
ترك برس
أكدت الكاتبة الصحفية المصرية صالحة علام أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة واستبعاد التنظيمات المسلحة من حساباتها المستقبلية تصب مباشرة في صالح تركيا، إذ تحقق لها رغبتها في الحفاظ على أمنها القومي، واستعادة مكانتها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة، وتعزيز ريادتها في المنطقة.
وأضافت الكاتبة في مقال بموقع الجزيرة مباشر أن نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إقناع نظيره الأمريكي دونالد ترامب بسحب قواته من سوريا يُعد انتصارًا كبيرًا، وضربة لمخططات تقسيم الشرق الأوسط، ووسيلة لكبح الأحلام التوسعية الإسرائيلية والانفصالية، بما يحفظ وحدة سوريا واستقرارها، ويعزز مكانة أنقرة الإقليمية.
وفيما يلي نص المقال:
ملفات عدة سعى الرئيس أردوغان لطرحها على طاولة المباحثات الثنائية التي جمعته بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته للبيت الأبيض مؤخرًا، مثل الوضع في قطاع غزة، ومستقبل إقامة الدولة الفلسطينية، والمعوقات الإسرائيلية التي تحول دون ذلك، وآليات إعادة التعاون العسكري والاستراتيجي بين البلدين إلى سابق عهده، ورفع حجم التبادل التجاري والاقتصادي، وتعزيز الشراكات في مختلف المجالات.
إلا أن الملف السوري، وما يرتبط به من إشكاليات عسكرية، ومصاعب اقتصادية، ومخاوف أمنية، حظي باهتمام بالغ من الطرفين، حيث أفردا له مساحة كبيرة خلال لقائهما، ما أتاح تبادل وجهات النظر بشفافية ووضوح، بشأن المعوقات التي تحول دون بسط الحكومة السورية الجديدة كامل سيطرتها على أراضي الدولة، وما ينتج عنها من انفلات أمني وعدم استقرار يلقي بظلاله على أمن واستقرار باقي دول المنطقة.
التحركات السياسية والعسكرية التي أقدم عليها الطرفان تشير إلى وجود توافق تام في وجهات نظرهما حول العديد من القضايا المرتبطة بهذا الملف، مثل مسألة الوجود العسكري الأمريكي، وخطة ترامب الرامية إلى سحب جميع قواته، وسبل التصدي لخطط إسرائيل التوسعية على حساب الأراضي السورية، ودعم تل أبيب المعلن لتقسيمها، ورفضها المطلق خطوة إقدام واشنطن على الانسحاب. خاصة في ظل سعي أنقرة لتولي زمام الأمور عبر إحلال قواتها محل القوات الأمريكية، ووضعها آليات محددة لإدارة معسكرات اعتقال عناصر تنظيم الدولة في شمال شرق سوريا بالتعاون مع الحكومة السورية بعيدًا عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وقدرتهما معًا على إدارة الملفات الأمنية الشائكة بما يبدد الادعاءات الإسرائيلية بشأن المخاوف الأمنية من هذه الخطوة.
وفق بيان لوزارة الحرب الأمريكية، يبلغ عدد الجنود الأمريكيين في سوريا حوالي 2000 جندي، يتمركزون في الشمال الشرقي، ويديرون 17 قاعدة و15 نقطة عسكرية، تتوزع على النحو التالي: 3 في الرقة، 9 في دير الزور، و17 في الحسكة التي تُعد من أكبر مراكز تجمعهم، إلى جانب وجودهم في محافظات حلب وحمص وريف دمشق بجوار حقول النفط والغاز.
تسيطر القوات الأمريكية على حقل كونيكو للغاز (أحد أهم قواعدها في دير الزور)، وحقل العمر النفطي، إلى جانب قاعدة التنف قرب الحدود مع الأردن والعراق، وقاعدة الشداد بالحسكة، وقاعدة رميلان قرب الحدود مع العراق.
فور عودته من واشنطن، اتخذ أردوغان عدة قرارات عسكرية مهمة تشير إلى نجاحه في حسم هذا الملف مع ترامب، ما يزيد من احتمالية البدء فعلًا في سحب القوات الأمريكية وفق خطط وزارة الحرب الأمريكية خلال الفترة المقبلة، إذ رُصدت تعزيزات عسكرية ضخمة في مطار كويرس العسكري، ومناطق انتشار الجيش التركي في تل أبيض ورأس العين شمال الحسكة على الحدود السورية-التركية.
كما أشارت تقارير إعلامية إلى تحركات للجيش السوري، الذي نشر عدة فرق في محيط المطار لتأمينه، بعد نشر منظومات دفاع جوي تركية وطائرات مروحية محلية الصنع، إلى جانب عربات مدرعة من نوع “سامور”.
تزامنت التحركات العسكرية التركية مع إعلان الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية، الذي زار دمشق مؤخرًا والتقى الرئيس أحمد الشرع، أنهم بصدد إنشاء خلية عمل مشتركة تهدف إلى إعادة المحتجزين والنازحين إلى مدنهم، ووضع خطط لتنسيق مشترك لإغلاق هذا الملف.
كما دعا الدول الأخرى إلى استعادة مواطنيها المحتجزين في مخيمي “الهول” و”روج” شمال شرقي سوريا، إلى جانب نحو 30 ألفًا من عناصر تنظيم الدولة وأسرهم، مؤكدًا أن التطورات تتطلب سرعة العمل لإخلاء المخيمات.
من جانبها، كشفت الإذاعة الإسرائيلية أن مسؤولين أمريكيين أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين أن ترامب اتخذ بالفعل قرار سحب آلاف من قواته، استكمالًا للعملية التي بدأت مؤخرًا، وأسفرت عن سحب أكثر من 500 جندي وإغلاق 3 قواعد، مؤكدين أن الانسحاب سيتم على مراحل وقد يستغرق ثلاثة أشهر.
في المقابل، يواصل المبعوث الأمريكي توم براك ضغوطه على “قسد” للتخلي عن خططهم الفيدرالية، وحثهم على الاندماج ضمن الجيش السوري والانخراط في الإدارة الجديدة، مؤكدًا أن بلاده باتت ترى أن أنظمة الفيدرالية والكونفيدرالية لا تتناسب مع طبيعة المجتمعات بالمنطقة.
تشير هذه التحركات إلى تحول استراتيجي في سياسة الإدارة الأمريكية، يستهدف التنسيق المباشر مع الحكومات الشرعية في المنطقة، والتخلي مرحليًا عن التنظيمات المسلحة ذات الطابع العرقي أو الإثني.
أبرز دليل على ذلك موافقة واشنطن على خطة أحمد الشرع بضم نحو 3500 مقاتل أجنبي إلى وحدة عسكرية جديدة تُعرف باسم “الفرقة 89″، وهي التي تضم عناصر ساعدته في معركة إسقاط نظام الأسد.
زيارة كوبر لدمشق ولقاؤه الشرع في قصر الشعب، وشكره له على مساعداته في مواجهة تنظيم الدولة، يعكس بدوره تقاربًا أمريكيًا-سوريًا جديدًا، خاصة في الجوانب العسكرية، ويؤكد وجود توجه لتغيير عقيدة الجيش السوري من الشرقية (الروسية) إلى الغربية (الأمريكية) بإشراف تركي.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة واستبعاد التنظيمات المسلحة من حساباتها المستقبلية تصب مباشرة في صالح تركيا، إذ تحقق لها رغبتها في الحفاظ على أمنها القومي، واستعادة مكانتها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة، وتعزيز ريادتها في المنطقة.
وبذلك، فإن نجاح أردوغان في إقناع ترامب بسحب قواته من سوريا يُعد انتصارًا كبيرًا، وضربة لمخططات تقسيم الشرق الأوسط، ووسيلة لكبح الأحلام التوسعية الإسرائيلية والانفصالية، بما يحفظ وحدة سوريا واستقرارها، ويعزز مكانة أنقرة الإقليمية
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!