
ترك برس
تناول مقال للكاتب والخبير التركي قدير أوستون، نتائج زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، حيث أظهرت الزيارة استقراراً واضحاً في العلاقات السعودية-الأمريكية رغم غياب تقدم ملموس في القضايا الجيوسياسية الحساسة، خصوصاً ملف التطبيع مع إسرائيل وصفقة طائرات F-35.
ورغم إغراءات الاستثمار الضخم الذي قدمه الأمير محمد بن سلمان، بقيت واشنطن مقيدة بقوانين «التفوق العسكري النوعي لإسرائيل»، ما يجعل تمرير الصفقة مرهوناً بمسار التطبيع وبتفاعلات الكونغرس. وفي المقابل، تواصل السعودية اتباع سياسة خارجية أكثر استقلالاً، تركّز على مصالحها الوطنية وتنوّع شراكاتها.
وتخلص قراءة الكاتب إلى أن العلاقة مع الولايات المتحدة لم تعد محصورة بالنفط، بل أصبحت تشمل تعاوناً اقتصادياً ودفاعياً واسعاً، فيما تبقى الملفات السياسية الكبرى—من غزة إلى التطبيع—مفتوحة على خيارات معقّدة. وفيما يلي نص المقال الذين نشرته صحيفة يني شفق:
أسفرت زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن عن تصريحات مهمة تشير إلى استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، إلا أننا لم نر أي مؤشرات تقدّم في القضايا الحساسة المتعلقة بالجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. والأبرز خلال الزيارة إعلان الولايات المتحدة السعودية كـ"حليف رئيسي غير عضو في الناتو" وتصريحات ترامب بشأن بيع مقاتلات F-35 للسعودية رغم تحفظات إسرائيل.
وأرضى الأمير محمد بن سلمان الرئيس الأمريكي، الذي يحب الأرقام الكبيرة، بإعلانه أنّ حجم الاستثمارات التي سبق أن كشف عنها 600 مليار دولار قد ارتفع الآن إلى تريليون دولار.
مع ذلك، لم يمنح الأمير محمد بن سلمان أي أمل بشأن تطبيع سريع مع إسرائيل، مؤكّدًا أنّ هذا مرتبط بإقامة دولة فلسطينية، مما وضع حدًا لطموحات ترامب بأن يكون رئيس السلام. كما أن عدم صدور أي بيان واضح بشأن غزة يشير إلى أنّ السعوديين يعتمدون نهج الانتظار تجاه خطط ترامب المتعلقة بالقطاع.
وعلى الرغم من أن الأمير محمد بن سلمان لم يتردّد في الردّ على سؤال الصحافة حول قضية خاشقجي بطريقة دبلوماسية، فقد عاد إلى بلاده وهو يبرهن على قوة العلاقات السعودية-الأمريكية ويعززها من خلال الاتفاقيات الاقتصادية. ويشير هذا إلى أنّه حتى لو استمرّت سياسة الولايات المتحدة في عهد ترامب لصالح إسرائيل، فإنّ ثقل دول الخليج سيستمر في البروز.
هل ستبيع واشنطن مقاتلات F-35 للسعودية رغم إسرائيل؟
على الرغم من تأكيد ترامب على بيع F-35 للسعوديين، فإن حق الكونغرس في التدخل يجعل قضية إسرائيل تظهر حتمًا. إذ تنص القوانين الأمريكية على أنّ أي بيع أسلحة للدول في المنطقة يجب أن يحافظ على «التفوق العسكري النوعي لإسرائيل». هذه القوانين تمنح إسرائيل تأثيرًا شبه مطلق على صفقات الأسلحة الأمريكية، وتجبر الرئيس على إثبات أنّ صفقاته لا تضر بالتفوق العسكري الإسرائيلي. ومن هنا تأتي دوافع ترامب لربط بيع F-35 بعملية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
وقد أكّد الجانب السعودي أنّه منفتح على التطبيع مع إسرائيل، لكن بشرط أن يكون ذلك ضمن خارطة طريق واقعية لإقامة دولة فلسطينية، مما يظهر أنّ رغبة ترامب في حل القضية بسرعة ليست واقعية. وتشير الخطوات التي اتخذها ترامب لإجبار نتنياهو على وقف إطلاق النار في غزة إلى أنه يشعر بقدر أكبر من الحرية في الضغط على إسرائيل عند الحاجة.
كما أن امتلاك الحزب الجمهوري أغلبية مؤقتة في الكونغرس يسهل على ترامب، الرئيس التجاري الباحث عن الأرباح من بيع الأسلحة، تنفيذ صفقاته. وعلى الرغم من ذلك، من غير المرجح أنّ السعوديين يمتلكون رؤية واضحة لتقديم خارطة طريق واقعية لإقامة دولة فلسطينية. كما أنّ ترامب يميل دائمًا إلى السماح للأقرباء لإسرائيل بإعداد مقترحات الحلول، ولا يتخذ خطوات مؤيدة للفلسطينيين إلا عند الضرورة، كما حدث بعد هجوم إسرائيل على قطر. وقد يرغب ترامب في بيع F-35 رغم إسرائيل والكونغرس، لكنه سيواجه صعوبة في تهيئة الشروط المناسبة لذلك.
أهمية متزايدة للخليج
شهدت السنوات الأخيرة ميلًا من السعودية، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، إلى تقليل اعتمادها على سياسة واشنطن في حماية أمنها. فقد حاول السعوديون، الذين طالما عملوا مع إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة بالضغط على إيران، تقليل التوتر مع إيران لزيادة حرية المناورة. ومن خلال التركيز على الإصلاحات الاقتصادية، حاول الأمير محمد بن سلمان إعادة صياغة دور الرياض في القضايا الإقليمية مع الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة.
كما أظهر الأمير محمد بن سلمان شخصية سياسية توازن بين تطوير علاقات محدودة مع الصين، وتقارب مع قطر وتركيا، والانسحاب من الحرب المكلفة في اليمن. وقد أدّى تركيز السعوديين على مصالحهم الوطنية بعيدًا عن محاولات تصميم المنطقة وفقًا لمصالحهم إلى نقطة تحول.
نتيجة لذلك، ظهرت صورة السعودية التي لا تتحمّل وحدها عبء القضية الفلسطينية. فقبل هجمات 7 أكتوبر، كانت المملكة تقترب من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لكنها بعد سياسات إسرائيل الإبادة، بدأت تشترط إقامة دولة فلسطينية مستقرة. كما أنّ الأمير محمد بن سلمان لم يسعَ للقيام بدور قيادي محوري في ظل استمرار دور قطر وتركيا في جهود غزة.
وقد أجبر الضغط المكثف لدول الخليج ترامب على ممارسة ضغوط لوقف إطلاق النار على نتنياهو بعد الهجوم الإسرائيلي على قيادة حماس في قطر. وأدى استغلال إسرائيل لموقفها من الولايات المتحدة بشكل فظّ إلى تقريب واشنطن من دول الخليج التي تستثمر بشكل كبير في الاقتصاد الأمريكي وتفتح أبواب التعاون على مصراعيها.
نتائج قمة ترامب-الأمير محمد بن سلمان
أظهرت نتائج القمة أنّ العلاقات الأمريكية-السعودية لم تعد مقصورة على أسعار النفط. فقد أظهر السعوديون استمرار اعتمادهم على واشنطن كشريك أساسي في صفقات الدفاع، فيما أرسل البيت الأبيض رسالة استعداد للاستجابة لمطالب الرياض عبر الاتفاقات الأمنية.
إن انخفاض أهمية القضية الفلسطينية في معادلة العلاقات الأمريكية-السعودية قد يُنظر إليه على أنّه إنجاز من جانب الأمير محمد بن سلمان، لكن تأثير إسرائيل المستمر في الكونغرس قد يعيق تعميق التعاون الدفاعي. كما أنّ محاولة ترامب تجاوز الكونغرس وإسرائيل ستكلفه سياسيًا، ما يعني أنّه سيطلب من الأمير محمد بن سلمان أكثر من وعود الاستثمار بتريليون دولار.
ومع ذلك، يبدو أنّ السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان مستمرة في اتباع سياسة تُعطي الأولوية لمصالحها الوطنية في المنطقة، مع تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











