
ترك برس
أشار الكاتب والإعلامي التركي سلجوك توركيلماز، إلى أن الحرب في أوكرانيا وغزة أبرزت حدود العالم الأنجلوسكسوني، وأنه نتيجة لذلك، اتضح أن النظام القائم لم يكن متوافقا داخليًا.
وقال توركيلماز في مقال بصحيفة يني شفق إن الجامعات الكبرى والمؤسسات الفكرية والصحافة والمحافل الفكرية الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة تتجه إلى إعادة الهيكلة بدلاً من اتخاذ موقف نقدي ضد التدمير الذي يسببه النظام المركزي الأمريكي والبريطاني.
وأوضح أن ما حدث في جامعة كولومبيا في نيويورك من اعتقال محمود خليل، الطالب الفلسطيني الذي قاد احتجاجات مؤيدة لفلسطين، وحتى ظهور شائعات عن ترحيله، يعد حدثًا بالغ الأهمية.
و في ما يلي نص المقال:
هل قررت الولايات المتحدة أن تصبح فاعلًا خارج النظام، أم أنها انخرطت في معارضة النظام؟ لقد تأسس النظام العالمي الذي يتمحور حول الغرب تحت قيادة الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الاعتقاد بأن الأمريكيين يعارضون المؤسسات الأساسية لهذا النظام هو محض عبث. إن ما يجري في الحقيقة هو أن الولايات المتحدة باتت تنظر إلى هذا النظام بوصفه عائقًا أمام مصالحها. غير أن الأمريكيين لا ينتقدون المؤسسات العالمية من موقف أيديولوجي محدد، على سبيل المثال، مقاربات أيديولوجية تتمحور حول الحضارة الغربية، ولا يمكننا القول إن هناك خطابًا معارضًا للنظام العالمي ينشأ في الجامعات الأمريكية أو الإعلام أو الأوساط الفكرية الأمريكية بناءً على أساس فكري واضح.
ولا يقتصر الأمر على عدم وجود مثل هذه الانتقادات، بل إن التطورات اليومية في الاتجاه المعاكس تصل إلى مستويات تفاجئ العالم بأسره. وهذا ينطبق أيضًا على الدول الأوروبية. ولا يمكننا الادعاء بأن الأوروبيين، الذين حظروا كتب دوستويفسكي وتولستوي بعد بدء الحرب الأوكرانية، تبنّوا خطابًا نقديًا معارضًا للنظام العالمي المتمحور حول الغرب. بل إنهم اختاروا أيضًا الخروج من النظام. وقد أصبح خروجهم هذا أكثر وضوحًا وإثارة للدهشة عندما عادت قضية فلسطين وغزة إلى الواجهة مجدداً.
لقد بُني النظام الغربي الأنجلوساكسوني بعد الحربين العالميتين على قاعدة العداء للاتحاد السوفيتي، ولكن بحلول تسعينيات القرن الماضي، أصبح الإسلام والمسلمون المحور المركزي للعداء. وهكذا بات "الشرق" يُختزل في العالم الإسلامي، وكانت هناك العديد من المفاهيم التي لم تتغير في كلا الفترتين، إذ ظل النقاش متمحورًا حول الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات، والليبرالية، وانهيار الدول القومية، والعولمة، وصراع الحضارات، مع تكريس معادلة ثنائية تصوّر الغرب كرمز للخير، والشرق كمرادف للشر. إلى جانب ذلك كان التوسع الاستعماري الصهيوني الإسرائيلي إرثًا من الحروب العالمية، حيث أنشأت بريطانيا نظام الانتداب على الأراضي الفلسطينية بعد الحرب العالمية الأولى، ومهدت الطريق أمام الاستيطان اليهودي على مدار ثلاثة عقود، مما أدى إلى قيام دولة إسرائيل الصهيونية. ثم تبنت الولايات المتحدة تطوير هذا الكيان الاستعماري ودفعت به إلى مستويات غير مسبوقة. لم يكن تأسيس النظام الغربي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا على أساس معاداة الاتحاد السوفيتي والعالم الإسلامي أمرًا عبثيا أو عارضًا، ولذلك فإن ظهور حدود هذا النظام في كلٍّ من أوكرانيا وفلسطين اليوم ليس مجرد مصادفة.
لقد أتاح النظام الأنجلوسكسوني لبريطانيا والولايات المتحدة تنفيذ سياسات توسعية، وبالتالي، فإن المفاهيم التي ذكرناها سابقًا كانت قد تشكلت وفقًا لرؤية عالمية توسعية. ورغم ظهور اعتراضات فكرية قوية للغاية على النظام في القرن الماضي، إلا أن دول العالم غير الغربي كانت مضطرة لإعادة تشكيل نفسها وفقًا لتلك المفاهيم. وفي الواقع، ألهمت عملية إعادة الهيكلة هذه إلى حد ما مشروع "تهميش أوروبا". فبينما تسعى دول مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، بقيادة الولايات المتحدة، إلى الخروج من النظام، كانت دول مثل تركيا تسعى إلى إعادة بناء النظام الحالي على أسس سليمة في إطار مشروع تهميش أوروبا. وعندما يقول الرئيس أردوغان "يمكن بناء عالم أكثر عدلا" فإنه يقصد في الواقع عالم لا يتم بناؤه وفقا للمراكز التوسعية.
لقد أبرزت الحرب في أوكرانيا وغزة حدود العالم الأنجلوسكسوني. ونتيجة لذلك، اتضح أن النظام لم يكن متوافقا داخليًا. وتتجه الجامعات الكبرى والمؤسسات الفكرية والصحافة والمحافل الفكرية الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة إلى إعادة الهيكلة بدلاً من اتخاذ موقف نقدي ضد التدمير الذي يسببه النظام المركزي الأمريكي والبريطاني. وترى الجامعات أن تبني موقف قمعي تجاه الحركات المعارضة أمر ضروري لاستمرار وجودها. وما حدث في جامعة كولومبيا في نيويورك من اعتقال محمود خليل، الطالب الفلسطيني الذي قاد احتجاجات مؤيدة لفلسطين، وحتى ظهور شائعات عن ترحيله، يعد حدثًا بالغ الأهمية. ووفقًا للتقارير الإعلامية، اضطرت جامعة كولومبيا إلى التراجع أمام الضغوط التي مارستها إدارة ترامب. إن التوصل إلى استنتاج بأن الطالب الفلسطيني محمود خليل يشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي يعد حدثًا رمزيًا تمامًا. وتصنيف طالب جامعي فلسطيني على أنه تهديد بعد ظهور حدود العالم الأنجلوسكسوني في غزة أمر ذو دلالة كبيرة.
ينبغي تفسير الصهيونية من زوايا مختلفة تمامًا. من وجهة نظرنا، فإن محاولة فهم هذه الأيديولوجية من خلال لاهوت يهودي يعود إلى قرون مضت قد تسببت في العديد من الأخطاء. أما الأنجلوساكسونيون، فقد فسّروا اليهودية على أنها صهيونية، مما أدى أيضًا إلى العديد من الأخطاء التي سيكون عليهم مواجهتها في النهاية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!