
ترك برس
تناول مقال للكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال، في صحيفة الشرق القطرية، ظاهرة العمران العشوائي كواحدة من أبرز تحديات النمو الحضري في العالم، خاصة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل.
ويسلط المقال الضوء على الأسباب المتشابكة التي تقف وراء التوسع غير المنظم للمدن، مثل الهجرة من الريف بسبب استخدام الآلات في الزراعة، والنزوح الناتج عن الحروب والكوارث، وضعف التخطيط الحضري وغياب الخدمات الأساسية.
كما يناقش الآثار السلبية لهذه الظاهرة على الصحة العامة والأمن والبيئة، ويعرض نماذج من تجارب بعض الدول، مثل تركيا وقطر، في الحد من هذه المشكلة.
ويخلص الكاتب إلى أن معالجة العمران العشوائي تتطلب إرادة سياسية واستثمارات كبيرة وسياسات سكنية عادلة وشاملة. وفيما يلي نص المقال:
العمران العشوائي هو توسع المدن بطريقة غير منظمة وغير قانونية، يتم دون مراعاة احتياجات السكان أو الخطط الحضرية التي تضعها البلديات والمختصون. بسبب ازدياد استخدام الآلات في الزراعة والنمو السكاني المتواصل، بدأ كثير من الأشخاص الذين كانوا يعيشون سابقًا كفلاحين أو بدو بالانتقال إلى المدن. ففي عام 2000، كانت نسبة سكان المدن على مستوى العالم تبلغ 47 %، بينما ارتفعت اليوم إلى 56 %. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن هذه النسبة ستصل إلى 70 % بحلول عام 2050. لكن هذا التوسع الحضري لا يجري دائمًا بشكل منظم أو مخطط، خاصة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، حيث تتسم عملية التوسع غالبًا بالعشوائية والفوضى. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يعيش أكثر من مليار شخص حول العالم في مناطق حضرية غير منظمة.
وتنبع هذه الظاهرة من أسباب متعددة، وتؤدي إلى نتائج خطيرة تؤثر على المجتمعات والبيئة. تتعدد العوامل التي تقف وراء هذا النوع من التوسع، أبرزها استخدام الآلات في الزراعة، وتقلص الأراضي الزراعية، ورغبة الناس في الوصول إلى فرص أفضل في العمل والتعليم والخدمات الصحية. كما أن العجز المالي لدى الفئات الفقيرة عن بناء أو شراء مساكن مناسبة، وضعف أداء الحكومات في التخطيط الحضري وتوفير الخدمات الأساسية مسبقًا، يسهمان في تفاقم المشكلة. وتُضاف إلى هذه الأسباب الهجرات الناتجة عن الحروب والكوارث الطبيعية، وآثار الاستعمار القديمة، إضافة إلى سياسات التهميش التي قد تُمارس ضد السكان الأصليين في بعض المدن.
تختلف هذه الأسباب من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى. وفي كثير من الأحيان، يُعد الفقر في المناطق الريفية سببًا رئيسيًا للهجرة غير المنتظمة إلى المدن. وبسبب تقسيم الأراضي الزراعية بين الورثة عبر الأجيال، أو بسبب نفاد المراعي، يضطر الفلاحون والرعاة إلى الهجرة نحو المدن. وفي بعض الحالات، تؤدي حالات الجفاف أو النزاعات الداخلية إلى نزوح السكان بحثًا عن فرص جديدة في المناطق الحضرية. فعلى سبيل المثال، بعد الأزمة السورية، استقر معظم السوريين الذين هاجروا إلى تركيا في المدن، حتى لو كانوا من سكان القرى في سوريا. كما أن الفساد وسوء الإدارة في بعض الدول يؤديان إلى تفاقم المشكلة، بسبب عدم استعداد المدن لاستيعاب هذا التوسع السكاني.
يسبب العمران العشوائي مشكلات عديدة تؤثر على مختلف جوانب الحياة. فمن الناحية الصحية، يعاني سكان هذه المناطق من نقص كبير في الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة وجمع النفايات، مما ينعكس سلبًا على الصحة العامة. وغالبًا ما تُبنى هذه الأحياء في مناطق خطرة مثل مجاري السيول، المنحدرات، أو قرب مكبّات القمامة، مما يجعلها أكثر عرضة للكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات. ويواجه سكان هذه المناطق صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية، ويعيشون في عزلة عن الحياة السياسية والمجتمعية. كما ترتفع فيها معدلات البطالة والجريمة، في ظل غياب أو ضعف الإجراءات الأمنية الفاعلة.
حل مشكلة السكن العشوائي والتوسع العمراني غير المنظم ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب تكاليف مالية كبيرة وإرادة سياسية قوية. توفير خدمات البنية التحتية مثل المياه والصرف الصحي في هذه الأحياء غير المخططة يكلف أكثر مقارنة بالمناطق المخططة. كما أن تدني جودة التعليم في تلك المناطق يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي، وإذا لم تولِ الحكومات اهتماماً كافياً، فقد تنشأ بين الفقر والجهل حلقة مفرغة يصعب كسرها. لذا، من الضروري اعتماد سياسات دعم وتمكين ذوي الدخل المحدود من الحصول على مساكن في مناطق منظمة، سواء عبر الدعم المالي المباشر أو من خلال إنشاء تعاونيات سكنية.
في تركيا، أدت موجات الهجرة في الثمانينيات والتسعينيات إلى ظهور أحياء سكنية عشوائية، لكن منذ عام 2000، تمكنت مؤسسة الإسكان الجماعي الحكومية (TOKİ) من حل هذه المشكلة من خلال بناء عدد كبير من المساكن ذات الجودة العالية والتكلفة المنخفضة، ومن خلال إصلاح الأحياء غير المنظمة وعدم السماح بالبناء غير القانوني الجديد. وبعد الزلزال الذي ضرب خمس محافظات قبل عامين، يُعاد بناء المنازل المدمرة بنفس الطريقة. فيما يتعلق بالتوسع العمراني غير المنظم، فإن دول الخليج في وضع أفضل بكثير مقارنة ببقية الدول العربية. وقطر، ضمن رؤيتها الوطنية لعام 2030، حققت تقدماً كبيراً في تحقيق النمو الحضري المستدام، وحماية البيئة، وتوفير السكن للجميع. ولكن من المتوقع أن تستمر هذه المشكلة في شغل العالم الذي يعاني من الصراعات والاحتباس الحراري وسوء الإدارة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!