
ترك برس
تناول تقرير تحليلي للكاتب والخبير التركي عبدالله مراد أوغلو، التحول اللافت في المزاج السياسي داخل الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، خاصة بين الأجيال الشابة والمكوّنات التقدمية في الحزب الديمقراطي.
يستند مراد أوغلو في تقريره بصحيفة يني شفق إلى تصريحات المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما الذي حذّر من تآكل الدعم الشعبي الأمريكي لإسرائيل، لا سيما في أوساط الشباب والليبراليين.
ويبرز التقرير انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية في نيويورك كنموذج حي على هذا التحوّل، حيث فاز المرشح التقدّمي زهران ممداني، المعروف بموقفه المناهض لإسرائيل، على السياسي المخضرم أندرو كومو.
ويعكس هذا الفوز صراعاً أعمق داخل الحزب الديمقراطي بين التيارين الوسطي والتقدّمي، ويفتح الباب أمام إعادة صياغة العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية في ظل تغيّر المزاج الشعبي، وتراجع فعالية الخطاب التقليدي الذي يربط انتقاد إسرائيل بـ«معاداة السامية». وفقا للكاتب.
وفيما يلي نص التقرير:
قال أستاذ العلوم السياسية الأمريكي الشهير فرانسيس فوكوياما، صاحب كتاب «نهاية التاريخ» وأحد أبرز رموز المحافظين الجدد سابقاً، في مقابلة أجريت معه قبل أيام، إن إسرائيل بدأت تخسر دعم الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا. وبحسب فوكوياما، فإن النقطة الأهم بالنسبة لإسرائيل تتمثل في «الشباب الأمريكيين». فقد شدّد على أن ردود فعل الشباب الأمريكيين تجاه إسرائيل بسبب ما يجري في غزة ستظلّ دائمة، قائلاً: «هذا الوضع لن يُعرّض الدعم العسكري والاقتصادي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل للخطر فوراً، لكنه على المدى الطويل سيؤدي إلى تآكل هذا الدعم».
ولفت فوكوياما إلى أن الدعم القوي الذي تتلقّاه إسرائيل من المحافظين الجمهوريين يقابله معارضة قوية من الجناح التقدّمي اليساري داخل الحزب الديمقراطي، وهو ما جعل إسرائيل عالقة داخل الانقسام الحزبي الأمريكي. وأكد أنه لا يتوقع أن ينعكس هذا الوضع في المستقبل لصالح إسرائيل، محذّراً من أن الخطر الأكبر الذي تواجهه إسرائيل هو وصول رئيس أمريكي ديمقراطي يتبنى موقفاً أكثر تباعداً منها. وأشار فوكوياما إلى أن الأمريكيين العلمانيين والليبراليين من غير اليهود باتوا أقلّ حماسةً لدعم إسرائيل.
لم يقتصر تراجع الدعم لإسرائيل على الشباب الديمقراطيين فقط؛ بل بدأ يتسع أيضاً بين الشباب من الناخبين الجمهوريين. وحتى إن كان التيار الديمقراطي التقليدي يتجنّب الخوض في هذا الأمر علناً، إلا أن كثيرين يقرّون بأن الدعم غير المشروط الذي قدّمته إدارة بايدن لإسرائيل كان له دور كبير في خسارة كامالا هاريس للانتخابات الرئاسية لعام 2024.
وفي هذا السياق، فتحت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لاختيار مرشح لرئاسة بلدية نيويورك فصلاً جديداً في الصراع بين «الديمقراطيين الشباب» و«الديمقراطيين الوسطيين». فقد برز في هذه الانتخابات الشاب المسلم الأمريكي ذو الأصول الهندية–الأوغندية زهران ممداني، البالغ من العمر 33 عاماً، والذي تمكن من التفوق على أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك السابق. يُذكر أن كومو شغل أيضاً منصب المدّعي العام في نيويورك، وكان أحد وزراء إدارة بيل كلينتون.
في هذه الانتخابات التمهيدية، دعم «الديمقراطيون الوسطيون» أندرو كومو بقوة، إذ يعدّ من أبرز المدافعين عن إسرائيل، وسبق أن عُرف بأنه من المقرّبين من نتنياهو حتى إنه وُصف بأحد «محاميه». ولم يقتصر دعم كومو على الديمقراطيين التقليديين، بل شمل أيضاً بعض ممولي ترامب الأثرياء مثل بيل أكمَن. وفي المقابل، شنّ أنصار كومو حملة لتشويه ممداني واتهموه بـ«معاداة السامية» بسبب موقفه المناهض للإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة. وكان ممداني قد أعلن أنه إذا فاز برئاسة بلدية نيويورك، فسيسعى إلى إصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو إذا زار المدينة، بتهمة الإبادة الجماعية.
ورغم أن نيويورك تحتضن ثاني أكبر جالية يهودية بعد تل أبيب، فإن الحملة الواسعة لتصوير ممداني كـ«معادٍ للسامية» لم تحقق الأثر المرجوّ، إذ حظي ممداني بدعم كبير حتى من اليهود غير الصهاينة. ويرى محللون أن نتائج هذه الانتخابات كشفت أن شريحة واسعة من ناخبي نيويورك لم تعد تُعير اهتماماً كبيراً للدعاوى التي تُستخدم لتبرير دعم إسرائيل أو منع انتقادها.
شكّلت الانتخابات التمهيدية في نيويورك بمثابة «استفتاء مصغر» بالنسبة لإسرائيل. ويكفي عنوان تقرير مجلة «بوليتيكو» الصادر في 17 يونيو لفهم دلالات ما جرى: «من أجل إسرائيل: كومو، من أجل فلسطين: ممداني». وحده هذا العنوان يلخص طبيعة التنافس بين ممداني وكومو.
وقد أشعل فوز ممداني المفاجئ غضب المحافظين الجدد المؤيدين لإسرائيل وخصوم الهجرة من أنصار ترامب. فقد وصل الحد ببعض المحافظين الجدد إلى حدّ وصف ممداني – وهو «اشتراكي ديمقراطي» وفقاً للتصنيف الأمريكي – بأنه «إسلامي أصولي». بل ذهب بعضهم إلى حد المطالبة بترحيله من الولايات المتحدة، رغم أنه أصبح مواطناً أمريكياً منذ عام 2018. حتى ترامب نفسه علّق في منشور على حسابه قائلاً: «لقد تجاوز الديمقراطيون الخطوط الحمراء. زهران ممداني، الشيوعي المجنون بنسبة 100%، فاز بانتخاباتهم التمهيدية وهو في طريقه ليصبح عمدة نيويورك!».
أما المعلق الإذاعي اليميني الشهير مات وولش، فعبّر عن استيائه قائلاً: «لم تمر 25 سنة على أحداث 11 سبتمبر حتى سقطت نيويورك». وأشار إلى أن 40% من سكان المدينة هم من المولودين في الخارج. بدوره، كتب ستيفن ميلر – مهندس سياسات الهجرة في إدارة ترامب – عبر حسابه على منصة «X» أن «مدينة نيويورك أصبحت أوضح تحذير لما يمكن أن تصبح عليه أيُّ دولة عاجزة عن ضبط الهجرة».
يُنظر إلى فوز ممداني المفاجئ باعتباره نقطة تحوّل جديدة في الصراع الممتد داخل الحزب الديمقراطي بين «الديمقراطيين الشباب» و«الوسطيين». وقالت السيناتور إليزابيث وارن، التي دعمت ممداني إلى جانب بيرني ساندرز: «إن حملة زهران الملهمة أظهرت لنا ما يمكن أن تحققه الحركات الشعبية عندما نناضل من أجل سياسات شجاعة».
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!