حمزة تكين - وكالة أنباء تركيا
شاهدنا جميعا ضمن مسلسل السلطان عبد الحميد الذي يُعرض على التلفزيون التركي الرسمي، ما وصفه الكثيرون بأنه "أعظم 5 دقائق" في هذا المسلسل.
هو مقطع من 5 دقائق من هذا المسلسل الذي يحكي قصية آخر خليفة للمسلمين السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله تعالى، ولكنه لم يكن مقطعا عاديا إذ أخذ ضجة كبيرة بين متابعي المسلسل وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشر بكثافة بين أصحاب القلوب الحية المحبين لحضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، العارفين بقدر عبد الحميد خان، التوّاقين لزمن كانت فيه الأمة تـُحكم من أهل الله وأهل الصلاح، لا من أهل الفساد وأهل الدنيا.
يحكي المقطع (مرفق في آخر المقال) قصة حقيقة جرت مع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله، يوم أن أتى إلى القصر أحد المواطنين مدعيا أنه له دينا من المال مع السلطان، رافضا مغادرة القصر رغم حصوله على المال إلا بعد لقاء السلطان.
باختصار، تم اللقاء وروى المواطن رؤيا رأى فيها حضرة النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول له :"قل لحميدنا، أنه يذكرنا بالصلاة والسلام كل ليلة، ولكنه نسي ذكرنا ليلة البارحة، فاذهب واطلب حاجتك منه (الدين)".
ما إن أنهى الرجل كلام حتى انتفض السلطان رحمه الله تعالى، وسأل "ماذا قال؟" مرات ومرات، وعند كل مرة يبدأ فيها الرجل بإعادة رؤياه يسكته السلطان عند كلمة "حميدنا" ويعطيه المال الكثير، استغرب مساعد السلطان من هذا الفعل وسأل السلطان "كاد هذا الرجل أن يأخذ كل ما لديك".
أجابه السلطان باكيا "والله بالله لو طلب كل ثروتي وسلطتي لكنت أعطيته.. كنتُ أعمل ليلة البارحة يا باشا، غفوت على طاولتي ونسيت الصلاة على النبي عليه الصلاط والسلام.. لقد أخطأتُ يا باشا".
هنا بكى السلطان وبكى الباشا وبكينا معهما... مقطع من دقائق قليلة أكد أنه مازال في الأمة الكثير الكثير الكثير من المحبين الصادقين لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، ينتظرون حاكما محبا للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ليعيد له أمجادا عظيمة انتهت مع الانقلاب والتآمر على آخر خليفة للمسلمين قبل أكثر من 100 عام.
السلطان عبد الحميد رحمه الله كان من الصادقين مع حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، وسيرته وحكمه خير دليل على ذلك، والحرب التي تعرض لها من المنافقين خير دليل على ذلك... كان مواظبا كل يوم وليلة على ورد الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولصدقه أتته الرسالة النبوية فورا يوم أن نسي ورده.
لو لم يكن صادقا لما أتته هذه الرسالة، رسالة هزت مشاعره، أبكته، كاد منها أن يتخلى عن كل ما يملك، لحظة أن سمع أن النبي عليه الصلاة والسلام ينسبه إلى نفسه وإلى أمته بلفظ "حَمِيدُنا".
حضرة النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل "قل لعبد الحميد"، بل قال "قل لحميدنا"... ما أعظم هذه النسبة التي نالها ذاك السلطان المفترى عليه، وما أعظم هذه النسبة لو حصلتَ عليها أنت أيضا!
نعم فالصدق مع النبي عليه الصلاة والسلام، والصدق تجاه أمة النبي عليه الصلاة والسلام، والصدق تجاه ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام تجعلك منسوبا مباشرة لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام... تـُسعِد بذلك قلب النبي عليه الصلاة والسلام فيسعَد قلبك وتطيب حياتك وتهنأ معيشتك وتـُنار بصيرتك ويعلو ذكرُك وتسمو روحك ويرتفع قدْرك ويسهل أمرك وتـُفرّج كروبك.
الصلاة على حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، امتثال لأمر الله تعالى القائل في القرآن الكريم ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
فيها ذكر لله تعالى القائل في القرآن الكريم ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾، وذكرُ الله تعالى يكون بكل أنواع الطاعات التي أمر الله، وهو مِن أعظم السبل لشكره سبحانه على نعمِه، والصلاةُ على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من أقرب السبل لذكر الله العظيم.
بها يبلغ سلامك وصلاتك لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام بشكل مباشر، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال :"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مِن أحدٍ يسلِّمُ عليّ إلا ردّ الله عليّ رُوحي حتّى أردّ علَيهِ السّلام"... إنها الصلة القوية بينك وبين حضرة النبي عليه الصلاة والسلام.
هي من علامات الإيمان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبّ إليهِ من والدِه وولدِه والناسِ أجمعينَ"... والمحبةُ هي طاعةُ الله فيما أمر به وطاعة النبي عليه الصلاة والسلام في كلّ ما أمر به، والصلاةُ على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من هذه القرباتِ والطاعات التي تنمّي هذا الحبّ.
بها تنال شرف صلاة الله عليك، وبها تـُمحى خطاياك وترتفع درجاتك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من صلى عليّ صلاةً واحدةً، صلى الله عليه عشرَ صلواتٍ، وحُطت عنه عشرُ خطيئاتٍ، ورُفعَت له عشرُ درجاتٍ"... فالسعيد كل السعادة مَن لازم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام؛ فهي نبع للحسنات التي تثقل الميزان، وممحاة للخطايا التي تثقل كاهل المرء يوم القيامة، ورافعة للدرجات التي تجعلك بصحبة الأولياء والصالحين.
هي سبب لمغفرة ذنوبك والتخلص من همومك، فعن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :"يا رسولَ الله، إِني أُكثِرُ الصلاةَ عليكَ، فكم أجعلُ لكَ من صلاتِي؟ فقال: ما شِئتَ"،، قال :"قلتُ: الربعَ؟ قال: ما شِئتَ، فإِنْ زدتَ فهو خيرٌ لكَ، قلتُ: النصفَ؟ قال: ما شِئتَ، فإِنْ زدتَ فهو خير لكَ"، قال :"قلتُ: فالثلثين؟ قال: ما شِئْتَ، فإِن زدتَ فهو خيرٌ لكَ، قلتُ: أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها؟ قال: إذا تُكْفَى همّكَ، ويغفر لكَ ذنبُك".
نعم، هذا هو حضرة النبي عليه الصلاة والسلام الذي بعثه الله تعالى لنا ليرشدنا إلى طريق الحق ويهدينا إلى سواء السبيل... هذا حبيبك الذي تتمنى رفقته في الجنة وشفاعته يوم القيامة، هذا هو الأمين.
هذا هو نبيك الذي من حقه عليك أن تصلي عليه، خاصة بعد أن علمت كم لهذه الصلاة على من أفضال.. كي تكون كـ"حميدنا".
إذا كان هذا الأجر العظيم تحظى به كلما صليت وسلمت على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فكيف إذا كنت عاملا صادقا ـ من حيث أنت ـ همّك أمة حبيبك عليه الصلاة والسلام تخدمها وتعمل لأجلها بمنطق وعقل وإخلاص وفهم، لا بجعل وتطرف وشعارات رنانة بعيدة عن الواقع؟!
إذا كان هذا الأجر العظيم تحظى به كلما صليت وسلمت على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فكيف إذا ثبّت الإيمان في قلبك وأديت ما عليك من العبادات وفرائض وواجبات كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام؟!
ذاك المقطع من مسلسل السلطان عبد الحميد، لم يكن مجرد مشهد تمثيلي، بل كان رسالة لنا جميعا لنعيد ترتيب أمورنا مع حضرة النبي عليه الصلاة والسلام ونصحح أخطائنا، فالسلطان عبد الحميد نسي صلواته ليلة واحدة فأتاه العتاب الممزوج بالحب النبوي العظيم... نحن كم ليلة نسينا؟!
إن أردنا نسبة حقيقية لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام كنسبة "حَمِيدُنا"... فعلينا بالإكثار من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وعلينا أن نهتم بأمته قولا وفعلا وعملا كما كان نهج ومنهج سيدنا عبد الله محب نبيه السلطان "عبد الحميد خان" تغمده الله برحمته وأكرمه برضاه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس