ترك برس

تناول تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، بصحيفة يني شفق، الوجه الاستعماري للإبادة الإسرائيلية في غزة من خلال تحليل عداء الصهيونية للأطفال الفلسطينيين بوصفه امتداداً لتاريخ طويل من العنف الاستعماري الغربي.

يربط الكاتب بين الجرائم الإسرائيلية ضد الأطفال، التي تجسدت رمزياً في قصة الطفلة هند رجب، وبين الممارسات الاستيطانية والإبادة الثقافية التي مارستها القوى الأنجلوساكسونية في أمريكا الشمالية وأستراليا وكندا.

كما يكشف عن الدور البنيوي لبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا في دعم المشروع الصهيوني، موضحاً أن ما يحدث في فلسطين ليس صراعاً دينياً بل استمرار لهيمنة استعمارية غربية تستخدم إسرائيل أداةً لتكريس نفوذها، في ظل صمتٍ دولي يشرعن قتل الطفولة باسم الحضارة والحداثة.

وفيما يلي نص التقرير:

إن عداء الإسرائيليين الصهاينة للأطفال الفلسطينيين معروف منذ القدم. وقد عاد هذا العداء ليظهر بوضوح أكبر في الآونة الأخيرة. في الواقع، لم يتوقف عداء الصهاينة للأطفال أبداً، لكنه وصل إلى أبعاد مروعة مع بدء الإبادة الجماعية الاستعمارية في غزة. فقد اقترب إجمالي عدد القتلى الموثقين من سبعين ألفاً، ومن المؤسف أن ما يقارب ثمانية عشر ألفاً منهم أطفال. هذا العدد يُظهر أن إسرائيل الصهيونية تبذل جهداً خاصاً لقتل الأطفال. لقد أصبحت هند رجب رمزاً للأطفال الشهداء في غزة. ومن المحزن أن هند رجب البالغة من العمر ست سنوات، قُتلت بينما كانت تبحث عن مأوى مع أقاربها. وبعد مقتل من كانوا في السيارة، اتصلت هند رجب بالهلال الأحمر الفلسطيني طالبة المساعدة. ورغم علم الإسرائيليين الصهاينة بأن هند رجب على قيد الحياة، أمطروا السيارة بوابل من الرصاص. واليوم، تُعرض في جميع أنحاء العالم مجسمات للسيارة التي قُتلت فيها هند. وقد لفت فيلم "هند رجب" انتباه الرأي العام العالمي. لقد أصابت مئات الرصاصات السيارة، وأطلق الجنود النارَ على هند من مسافةٍ قريبة حتى قضوا عليها. وتؤكد تقاريرُ الطبّ الشرعي أنّ العديد من الأطفال قُتلوا برصاصاتٍ من مسافةٍ قريبة كما حدث مع هند رجب، ومعظمهم قُتلوا برصاصة في الرأس من زاوية محددة.

إن الصهاينة ليسوا حالة استثنائية في قتل هذا العدد الكبير من الأطفال عمداً في غزة. ولكشف معنى هذا العداء، يجب النظر إلى تاريخ الاستعمار لدى الدول الأوروبية. فالصهيونية هي أيضاً أيديولوجية استعمارية، وقد تبناها البريطانيون والأمريكيون قبل اليهود أنفسهم. إن الأحداث التي تتكشف أمام أعيننا اليوم ليست نتيجة عداء ديني. فعندما نرى الاستعمار الإسرائيلي التوسعي كصراع ديني، ستختلف مفاهيمنا. كما أن الصهاينة والنخب الغربية سعوا إلى تأطير عدوان إسرائيل التوسعي في سياق ديني. لكن مفهوم التطبيع أو إضفاء الشرعية يجب أن يُستخدم ضمن حدوده. فلا دين ولا أيديولوجيا يمكنها أن تبرّر قتل أطفال صغار مثل هند رجب.

تقوم إسرائيل، بإبادة ممنهجة بحق أصحاب الأرض الأصليين الذين يريدون استعمار أراضيهم، تماماً كما فعل الأنجلوساكسونيون في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا. فقد عُثر قبل 7 أكتوبر 2023 على مقابر أطفال في فناء مدرسة أُنشئت لاستيعاب أطفال السكان الأصليين في كولومبيا البريطانية. ويبدو أنهم يريدون القضاء على كل من لا يشبه الأوروبيين أو الأنجلوساكسونيين، حتى لو كانوا أطفالاً. وهم يتخذون خطوات مماثلة في غزة وفي أراضي فلسطين التاريخية. وقد أعلن الصهاينة الإسرائيليون صراحة أنهم يفعلون ذلك لنشر الحضارة الغربية، وقد دعمتهم بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا لنفس الغرض. لأنهم يعتقدون أن هؤلاء الأطفال عندما يكبرون لن يصبحوا مثل الأوروبيين.

بعد 7 أكتوبر 2023، حاولتُ بشكل أكثر وضوحاً التأكيد على أن ما يحدث في فلسطين هو نتاج سياسات بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا. للأسف، كانت هذه القضايا تُطرح في تركيا أحياناً بعيداً عن إطار مفاهيمي واضح، في حين أن أفكارًا متناقضة كانت تتداخل لتشكّل وعينا الذهني. فقد أثر المعنى الذي أضفناه على الحضارة الغربية والدول الغربية قبل وقت طويل من الحرب العالمية الثانية في تفكيرنا، إذ كان مفهوم «أوروبا المتحضرة» أحد الركائز الأساسية لتراثنا الفكري. وبعد خمسينيات القرن الماضي، أضيف إلى هذا التصور حق اليهود في العيش، ولم نرَ ضيرا في تعريف القضية الفلسطينية على أنها حرب عربية إسرائيلية. كما قُبلت دون نقاش التصورات المهووسة التي تقول إن الأوروبيين مدينون لليهود. وما زال هناك من يعرف الصهيونية من منظور اليهودية فقط، لا تزال مفاهيم مثل "أرض الميعاد" متداولة. ومن المؤسف أن هذه التفسيرات تحجب أهداف دول مثل بريطانيا وأميركا وألمانيا، وبالتالي لا تتوفر شروط لنوع جديد من الصراع. والحقيقة أن جذور المشكلة تكمن في نخب هذه الدول، فعودة شخصيات مثل توني بلير، إلى الواجهة، الذي اضطلع بأدوار بالغة الأهمية في تاريخ بريطانيا، والتي تذكّر بـ "وزير المستعمرات"، ليس حدثاً عابراً، خصوصاً وأنه المسؤول عن مقتل مئات الآلاف من الأطفال في العراق، ويبدو وكأنه يسعى ليكون والياً استعماريّاً. فماذا عسى المرء أن يفعل أكثر من ذلك ليرى الواقع في سياق مختلف؟

لم تعترض لا أميركا ولا بريطانيا ولا ألمانيا على قتل أطفال مثل هند رجب، لقد وجد أكثر من ثلاثمئة رصاصة في السيارة التي كانت فيها. لقد حان الوقت للتركيز على الفاعل الحقيقي وراء هذه الجرائم.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!