
ترك برس
تناول تقرير تحليلي للسياسي التركي البارز ياسين أقطاي، مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي انعقد في دمشق، من زوايا متعددة، مسلطًا الضوء على أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وناقش التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق مدى جدية المؤتمر في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، ومدى شموليته في تمثيل مختلف فئات المجتمع السوري، بالإضافة إلى آليات تنفيذ خارطة الطريق المقترحة.
كما حلل الكاتب دور العدالة الانتقالية والإصلاحات الدستورية والمؤسسية، متسائلًا عما إذا كانت هذه الجهود تمثل تحولًا جذريًا أم إعادة إنتاج للنظام بآليات جديدة.
وتطرق التقرير أيضًا إلى الخطاب السياسي للرئيس أحمد الشرع، ودعوته للوحدة الوطنية وإعادة الإعمار، مع تقييم فرص نجاح سوريا في احتكار السلاح بيد الدولة وتحقيق الاستقرار، في ظل التحديات الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية.
وفيما يلي نص التقرير:
لقد تطرقنا في الأسبوع الماضي إلى تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني بهدف التشاور ومناقشة صياغة الدستور السوري ومسار الأوضاع العامة في سوريا، وإلى خارطة الطريق التي طُرحت خلال أول مؤتمر صحفي. كما أشرنا إلى التقييمات الإيجابية والمبشرة التي قدمها حسن دغيم، المتحدث باسم اللجنة، بشأن سير أعمالها بعد الاجتماعات الأولى. وكما كان مخططًا، فقد نظمت اللجنة أول مؤتمر للحوار الوطني السوري في دمشق خلال اليومين الماضيين (24-25 فبراير).
يهدف هذا المؤتمر إلى إرساء حوار طويل الأمد والتوصل إلى رؤية مشتركة لاتخاذ قرارات جماعية بشأن جميع القضايا السورية. ومن الجدير بالذكر أن سوريا لم تشهد حتى الآن مثل هذا المسار. في الواقع، يُعد هذا النهج مفاجئًا للبعض، خاصة أنه يأتي من أحمد الشرع ورفاقه الذين قادوا الثورة وحرروا البلاد من قبضة نظام البعث المستبد والدموي الذي حكمها لمدة 61 عامًا. إلا أن الشَرع ورفاقه يرجحون هذا الأسلوب وهذا المسار في السياسة.
وقد شارك في اللقاءات الحوارية التحضيرية ما يقارب أربعة الاف رجل وامرأة، مع كل أطياف وفئات الشعب السوري. وحضر المؤتمر حوالي حوالي 600 شخص من مختلف المحافظات السورية لمناقشة ستة ملفات رئيسية. أما أبرز القضايا المطروحة للنقاش في المؤتمر، فقد جرى تحديدها ضمن هذه الملفات الرئيسية وتشمل ضمان العدالة الانتقالية، والبناء الدستوري والإصلاح المؤسسي، وضمان الحريات الشخصية ووضعها على أسس دستورية مستدامة، وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني، وضمان مساهمتها ومشاركتها، والإصلاح الإداري وتحقيق التعافي الاقتصادي.
وأشار رئيس اللجنة التحضيرية، ماهر علوش، إلى أن المؤتمر يمنح السوريين فرصة لبناء دولة جديدة على أسس العدالة والحرية والمساواة. وأكد أن المشاركة في هذا المؤتمر شهدت تمثيلًا لجميع مكونات وأطياف المجتمع السوري، دون تطبيق أي نظام حصص عرقية أو طائفية أو سياسية، مع الالتزام فقط بمعايير الكفاءة التكنوقراطية. ولذلك ردًا على الانتقادات المبكرة التي أشارت إلى عدم تمثيل بعض الجماعات التركمانية، تم التأكيد على أنه لم يتم تمثيل أي مجموعة عرقية أو طائفية بعينها، ولكن التركمان حاضرون ويشاركون بفعالية في المؤتمر.
استهل ماهر علوش كلمته الافتتاحية بالإعلان عن انطلاق "عملية تاريخية ستسهم في تشكيل مستقبل سوريا"، مشددًا على أن "الحوار الحقيقي بدأ مع سقوط نظام الأسد، وتبلور بإرادة الشعب السوري". كما أشار إلى أن اللجنة التحضيرية نظّمت جلسات عمل وحلقات نقاش مكثفة استمعت خلالها إلى مختلف الآراء ووجهات النظر، فضلًا عن إجراء لقاءات فردية مع أكثر من 4,000 شخص من جميع أنحاء البلاد، وتقييم التوقعات والمطالب بدقة.
وفي ختام المؤتمر، كانت الكلمة التي ألقاها الرئيس السوري أحمد الشرع، بمثابة بيان سياسي شامل، حيث حملت رسائل ملؤها الأمل بشأن المستقبل والتحديات التي تواجهها البلاد، وأكدت على أسس الوحدة الوطنية، كما تضمنت خارطة طريق واضحة تعكس رؤية عميقة للمرحلة المقبلة. ولم تكن أهمية الخطاب نابعة فقط من مضامينه العملية، بل أيضًا من الفلسفة التي تستند إليها هذه العملية، وهو ما يبرهن على أن الشرع ليس سياسياً عادياً.
فرغم المعاناة الهائلة والآلام التي عاشها الشعب السوري وما قدمه من التضحيات الجسيمة، والشهداء والمفقودين، والدمار الذي خلفه النظام السابق، فقد حمل خطاب الشرع رسالة مختلفة تمامًا، حين قال: "نحن لا نجيد البكاء على الأطلال ولا البكاء والعويل بل نحن أمة العمل والجد". بهذا، أراد أن يبث روحًا جديدة في نفوس السوريين، مؤكدًا أن المسؤولية الآن تقع على عاتق الجميع لإعادة بناء الدولة بعد كل هذا الدمار والخراب، داعيًا إلى الوحدة والتشاور من أجل مستقبل الوطن والأمة.
كما أكد على أن سوريا كل لا يتجزأ، وأنه لا يمكن قبول محاولات أي مجموعة لإقامة مناطق ذات امتيازات استنادًا إلى الأسلحة التي تحملها والدعم الذي تتلقاه من قوى أجنبية. وأشار في هذا الصدد إلى أن "احتكار الدولة للسلاح ليس ترفًا، بل هو شرط أساسي للأمن القومي والاستقرار".
في الواقع، لطالما قدم الشعب السوري نموذجًا للتعايش يمكن أن يحتذى به العالم عبر التاريخ. ويمكن بسهولة رؤية الهدف الحقيقي من العقبات التي يتم وضعها اليوم أمام قدرته على فعل ذلك. كما تطرق الشرع إلى أولئك الذين يسعون إلى استغلال مآسي سوريا إلى فرص لتحقيق لمصالحهم الخاصة، مشيرًا إلى أن سوريا مرت بالعديد من التحولات في الماضي، من الاستعمار إلى الاضطرابات السياسية، ومن صراعات الوحدة إلى حكم البعث ومرحلة آل الأسد. وأضاف أن هذه التجارب التاريخية قد علمت الشعب السوري القوة والصمود، واختتم حديثه قائلاً:
"اليوم، تدعو سوريا جميع أبنائها إلى الاتحاد معًا، وتضميد جراحها معًا، وبناء مستقبلها يدًا بيد. ولم يعد لدينا رفاهية خذلان هذا الوطن. نحن من سيتولى حماية هذا البلد، وتقويته، وتحقيق الرفاه الذي يستحقه. سنعمل ليل نهار لإعادة سوريا إلى مكانتها."
في الحقيقة، نحن في تركيا معتادون على سماع مثل هذه الأصوات، ولكن مخاطبة الشعب بهذه الروح والمسؤولية والتواضع في أي دولة عربية وإسلامية له وقع جديد ومعنى عميق بلا شك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!