ترك برس

سلط مقال تحليلي للخبير السياسي والأكاديمي التركي أحمد أويصال، الضوء على مواقف بعض الدول الأوروبية الكبرى، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، تجاه الأزمة السورية وتطوراتها.

وقال أويصال في مقاله بصحيفة الشرق القطرية إنه بعد اندلاع الثورة السورية، كلما اقتربت المعارضة من إسقاط النظام، شهدت بعض العواصم الأوروبية تفجيرات أدت إلى ترسيخ قناعة لدى حكوماتها بأن بقاء الأسد يشكل خيارًا أقل خطورة مقارنة بصعود تنظيم داعش. ونتيجة لذلك، تبنت الدول الأوروبية موقفًا متحفظًا تجاه الأزمة، تمامًا كما فعلت إدارة أوباما التي تخلّت عن دعم الثورة.

وأوضح أن أوروبا لم تُبدِ رد فعل كبيراً تجاه الدمار الذي خلفته التدخلات الروسية والإيرانية في سوريا، كما أنها لم تمارس ضغوطًا جدية للدفع نحو تنفيذ اتفاق جنيف الذي كان من المفترض أن يضمن انتقالًا ديمقراطيًا. واليوم، بعد مرور 13 عامًا، تغيرت المعادلات الإقليمية والدولية، وتمكن السوريون من الإطاحة بنظام الأسد، مما فرض واقعًا سياسيًا جديدًا يستدعي إعادة النظر في السياسات الدولية تجاه سوريا.

وبحسب الكاتب التركي، الدول الأوروبية، كما غيرها، فوجئت بالتطورات، إذ لم يكن متوقعًا أن يتمكن السوريون من إسقاط نظام الأسد بعد عقود من الحكم الاستبدادي. وباعتبار أوروبا لاعبًا أساسيًا في التوازنات الدولية، فإن طبيعة علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة ستشكل عاملًا مؤثرًا في مستقبل المنطقة.

وجاء في المقال:

*على الرغم من خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها أظهرت أنها دولة أوروبية مهمة في العلاقات الدولية. فمنذ عام 2017، اعترفت بهيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، ولكنها أظهرت فور سقوط الأسد أنها لن تصر على هذه المسألة بإرسال وفد برئاسة آن سنو، المبعوثة البريطانية الخاصة لسوريا. وخلال الاجتماع، تمت مناقشة مستقبل سوريا والمساعدات الإنسانية والدعم الاقتصادي. كما شاركت بريطانيا في المحادثات السورية في الرياض في كانون الثاني/يناير الماضي ودعمت الإدارة السورية الجديدة. وبعد أن دعمت بريطانيا أوكرانيا وإسرائيل في حروبهما، هي رحبت بتراجع النفوذ الروسي والإيراني في سوريا. ولكنها، كغيرها من الدول الغربية الأخرى، ليست في عجلة من أمرها لرفع العقوبات وإعادة الإعمار لأنها لا تريد أن تصبح الإدارة الجديدة التي تنظر إليها سلبا باعتبارها ”إسلامية“.

*تتخذ ألمانيا وفرنسا، الدولتان المحركتان للاتحاد الأوروبي، نهجاً أكثر انفتاحا تجاه سوريا. فقد سافر وزيرا الخارجية الألماني والفرنسي آنالينا بايربوك وجان نويل بارو إلى سوريا في يناير/كانون الثاني والتقيا الرئيس أحمد الشرع. وقد أكدا على ضرورة الانتقال الديمقراطي التعددي في البلاد واحترام حقوق الأقليات. كما تحدث المستشار الألماني أولاف شولتز هاتفياً مع أحمد الشرع. ألمانيا التي تعهدت بدعم إعادة إعمار سوريا، أكدت على محاربة داعش والمصالحة الاجتماعية وليس على وحدة البلاد. وكما هو معروف، فإن الدول الغربية تميل إلى التركيز على حقوق الأقليات بدلاً من التركيز على حقوق الأغلبية (الديمقراطية).

فرنسا، التي استعمرت سوريا قبل ١٠٠ سنة، تولي اهتمامًا كبيرًا لهذا البلد. وإدراكًا منها لضرورة تفادي تكرار خسائرها الاستراتيجية في إفريقيا داخل الشرق الأوسط، تنتهج فرنسا سياسة أكثر نشاطًا في الشأن السوري. وفي الوقت نفسه، وكما هو الحال بالنسبة لألمانيا والولايات المتحدة، فإن دعمها لإدارة القوات السورية الديمقراطية (قسد) في شرق الفرات يجعلها تتغاضى عن قضية وحدة الأراضي السورية. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول زعيم أوروبي يتصل بأحمد الشرع ويدعوه إلى زيارة فرنسا. وبالنظر إلى اهتمامها الوثيق بلبنان وإسرائيل، تولي فرنسا أهمية خاصة لسوريا، كما أنها تدرك تمامًا موقعها الاستراتيجي عند تقاطع ثلاث قارات، وتسعى إلى استغلال الفراغ الذي خلفه تراجع النفوذ الروسي والإيراني في البلاد.

*يتبنى الاتحاد الأوروبي، كمنظمة دولية، موقفًا أكثر مرونة تجاه الإدارة السورية الجديدة. ففي منتصف يناير، أعلنت حاجة لحبيب، المسؤولة عن إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، عن حزمة مساعدات بقيمة 235 مليون يورو. وعلى الرغم من أن هذه المساعدات لن تحل جميع مشاكل السوريين، فإنها تحمل رسائل إيجابية. كما أكد مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنهم أعدوا خريطة الطريق لرفع العقوبات في مجالات الطاقة والنقل والمالية، إلا أنهم لم يتخذوا خطوات ملموسة حتى الان. وتبدو الدول الأوروبية بطيئة في رفع العقوبات وتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية، ويُحتمل أن تكون هناك شروط مختلفة وراء الكواليس يتم التفاوض عليها. أبرز هذه الشروط هو تحسن العلاقات بين سوريا وإسرائيل واعترافها بإدارة قسد. ومن المخاوف المشتركة للدول الأوروبية، إطلاق سراح أعضاء تنظيم داعش الذين تحتجزهم قسد على الرغم من تقديم الحكومة السورية ضمانات في هذا الصدد. ويتطلع السوريون إلى رفع العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على نظام الأسد وإلى وصول المساعدات الإنسانية والتنموية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!