. أما انتصار غزة، فقد ألقى باتفاقات «صفقة القرن» في سلة المهملات. أكبر خسارة لإسرائيل كانت في تكوين مناخ عالمي معادٍ لها، بعد أن كانت دائمًا قادرة على تقديم نفسها كضحية ومظلومة رغم كونها على خطأ. مع حرب غزة، رسخت صورة إسرائيل كدولة قمعية وممارسة للإبادة في أذهان الناس. من جهة أخرى، أصبحت حماس، التي وصفتها إسرائيل بالإرهاب، تحظى بتعاطف دولي وشرعية متزايدة.

نظرًا لتدهور صورة إسرائيل، أصبح من الصعب على العديد من الدول الديمقراطية استقبال نتنياهو في عواصمهم، كما أن محاكمته في المحكمة الجنائية الدولية ستعقد من تحركاته القانونية. من جهة أخرى، فقد تأثرت صورة الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية القوية مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، بسبب الدعم غير المحدود الذي قدموه لإسرائيل. وعلاوة على ذلك، فإن تجاهلهم لمبادئ الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية التي كانوا يتاجرون بها سابقًا يجعل من الصعب عليهم استخدام هذه المفاهيم كأداة للضغط في المستقبل.

كما اهتزت صورة القوة العسكرية لإسرائيل بشكل ملحوظ. على الرغم من الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة والدول الغربية، فشلت إسرائيل في القضاء على حماس ولم تتمكن من تأمين تبادل آمن للعديد من الأسرى الإسرائيليين. فقد أظهرت حماس قدرتها على تطوير منظومة عسكرية فعالة للغاية رغم كل الظروف الصعبة والدمار الذي لحق بها. كما أصبح من الواضح أن إسرائيل غير قادرة على خوض حرب على جبهتين، مما دفعها إلى التوصل بسرعة إلى اتفاق مع حزب الله. عقب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، شعر الفلسطينيون بإحساس قوي بالانتصار والإنجاز، في حين كانت إسرائيل في موقف ضعيف. أصبح من شبه المستحيل على إسرائيل محاولة ارتكاب مثل هذه المجزرة مرة أخرى، وإذا حاولت ذلك، فمن المؤكد أنها ستواجه مقاومة أشد. والأهم من ذلك أن إسرائيل كانت تهدف إلى القضاء على المقاومة في غزة، لكن النتيجة كانت عكس ذلك تمامًا، إذ تعززت روح المقاومة واستراتيجيتها، واكتسبت شرعية دولية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!