سنان طاوقجو - كريتيك باكيش / ترك برس

الاتفاقيات التي أبرمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة خلال جولته الخليجية التي استمرت من 13 إلى 16 مايو، والتي تقدر قيمتها بتريليون دولار، بالإضافة إلى خطوة إدارة ترامب في تهميش إسرائيل منذ ما قبل الزيارة، أصبحت محط أنظار العالم.

فقد أبرمت الولايات المتحدة في 6 مايو اتفاق وقف إطلاق نار مع الحوثيين في اليمن، يتضمن التزامًا بسحب القوات الأمريكية من البحر الأحمر، لكن هذا الاتفاق لم يشمل أمن إسرائيل. وفي 11 مايو، أجرت الولايات المتحدة مفاوضات مباشرة مع حماس للإفراج عن جندي إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية، متجاوزة بذلك إسرائيل. كما أبرمت الولايات المتحدة صفقات بيع أسلحة ضخمة لدول الخليج، واعترفت بالنظام السوري الجديد وقررت رفع العقوبات عنه، بالإضافة إلى اتصالاتها النووية مع إيران منذ 12 أبريل. كل ذلك أثار مخاوف الإسرائيليين من فقدان أولويتهم في العلاقات مع الولايات المتحدة.

من المعتاد في السياسة الخارجية الأمريكية تعريف أمن إسرائيل على أنه “أولوية استراتيجية” و”مسؤولية أخلاقية”، حيث يؤكد الرؤساء الأمريكيون في كل مناسبة أن التزامهم بأمن إسرائيل “غير قابل للزعزعة”. بالنظر إلى ذلك، يمكن اعتبار الوضع الحالي نقطة تحول في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تترك إسرائيل في موقف حرج.

من ناحية أخرى، يشدد الأوساط الصهيونية على أن مجموعة الضغط الصهيونية AIPAC (اللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية)، التي لها تأثير كبير على الكونغرس، بدأت تفقد تأثيرها على إدارة ترامب، كما يتم تصفية الكوادر الصهيونية/الإنجيلية.

هدف ترامب من زيارة الخليج ذات الطابع المالي

يبدو من خلال زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة أن الولايات المتحدة قد تخلت عن استراتيجيتها السابقة في الشرق الأوسط القائمة على بناء هيكل أمني مركزي حول إسرائيل، وبدلاً من ذلك تعطي أولوية لنظام إقليمي جديد يعتمد أكثر على التعاون الاقتصادي، بهدف موازنة النفوذ المتزايد للصين في المنطقة. وهذا يشير حتمًا إلى بداية حقبة جديدة تصبح فيها الدول العربية أكثر قيمة مقارنة بإسرائيل.

في الواقع، وصف البيت الأبيض جولة الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، والتي شملت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، بأنها “مغيرة للقواعد” بالنسبة للاقتصاد الأمريكي.

الاتفاقيات المبرمة

خلال زيارات ترامب والوفد المرافق له إلى الرياض والدوحة وأبو ظبي، تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين الشركات الأمريكية والشركات الحكومية أو الخاصة في الخليج، حيث ركزت على مجالات الذكاء الاصطناعي والدفاع والطيران والطاقة.

في 13 مايو 2025، خلال الاجتماع، قدمت المملكة العربية السعودية وعدًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستثمار 600 مليار دولار. تضم حزمة الاستثمارات اتفاقية دفاع تشمل شراء صواريخ وطائرات بقيمة 142 مليار دولار، ومنطقة للذكاء الاصطناعي بقيمة 5 مليارات دولار تنشئها Amazon Web Services، بالإضافة إلى مشاريع بنية تحتية للذكاء الاصطناعي باستخدام شرائح Nvidia.

أعلن البيت الأبيض في 14 مايو 2025 أنه خلال الزيارة إلى قطر، تم توقيع اتفاقيات بقيمة إجمالية تبلغ 1.2 تريليون دولار. ومن أبرز هذه الاتفاقيات طلبية من الخطوط الجوية القطرية بقيمة 96 مليار دولار لشراء 210 طائرة من طرازي Boeing 787 و777X، مزودة بمحركات من GE Aerospace.

في 15 مايو 2025، خلال الزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة، تم توقيع اتفاقيات تجارية جديدة بين الإمارات والشركات الأمريكية تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار. طلبت طيران الاتحاد 28 طائرة من طرازي 787 و777X من Boeing بقيمة 14.5 مليار دولار. كما أكدت الإمارات مرة أخرى على خطة الاستثمار التي أعلنت عنها في مارس 2025، والتي تتضمن استثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى 10 سنوات.

وقد أفادت التقارير أن إجمالي قيمة الاتفاقيات الموقعة بلغ 3.2 تريليون دولار.

احتمالية تنفيذ الاتفاقيات

عند عودته إلى الولايات المتحدة، صرح دونالد ترامب: “عدنا من جولة الشرق الأوسط باتفاقيات بقيمة 5.1 تريليون دولار.” رغم وجود فرق قدره 2 تريليون دولار بين هذا الرقم والقيمة المعلنة بعد الزيارة مباشرة (3.2 تريليون دولار)، إلا أن هذا لا يهم ترامب. فبالنسبة للرئيس الأمريكي المعروف بتصريحاته المبالغ فيها وضعيفة الصلة بالواقع، المهم هو العودة إلى واشنطن بقصة نجاح.

بالطبع، تثير هذه الاتفاقيات الأولية التي تتضمن تريليونات الدولارات تساؤلات حول مدى إمكانية تنفيذها. فاتفاقية ترامب خلال زيارته الأولى إلى الرياض في عام 2017 تذكرنا بهذا السؤال.

في ذلك الوقت، أعلن ترامب في الرياض أنهم أبرموا اتفاقية أسلحة مع السعودية بقيمة 110 مليار دولار. كانت الاتفاقية أولية، ولكن مع مرور الوقت، لم توقع المملكة الاتفاقية النهائية. وفي أكتوبر 2018، هدد ترامب الملك بقوله: “أحب الملك سلمان. لكني قلت له: أيها ملك، بدوننا لن تستمر أسبوعين في الحكم. نحن من نحميك. ادفع أموالك!”

بعد فترة قصيرة من تهديد ترامب، قُتل الصحفي جمال خاشقجي بوحشية في القنصلية السعودية بإسطنبول، واتهم ولي العهد محمد بن سلمان بإصدار أمر القتل، مما أضر بسمعته. وأدت الأزمة في العلاقات الأمريكية السعودية إلى توجه الرياض نحو الصين وروسيا لتوريد الأسلحة.

وفقًا لبيانات خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي (CRS) ووكالة التعاون الأمني الدفاعي (DSCA)، بلغت المبيعات الفعلية للسعودية بين 2017 و2020 ما بين 25 و30 مليار دولار، وليس 110 مليار دولار.

كما يظهر هذا الحدث، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الاتفاقيات الموقعة هي اتفاقيات أولية وتمتد على مدى زمني، ويتوقف تنفيذها على الظروف.

الحقيقة الكامنة وراء الزيارة: الاقتصاد الأمريكي على حافة الإفلاس

السبب الذي دفع الرئيس الأمريكي إلى اختيار دول الخليج كأول وجهة لزيارته، وإلى تقديم مبادرات ودية هناك، هو أن بلاده على وشك الإفلاس اقتصاديًا.

بلغ العجز في الميزانية الأمريكية 34 تريليون دولار بنهاية ديسمبر 2024، ووصل إلى 36.1 تريليون دولار بنهاية مارس 2025، وهو مستمر في النمو بسرعة.

عند النظر إلى البيانات الاقتصادية، يتضح أن الاقتصاد الأمريكي قد تجاوز جميع الحدود الحمراء التي تعتبر “عتبات حرجة” مالية (نسبة الفائدة إلى الدخل، نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، نسبة الفائدة إلى الناتج المحلي الإجمالي، نسبة العجز في الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي)، وهو على حافة الإفلاس. 

يواجه الرئيس ترامب ضرورة ملحة لإيجاد أموال سريعة لدفع فوائد الديون التي أصبح من الصعب تدويرها. ولهذا السبب، توجه أولاً إلى الخليج.

الخاتمة

بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته في 20 يناير بشكل عدواني وطموح، حيث فرض رسوم جمركية إضافية على العديد من الدول التي تتعامل معها الولايات المتحدة لتقليل العجز التجاري، وأهان رؤساء الدول مدعيًا أنهم اصطفوا للتفاوض معه، وأعلن إجراءات تقشفية داخل البلاد لتقليل العجز في الميزانية. ولكن بحلول شهر مايو، اضطر إلى التراجع عن العديد من هذه الأهداف.

بسبب خسائر الأسواق العالمية التي بلغت 17 تريليون دولار ومواجهتها خطر الانهيار، علق ترامب الرسوم الجمركية الإضافية على جميع الدول التي تتعامل معها الولايات المتحدة لمدة 90 يومًا، وخفضها إلى 10%، كما خفض الرسوم الجمركية على الصين من 145% إلى 30%. من ناحية أخرى، تخلى عن هدف خفض العجز في الميزانية بمقدار 2 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2026، وقلص هدف التقشف إلى 150 مليار دولار.

السبب الحقيقي للعبء الضخم للديون الذي يكبل الولايات المتحدة ورئيسها ليس العجز التجاري كما يُقال دائمًا، بل إنفاق 7 تريليون دولار على احتلال أفغانستان والعراق بعد هجمات 11 سبتمبر، بالإضافة إلى 5.6 تريليون دولار كتكلفة للحوافز المالية والإنفاق الحكومي خلال جائحة 2020 و2021. ومع العجز التجاري، تحول الدين إلى “عجز مزدوج”، وأصبح حتى سداد فوائده مستحيلاً.

بسبب تمويل الحروب التي لا تهم الشعب الأمريكي، أصبح من الصعب جدًا على الولايات المتحدة، التي وصلت إلى حافة الإفلاس، تحمل تكاليف حرب كبيرة. إن سبب تركيز الرئيس الأمريكي على الجانب الاقتصادي في زيارته للشرق الأوسط وإبعاد إسرائيل هو تأمين الأموال اللازمة لتدوير الديون الحالية وتجنب تكاليف الحرب.

يعتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن موارد الولايات المتحدة محدودة، وبالتالي يجب أن تكون انتقائية في أهداف سياستها الخارجية وتحديد الأولويات. فهو ينتهج سياسة الابتعاد عن الصراعات منخفضة الأولوية في أفريقيا والشرق الأوسط، والتركيز على التهديدات الكبرى مثل الصين وروسيا أو إيران.

من الناحية الداخلية، بعد مرور أربعة أشهر، اتضح أن ترامب لا يستطيع فعل الكثير سوى إعطاء الأمل للشعب الأمريكي. قد تمنحه قصة النجاح البالغة 5.1 تريليون دولار، التي تم الترويج لها خلال زيارة الشرق الأوسط، بعض الراحة ولو مؤقتًا.

المصدر: https://www.sde.org.tr/sinan-tavukcu/genel/abd-baskani-trump-in-korfez-z...  

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!