ترك برس

استعرض مقال للكاتب والخبير التركي يحيى بستا، تحليلًا سياسيًا وأمنيًا للوضع الحالي لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي وذراعه في سوريا "واي بي جي/قسد"، مع التركيز على التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، وموقف تركيا من هذه التنظيمات الإرهابية.

وقال بستان في مقاله بصحيفة يني شفق إن الإدارة الأمريكية الجديدة، وتغير النظام في دمشق، عاملان يدفعان التنظيم الإرهابي إلى البحث عن راعٍ جديد، مشيرا إلى اتصالات "بي كي كي" الوثيقة مع إسرائيل، وجهود إيران لتعزيز حلقة المقاومة المفقودة في سوريا عبر دعم التنظيم.

ولفت إلى أن المحادثات الأمريكية الروسية تعد مصدر أمل جديد بالنسبة للتنظيم، فقد صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن "روسيا والولايات المتحدة قد اتخذتا خطوات أولية للتعاون في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا وفلسطين"، وأن قادة التنظيم يراقبون هذا التصريح بعناية ويعملون على تحليله.

وفيما يلي نص المقال:

في السابع من فبراير، صرّح القيادي في تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في قنديل، مراد قره يلان، قائلًا: "لا يمكن تحقيق شيء بمجرد دعوة عبر الفيديو". كان هذا بمثابة رد على احتمالية صدور بيان من إمرالي في الخامس عشر من فبراير. ولكن بعد خمسة أيام فقط (12 فبراير/شباط)، أصدر التنظيم بيانا يتعارض تماما مع موقف قره يلان، مؤكدا ضرورة أن يدرك الجميع مسؤولياتهم بشكل صحيح.

وفي التاسع عشر من فبراير، بدأ ذراع "بي كي كي" الإرهابي في سوريا "واي بي جي/قسد" بالترويج لأخبار تفيد بأنهم "توصلوا لاتفاق مع حكومة دمشق". ولكن هل توصلوا إلى اتفاق حقاً، على العكس تمامًا، فقد أعلن التنظيم الإرهابي رفضه التخلي عن السلاح. فما الذي يجري إذًا؟ سأحاول نقل الصورة كما رأيتها وسمعتها، وكما تشكّلت في ذهني.

 

حُلم تركيا الخالية من الإرهاب

لقد دفعت تركيا ثمنا باهظا في حربها ضد الإرهاب، حيث فقدت عشرات الآلاف من مواطنيها. وهذا التنظيم ليس سوى أداة، هدفه استنزاف الموارد البشرية والطاقة والرؤية الاستراتيجية لتركيا. وقد أتيح لي مؤخرا الاطلاع على تفاصيل تقرير قُدِّم لصنّاع القرار خلال اجتماعات أمنية قبل عامين، تناول الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها تركيا بسبب الإرهاب. ووفقًا للتقرير بلغت هذه الخسائر 1.2 تريليون دولار.

ومن أجل كسر هذه القيود، تبنّت تركيا نهجا جديدا في عام 2015، مستهدفة الإرهاب في منابعه، مما أدى إلى شلّ حركة التنظيم في كلٍّ من العراق وسوريا. واليوم وصلت تركيا إلى مفترق طرق حاسم: فإما أن توجه ضربة قاصمة للتنظيم، أو تجبره على إلقاء السلاح.

إن دعوة زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، في أكتوبر 2024، إلى جانب موقف الرئيس رجب طيب أردوغان الذي شدد على أنه "إما أن يصغوا إلى هذه الدعوة، أو سندفنهم في جحورهم مع أسلحتهم التي يرفضون التخلي عنها"، هما جزء لا يتجزأ من هدف "تركيا خالية من الإرهاب"، ويمثلان الركائز الأساسية لهذا الهدف.

إما السلاح وإما السياسة المدنية

وخلال هذه المرحلة، عُقد اجتماعان مع إمرالي. وكان هناك اختلاف واضح بين الرسالة الأولى التي أرسلها عبد الله أوجلان في ديسمبر 2024، والثانية في 22 يناير. ففي الأولى، قال أوجلان: "أنا أيضا أملك الكفاءة والعزم لتقديم المساهمة اللازمة بشكل إيجابي في النموذج الجديد الذي يدعمه السيد بهتشلي والسيد أردوغان." أما في الرسالة الثانية، التي كشفت عنها تولاي حاتم أوغلو من حزب (DEM)، في 29 يناير، فقد نقلت عن أوجلان قوله: "إذا التقت مقاربة بهجلي مع عقلية الدولة، فسأقدم مساهمة تاريخية لخدمة السلام."

ومن يمعن النظر في هذه العبارة يرى أن إمرالي تتوهم أن "عقلية الدولة" تسير في اتجاه مختلف. وفي هذا السياق لا شك أن الراغبين في فهم هذا الاتجاه، قد تابعوا عن كثب خطاب الرئيس أردوغان في مؤتمر حزب العدالة والتنمية الذي أقيم في نهاية الأسبوع.

وقد حسم الرئيس أردوغان الأمر، مؤكدا موقفه السابق، بقوله: "لا يمكن الجمع بين الإرهاب والسياسة، أو بين الإرهاب والديمقراطية. ولهذا نقول: إما الإرهاب أو الديمقراطية، إما السلاح أو السياسة المدنية." واختتم حديثه مشدداً على أنه " ما إن يتم القضاء على مشكلة الإرهاب، فإن أبواب عهدٍ جديد ستُفتح بإذن الله، من الديمقراطية إلى التنمية، ومن الأخوة إلى التكامل الإقليمي."

تقلبات التنظيم ومناوراته

لقد كان من المتوقع أن يصدر أوجلان بياناً في 15 فبراير، ولكنه لم يفعل ذلك بعد. ومن المحتمل أن يعقد الاجتماع الثالث بعد زيارة وفد حزب "DEM" لشمال العراق، حيث سيتم تحديد الموقف بناءً على التصريحات الأخيرة للرئيس أردوغان التي ذكرتها آنفا. وفي هذا السياق، أعلن حزب "DEM"، بعد يوم واحد فقط من خطاب الرئيس أردوغان، عن تقدّمه بطلب رسمي لإجراء لقاء جديد مع أوجلان في إمرالي.

إن أكبر تحدٍّ تواجهه إمرالي يتمثل في موقف قيادة قنديل، حيث تتصاعد الاعتراضات بين السطور وخلف الكواليس. ويردد قادة التنظيم تساؤلات من قبيل: "لماذا علينا الذهاب إلى دولة ثالثة؟"

والأمر نفسه ينطبق على سوريا، حيث تتولى الولايات المتحدة دور الوسيط بين النظام السوري وتنظيم "واي بي جي/قسد" الإرهابي. وتطالب دمشق "واي بي جي/قسد" بإلقاء السلاح، والاندماج في الجيش السوري، وأن يغادر القادمون من قنديل الأراضي السورية، وأن يُعامل جميع الأكراد كمواطنين متساوين في إطار الدولة السورية، وأن تعود موارد الطاقة تحت سيطرة الحكومة السورية، في إطار سعيها لترسيخ سيادتها.

لم ينتظروا إمرالي

إن التقارير التي انتشرت في 19 فبراير حول توصل "قسد" إلى اتفاق مع النظام السوري على 8 بنود" هي مجرد خداع. فالأمر لا يتعلق باتفاق حقيقي، بل هو مجرد إعلان لموقف تفاوضي أعده تنظيم "واي بي جي/قسد" الإرهابي داخليًا قبل بدء المحادثات مع دمشق.

وبموجب ذلك، ستعاود مؤسسات الدولة السورية نشاطها في المنطقة التي تسيطر عليها "قسد". وسينسحب جميع عناصر تنظيم "بي كي كي" الإرهابي غير السوريين، وهذا جيد إلى الآن، ولكن ماذا عن مصادر الطاقة والأراضي الزراعية؟ إنهم لا يتحدثون عن هذا الأمر. وماذا عن إلقاء السلاح؟ على الرغم من أن قوات تنظيم "واي بي جي/قسد" أعلنت قبولها الانضمام تحت مظلة الجيش السوري، إلا أنها لا ترغب في القيام بذلك بالصيغة التي تريدها دمشق. يقولون: "لن نسلم السلاح، بل سننضم ككتلة واحدة" وهذا سيئ. إنهم يتظاهرون بالموافقة، ولكن مواقفهم لم تتغير.

والفرق الوحيد هنا هو أنهم قاموا بصياغة قرارهم بعدم إلقاء السلاح من خلال مداولات داخلية، ليجعلوه قرارًا ملزمًا لهم. والأهم أنهم اتخذوا هذا القرار دون انتظار أي إعلان من إمرالي.

التنظيم لا يزال يبحث عن راعٍ جديد

إن الإدارة الأمريكية الجديدة، وتغير النظام في دمشق تدفعان التنظيم إلى البحث عن راعٍ جديد. وقد سبق أن أشرنا إلى أن "بي كي كي" الإرهابي على اتصال وثيق بإسرائيل، وكذلك جهود إيران لتعزيز حلقة المقاومة المفقودة في سوريا عبر دعم تنظيم "بي كي كي" الإرهابي. من جهة أخرى، تُعدّ المحادثات الأمريكية الروسية مصدر أمل جديد بالنسبة للتنظيم، فقد صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن "روسيا والولايات المتحدة قد اتخذتا خطوات أولية للتعاون في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا وفلسطين." ومن المؤكد أن قادة التنظيم يراقبون هذا التصريح بعناية ويعملون على تحليله.

ستنسحب الولايات المتحدة من سوريا. وكما أشرنا سابقاً فإن الموقف الأمريكي تجاه مستقبل "واي بي جي/قسد" لم يحسم بعد. فهل ستتخلى واشنطن عن التنظيم بالكامل، أم ستنقل وصايته إلى طرف آخر؟ هذه مسألة لم تتضح معالمها بعد.

وفي ضوء كل هذه المعطيات، نعود إلى السؤال الذي طرحناه في العنوان: لماذا غير التنظيم موقفه؟ ربما هناك من أشار لهم بالقول "لا تكونوا أنتم من يرفض." فالجدار الذي يستندون إليه على وشك الانهيار، وهم لا يريدون أن يكونوا تحت أنقاضه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!