ترك برس
يتناول مقال للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، خطاب أبو عبيدة، المتحدث العسكري لكتائب القسام، والذي أعلن فيه عن استشهاد سبعة من كبار قادة حماس، بما فيهم القائد البارز محمد الضيف، الذي وُصف بأنه العقل المدبر لكتائب القسام وأكثرهم غموضًا وتأثيرًا.
وأشار أقطاي في مقاله بصحيفة يني شفق إلى أن هؤلاء القادة استشهدوا في أوقات وأماكن مختلفة خلال الحرب، لكن إعلان استشهادهم جاء في توقيت محدد ليعكس قوة التنظيم والانضباط داخل حماس، حيث استمرت المقاومة في القتال بفعالية رغم فقدان قادتها.
وأبرز الكاتب التركي البطولات والتضحيات التي قدمها هؤلاء القادة، مشيرًا إلى أن استشهادهم لم يُضعف من عزيمة المقاومة، بل زادها قوةً وإصرارًا، فقد تحولت ذكراهم إلى مصدر إلهام وتحفيز للمقاتلين.
وفيما يلي نص المقال:
بينما كان العالم بأسره يتابع باهتمام بالغ عملية تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، وما تخللها من انحطاط إسرائيلي مقابل القدرات التنظيمية الفائقة لحماس، انتشرت أنباء عن خطاب مرتقب لأبي عبيدة. لقد بدا هذا التبادل وكأنه مشهد مستقل من الحرب، حيث أعدّت كتائب القسام عملية التبادل بدقة متناهية، وكأنها لوحة فنية مرسومة بعناية، بحيث حمل كل تفصيل رمزية عميقة ورسالة واضحة، وكأنها مواجهة جديدة بعد وقف إطلاق النار.
وفي هذه المواجهة، كان العالم يشاهد بوضوح تفوق حماس التي صمدت 471 يومًا في مقاومة شرسة ضد قوات الاحتلال الصهيوني، مستخدمًا إمكانيات محدودة للغاية. وبدت كتائب القسام وكأنها تهزم إسرائيل هزيمة ساحقة بكل نبلها وانضباطها ورقيّها. أما مشهد المجندة الإسرائيلية وهي تمشي بين الأنقاض وتصعد على منصة أمام منزل الشهيد يحيى السنوار فقد بدا وكأنه مشهد سينمائي بالغ الإتقان لا يمكن لأبرع المخرجين تجسيده. لقد جسّد هذا العرض المهيب أمام أعين العالم، حسن المعاملة الإنسانية التي حظي بها جميع الأسرى، وهو انتصار بحد ذاته. وفي خضم هذا الانتصار كان من المتوقع أن يكون خطاب أبو عبيدة عبارة عن احتفال بهذا النصر.
إلا أن أبا عبيدة ظهر هذه المرة بخلاف المعتاد، حيث وُضِعت في الزاوية العلوية اليسرى صور 7 أشخاص معظمهم غير معروف سابقًا. ثم أعلن في خطابه أن العقل المدبر لكتائب القسام وأكثرهم غموضًا وتأثيرا، محمد الضيف، قد ارتقى شهيدًا، لينضم إلى قافلة الشهداء. وتلا ذلك إعلانه عن استشهاد نائبه مروان عيسى، ثم خمسة آخرين من كبار القادة العسكريين.
في تلك اللحظة تساءل كثيرون: متى استشهدوا؟ أليس هناك وقف لإطلاق النار؟ لكن سرعان ما اتضح أن هؤلاء القادة قد استشهدوا قبل فترة طويلة، وفي أماكن وأوقات مختلفة. لقد كنا أمام نموذج آخر مبهر من القيادة العسكرية الفريدة التي جسّدتها كتائب القسام في إدارة الحرب الاستثنائية التي تخوضها منذ السابع من أكتوبر. فهؤلاء القادة الذين استهدفتهم قوات الاحتلال قد ارتقوا منذ بداية الحرب، ورغم ذلك ظلّت المقاومة لأشهر عديدة تواصل معركتها وكأن شيئًا لم يكن، بل ازدادت قوة وإصرارًا وتأثيرًا في الميدان يومًا بعد يوم.
إن نشر هذا الخبر في هذا التوقيت بالذات يدل بحد ذاته على أن كل شيء تحت السيطرة، وأن حماس قد أظهرت قدراتها التنظيمية الاستثنائية بأفضل شكل ممكن. فرغم استشهاد أبرز القادة، لم تتفكك الحركة أو تنهار، بل على العكس واصلت كل وحدة من الوحدات عملها بعزيمة وإصرار أكبر، وحتى بمزيد من الدافع والتحفيز، وكأن شيئا لم يحدث.
لقد خاضت كتائب القسام حربًا غير مسبوقة، حيث ظهرت في كل زاوية وفي كل مكان، ككابوس يلاحق الجيش الإسرائيلي. وهذا ما انعكس على وسائل الإعلام الإسرائيلية وتصريحات بلينكن. وكانت حماس تظهر من كل جانب، وكلما قتلوا مقاتلاً من حماس يولد آخرون. ورغم استشهاد القائد يحيى السنوار، إلا أن كل لحظة من لحظات استشهاده كشف عن ملحمة بطولية، محولةً ذكراه إلى سلاح أكبر بكثير مما كان وهو على قيد الحياة. لقد تحول استشهاد يحيى السنوار إلى مصدر قوي للتحفيز بين المجاهدين في حماس، فلم يدفعهم للحزن بقدر ما دفعهم للسعي جاهدين ليكونوا جديرين بمكانته ويتبعوا نهجه.
والأمر نفسه ينطبق على الشهداء السبعة الذين أعلن عنهم أبو عبيدة أمس. وأهم ما يميز استشهادهم هو أنه لا أحد في هذه الحركة يُستثنى من الجهاد، وأن جميع القادة حاضرون في الميدان، ولا يعتبر أحد حياته أغلى من حياة الآخر.
ما قاله أبو عبيدة عند إعلانه عن استشهاد الضيف والقادة الآخرين لم يكن مجرد عبارات أدبية، بل كان تعبيرًا عن حقيقة، حيث قال: "هذا ما يليق بقائدنا محمد الضيف أبو خالد الذي أرهق العدو منذ أكثر من 30 سنة، كيف بربكم لمحمد الضيف أن يذكر في التاريخ دون لقب شهيد وسام الشهادة في سبيل الله وكيف لمروان عيسى عقل القسام وركنه المتين أن يموت على الفراش" إن أجمل نهاية لحياة هؤلاء الرجال الأبطال الذين أفنوا أعمارهم في الجهاد أن تكلل حياتهم المليئة بالمقاومة بالشهادة. لقد وفوا بوعدهم لله، فجزاهم الله الشهادة. لقد كرس هؤلاء الأبطال كل لحظة من حياتهم للجهاد في سبيل الله. وقد ضربوا العدو في قلبه في معركة طوفان الأقصى.
والجانب الآخر المهم في استشهاد هؤلاء القاد هو إظهار أن حماس ليست حركة تعتمد على شخص واحد. فكل قائد من هؤلاء كان بمثابة نجم ينير الطريق ويلهم الآخرين، كما أنهم استشهادهم جعلهم يحققون أعظم ما يمكنهم فعله، وهو تحويل من خلفهم إلى قادة كذلك. واليوم هناك الآلاف في كتائب القسام قادرين على تولي القيادة وإظهار نفس الأداء المتميز. لذلك فإن استشهاد هؤلاء القادة ليس بشارة لإسرائيل، بل هو نذير شؤم لهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!