![](https://www.turkpress.co/sites/default/files/field/image/200115bcusaprofile-editorial.usa_.profile.jpg)
توران قشلاقجي - القدس العربي
الإجابة على هذا السؤال بسيطة للغاية؛ الولايات المتحدة الأمريكية ليست حضارة ذات تاريخ عريق. هذه الدولة، التي تشكلت من مهاجرين من مختلف أنحاء العالم قبل بضعة قرون فقط، تتحرك بشكل مستقل عن أعباء ودروس الماضي، ولهذا السبب، ليس لديها أي قلق بشأن التعلم من التاريخ.
أفضل طريقة لفهم هذا الموقف الأمريكي الخالي من الوعي التاريخي هي، النظر إلى قادتها، جميعهم أشخاص تخلوا عن جذورهم، وانفصلوا عن شعور الانتماء، وشكلتهم عقلية الحسابات والمصالح. اليوم، يجب تقييم التصريحات المتهورة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي ترامب بشأن غزة في هذا الإطار، السياسة الأمريكية هي نظام قائم على حسابات المصالح فقط، خالٍ من المشاعر والحساسيات الإنسانية.
أناتول فرانس أحد أهم الكتاب الفرنسيين في القرن التاسع عشر، تناول هذا النظام الخالي من الروح بأسلوب لاذع في كتابه «جزيرة البطريق» عام 1908. السطور التالية المأخوذة من الكتاب تكشف المنطق الأساسي للسياسات الأمريكية: «الأستاذ أوبنوبيل، الذي حضر جلسة للكونغرس الأمريكي، يلاحظ وينقل ملاحظاته على النحو التالي: بما أن الحرب من أجل فتح أسواق زيلاندا الثالثة انتهت لصالح الولايات المتحدة، أقترح إرسال الحسابات إلى لجنة المالية.
من يوافق؟ من يعترض؟
تمت الموافقة على الاقتراح.
ـ هل فهمت بشكل صحيح؟ سأل البروفيسور أوبنوبيل. ماذا؟ هل أنتم، كشعب صناعي، خضتم كل هذه الحروب من أجل مصالحكم التجارية؟
ـ بالطبع، أجاب المترجم. هذه هي حروب الصناعة، الشعوب التي لا تمتلك تجارة أو صناعة ليست مضطرة لخوض الحروب؛ ولكن المجتمع الذي يشكله قطاع الأعمال يجب أن يتبع سياسة اقتصادية توسعية. عدد الحروب يزداد بشكل متناسب مع قدراتنا الإنتاجية. على سبيل المثال، إذا لم تتمكن إحدى صناعاتنا من العثور على سوق لمنتجاتها، يجب أن تفتح الحرب على الفور أسواقا جديدة.
ـ لهذا السبب خضنا هذا العام حربا للفحم، وحربا للنحاس، وحربا للنفط، وحربا للقطن. في زيلاندا الثالثة، دمرنا ثلثي السكان لجعلهم يشترون مظلات ورباطات سراويل منا.
في هذه اللحظة، صعد رجل ضخم الجثة يجلس في وسط المجلس إلى المنصة ونادى: أطالب بإعلان الحرب على جمهورية الزمرد التي تجرأت على انتزاع احتكارنا اللحوم والنقانق في جميع أسواق الكون!
ـ من هو هذا المشرع؟ سأل الدكتور أوبنوبيل.
ـ تاجر خنازير.
ـ هل هناك معارضة؟ قال رئيس المجلس. أعرضه للتصويت.
تمت الموافقة على إعلان الحرب على جمهورية الزمرد بأغلبية ساحقة عبر رفع الأيدي.
ـ ماذا؟ صاح أوبنوبيل. كيف يمكنكم التصويت على حرب بهذه البرودة والسرعة؟
ـ لا تقلق، قال المترجم. هذه حرب تافهة لن تكلف أكثر من ثمانية ملايين دولار.
ـ وماذا عن الناس؟
ـ الناس مشمولون في الثمانية ملايين دولار.
هذه القصة الساخرة التي ذكرها أناتول فرانس قبل أكثر من قرن، تلخص بشكل رائع نظرة الولايات المتحدة إلى شعوب العالم والوجه الحقيقي وراء خطاب الديمقراطية. اليوم، نظرة الأمريكيين إلى غزة لا تختلف، بالنسبة لهم، غزة هي مجرد هدف استراتيجي؛ أرض فلسطينية مطلة على البحر الأبيض المتوسط. في أذهانهم، لا يوجد سوى رواسب الغاز والنفط تحت البحر وخطوط الأنابيب التي يريدون السيطرة عليها. في الخلاصة، الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة، على دول المنطقة أن تضع خلافاتها السياسية جانبا، وتشكل تحالفات قوية ضد هذه الأعمال الهمجية. التاريخ كتب نهاية مريرة لأولئك الذين لم يتمكنوا من التوحد. لقد حان وقت التحرك لتجنب مصير قصة «الثور الأصفر». العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وإسبانيا، أعربت عن استيائها من تصريحات ترامب بشأن غزة، وهو موقف يستحق الإشادة، لذلك يجب أن تُضم الدول الأوروبية ذات الضمير الحي إلى التحالفات الإقليمية التي سيتم تشكيلها. مصير منطقة متروكة لرحمة قوى تركز على المصالح فقط في المسرح العالمي، لا يمكن أن يتغير إلا من خلال التحالفات القوية التي تقيمها داخل نفسها، وإلا، فإن الوقوع تحت رحمة تجار الحرب الذين سخر منهم أناتول فرانس سيصبح أمرا لا مفر منه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس