
ترك برس
تناول مقال للأكاديمي والخبير التركي أحمد أويصال، تطور السياسة الخارجية الأمريكية على مدار العقود الماضية، بدءًا من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى وصول جو بايدن، مع تسليط الضوء على التحولات الجذرية التي شهدتها بسبب التغيرات الأيديولوجية وتفضيلات الرؤساء الشخصية.
وناقش المقال الذي نشرته صحيفة الشرق القطرية كيف انتقلت السياسة الأمريكية من التعاون مع القوى الكبرى إلى المواجهات الأحادية، مثل تلك التي حدثت في عهد بوش الابن، ومن ثم إلى السياسات متعددة الأطراف في عهد باراك أوباما.
كما يبرز التغييرات التي حدثت في فترة دونالد ترامب، الذي اتبع نهج "أمريكا أولًا" مع تغييرات مفاجئة في مواقف الولايات المتحدة حيال قضايا عدة، وصولًا إلى سياسة بايدن التي حاولت العودة إلى بعض الاتفاقات السابقة.
وفيما يلي نص المقال:
على مدى العقود السبعة إلى الثمانية الماضية، حافظت الولايات المتحدة الأمريكية على موقعها كقوة عظمى مؤثرة في التطورات العالمية. ورغم امتلاكها موارد ضخمة وجامعات ومراكز بحثية تعزز نفوذها وتحمي مصالحها، إلا أن سياستها الخارجية شهدت تغيرات وانقطاعات عميقة عبر التاريخ. ولم تقتصر هذه التحولات على مجرد التكيف مع المتغيرات الدولية، بل تأثرت أيضًا بالاتجاهات الأيديولوجية وأحيانًا بتفضيلات الرؤساء الشخصية. في المقابل، تؤدي هذه التغيرات الجذرية إلى تداعيات واسعة، مما يثير مخاوف الحلفاء الذين يعتمدون على الولايات المتحدة في استقرارهم وأمنهم.
بعد الحرب العالمية الثانية، لعبت الولايات المتحدة دورا نشطا على الساحة الدولية، حيث استندت سياستها الخارجية خلال الحرب إلى تعاون روزفلت مع روسيا والصين. ومع تولي ترومان الحكم عام 1945، تحولت هذه السياسة إلى مواجهة الشيوعية والدول الشيوعية. وفي الستينيات، انتقل النهج العسكري من سياسة التدخل المحدود لكينيدي إلى مقاربة جونسون الأكثر تدخلاً، كما تجلّى في حرب فيتنام. أما في السبعينيات، فقد شهدت السياسة الأمريكية تحولًا من النهج المتشدد لجونسون إلى سياسة نيكسون القائمة على الانفراج مع الاتحاد السوفييتي والانفتاح على الصين. وفي العقد ذاته، انتقلت الإدارة الأمريكية من تبني السياسة الواقعية وتوازن القوى إلى نهج أكثر ليبرالية في عهد كارتر. ومع حلول عام 1980، عاد ريغان إلى تصعيد التوتر مع الاتحاد السوفييتي، مفضّلًا المواجهة بدلًا من التهدئة.
في تسعينيات القرن العشرين، ورغم انتمائهما إلى الحزب الجمهوري، كان هناك اختلاف واضح في النهج بين ريغان وبوش الأب. كما برزت تباينات ملحوظة مع انتقال السلطة من بوش الأب إلى كلينتون. فقد ركزت إدارة كلينتون، التي استمرت لفترتين، على العولمة الاقتصادية، والتعاون الدولي، والتدخلات الإنسانية. لكن مع تولي بوش الابن الحكم، حدث تحول جذري، حيث تبنى نهجًا أحادي الجانب وعدوانيًا، ساعيًا إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بعد الحرب الباردة، وخاصة في الشرق الأوسط. واستغل هجمات 11 سبتمبر وذريعة مكافحة الإرهاب لغزو أفغانستان والعراق، مما أدى إلى إدخال المنطقة في حالة من الفوضى العارمة. وفي مواجهة السياسة الأحادية لبوش، تبنى أوباما نهجًا متعدد الأطراف يميل إلى العالمية في سياسته الخارجية.
ومن الأمثلة البارزة على التغير الجذري بنسبة 180 درجة في السياسة الخارجية الأمريكية أنه بينما كان بوش الابن يسعى لغزو إيران بعد العراق، قامت إدارة أوباما بالانسحاب المفاجئ من العراق، مما أدى فعليًا إلى تعزيز النفوذ الإيراني هناك. كما أبرمت اتفاقًا نوويًا مع إيران وأفرجت عن 100 مليار دولار من أصولها المجمدة. بالإضافة إلى ذلك، واجهت إدارة أوباما توترات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل وتركيا ودول الخليج. ففي اليمن، ورغم أنها بدت وكأنها تدعم السعودية، مارست عليها ضغوطًا بدلاً من تقديم المساعدة المباشرة. وقد ركز أوباما على تعددية الأطراف من خلال توقيع اتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، مما يعكس توجهًا نحو التعاون الدولي متعدد الأبعاد.
مع وصول دونالد ترامب، شهدت السياسة الخارجية الأمريكية مجددًا تغييرات جذرية تحت شعار” أمريكا أولًا“. فبعد تحسين العلاقات مع العرب بشكل انتقائي، تخلت إدارة ترامب عن القانون الدولي والنهج التقليدي تجاه إسرائيل وأعطت نتنياهو كل ما يريده: القدس عاصمة، واحتلال مرتفعات الجولان والمستوطنات. كما انسحب من الاتفاق النووي مع إيران ومن اتفاقية باريس للبيئة دون استشارة الدول الأوروبية. كما انتقد حلف الناتو، منظمة الدفاع الغربية التي أسستها الولايات المتحدة الأمريكية، وشركاؤها.
تبنت إدارة بايدن التي خلفت ترامب سياسة خارجية مغايرة تمامًا، حيث عادت إلى الاتفاقات التي انسحب منها ترامب باستثناء الاتفاق النووي مع إيران. من جهة أخرى، أسفر انسحاب بايدن المفاجئ من أفغانستان عن شكوك حلفاء الولايات المتحدة في مصداقيتها. كما كانت إدارة بايدن طرفًا محرضًا في الحرب الأوكرانية، وساندت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، وهو ما يتناقض تمامًا مع المواقف التقليدية للديمقراطيين في أمريكا. أما ترامب، فبينما سعى من جهة إلى فرض وقف إطلاق النار في حرب غزة التي بدأها بايدن، طرح من جهة أخرى مشروعًا لتغيير هوية غزة وتحويلها إلى وجهة سياحية، وهو ما يعتبر بمثابة مشروع إجرامي. كما اتضحت تفضيلاته لشركاء آخرين في منطقة الخليج. في الوقت الذي تتراجع فيه الثقة في الولايات المتحدة، التي يفترض أن تكون دولة قائمة على المؤسسات والمبادئ، يواصل ترامب الاستفادة من مكانة بلاده كأقوى دولة في العالم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!