ترك برس
بعد اشتداد عمليات الاقتتال في شمال سوريا وقصف قوات التحالف المتعمد لبعض المدنيين في المنطقة وإجلاء حزب الاتحاد الديمقراطي (بي يي دي) لكثير من المواطنين ذوي الأصول العربية والتركمانية تبين بأن هناك هدف واضح من حزب البي يي دي وبعض داعميه الدوليين والإقليميين لإقامة دولة كردية مستقلة في شمال سوريا.
وفي إطار هذا الهدف حاولت الباحثة في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية "كينام أك غول" الكشف عن العلاقات التي تربط البي يي دي بدول المنطقة وبشكل خاص توضيح سياسة تركيا تجاه الحزب وأهدافه في المنطقة. كنبذة تاريخية قصيرة تبين الباحثة أن "حزب بي يي دي تأسّس عام 2003 في شمال سوريا كحزب سياسي. مؤسس الحزب وقائده إلى الآن هو صالح مسلم محمد، الذي أوضح بتاريخ 14 آذار/ مارس 2004 أن "الهدف الرئيسي لتأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي هو الدفاع عن حقوق المواطنين الأكراد، في سوريا، الديمقراطية والقومية عن طريق استخدام الأساليب والوسائل السلمية وتحقيق منطقة حكم ذاتي للأكراد في منطقة شمال سوريا".
وتشير غول إلى أن "هناك جناح عسكري خاص بحزب الاتحاد الديمقراطي "الي يي دي" وهو وحدات الحماية الشعبية "اليي بي جي" وداخل اليي بي جي يوجد وحدات الحماية النسائية "يي بي جي" ، وتوضح الكاتبة أن "الحاجة إلى تأسيس الجناح العسكري "يي بي جي" طفت على السطح بعد المذبحة التي نفذها نظام الأسد البعثي عام 2004 ضد المواطنين الأكراد في القامشلي. بعد هذه المذبحة أصبح المواطنون الأكراد على قناعة بأنه لا يمكن العيش في سوريا بسلام دون التسلح والدفاع عن النفس بشكل ذاتي، وكأول عنصر إقليمي استفاد منه البي يي دي هو "حزب العمال الكردستاني بي كا كا" المحظور والمتمركز في تركيا حيث التحق الكثير من عناصر بي يي دي في صفوف بي كا كا ليستفيدوا من الأساليب الدفاعية التي يستخدم بي كا كا ضد القوات التركية".
وحسب دراسة غول، فقد "واجه حزب بي يي دي بعض الصعوبات في ممارسة أنشطته السياسية في سوريا. ففي بعض الأحيان تم التضييق عليه وفي بعض الأحيان استخدمه النظام ضد الأحزاب الكردية الأخرى وفتح له الطريق لممارسة نشاطه بحرية مُطلقة".
وتبين غول أن "بي يي دي بدأ قبل الثورة بالسيطرة المرحلية على المناطق التي كان يحكمها، حيث عمل قبل عام 2011 على تأسيس مدرسة ومركز ثقافي خاص بالمواطنين الأكراد في شمال سوريا لتعليمهم اللغة والثقافة الكردية بشكل رسمي، ولإعدادهم لإقليم كردي مستقل ذاتيًا محتمل، وبعد تاريخ 19 تموز/ يوليو 2012 عندما انسحبت قوات الأسد من بعض مناطق شمال سوريا أعلن بي يي دي فرض سيطرته على المنطقة، وأعلن تأسيس إقليم حكم ذاتي فيها".
وتوضح غول علاقة البي يي دي بالدول والعناصر الإقليمية الفاعلة على الساحة السورية بالشكل التالي:
ـ علاقته بالجيش الحر: ينتقد بي يي دي الدعم الذي يحصل عليه الجيش الحر من تركيا بشكل حاد، حيث كان يتهم الجيش الحر بالعمالة لتركيا. ولكن بعد فترة ظهرت بعض الانسيابية بين الطرفين وتم توقيع اتفاقية بينهما بتاريخ 17 شباط/ فبراير 2013 بهدف التعاون بإدارة شمال سوريا عن طريق التعاون وتقاسم الأدوار، وكما تم الاتفاق على التحرك ضد قوات الأسد لطردها من شمال سوريا بالكامل وغيرها من المناطق.
ـ علاقته بجبهة النصرة: اتهمت جبهة النصرة بي يي دي بعقد اتفاق سري غير معلن مع قوات النظام لحماية شمال سوريا بالنيابة عن قوات النظام، واتهمته بضرب الثورة السورية من الخلف، لذلك قررت جبهة النصرة فور الإعلان عن تأسيسها محاربة بي يي دي والقضاء على سيطرته على الشمال السوري. وكما يُعرف بي يي دي جبهة النصرة على أنها جماعة إسلامية متعصبة تهدف لإقامة إمارة إسلامية في سوريا عن طريق استخدام الوسائل "الإرهابية" القاسية، بسبب هذه الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، فور نزول جبهة النصرة على الساحة السورية على الفور اتجهت إلى الشمال وحاربت بي يي دي بشكل شديد واستمرت هذه الاشتبكات بين الطرفين إلى أن أتت داعش وسيطرت على الرقة وطردت جبهة النصرة منها وأبعدتها من الشمال بعض الشيء.
ـ علاقته بحزب العمال الكردستاني "بي كي كي": يُعد تنظيم بي كي كي كما أسلفنا المؤهلَ العسكريَّ الأول للبي يي دي. وما زالت العلاقات العسكرية والقومية والسياسية والاستراتيجية تربط بين هذين الطرفين، وأكبر دليل على متانة العلاقة بين الطرفين استمرار البي كا كا كل يوم إرسال المئات من الشبان للقتال في صفوف البي يي دي ضد داعش.
ـ علاقته بإقليم كردستان العراق: كانت العلاقة بينه وبين إقليم كردستان العراق متوترة بعض الشيء خاصة بسبب التنازع القيادي على الحزب بين صالح مسلم ومسعود برزاني، ولكن بعد سيطرة داعش على الموصل في شمال العراق والرقة في شمال سوريا توحد العدو وأصبح الطرفان يسعيان للقضاء على داعش وتركا الاختلاف الداخلي جانبًا.
ـ علاقته بالعراق: أصبحت هذه العلاقة قوية بعد سيطرة داعش على عدة مناطق من العراق وسوريا، وأكبر دليل على العلاقة القوية التي تربط الطرفين هي زيارة مسلم الأخيرة بشكل سري لبغداد بتاريخ خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي. وخلال هذه الزيارة استقبلت بغداد مسلم كرئيس لإقليم مستقل واتفقت معه على كثير من المسائل، من ضمنها تأمين الحدود المشتركة بشكل تعاوني ودعم بي يي دي في حربه ضد داعش، ودعمه في تأسيس إقليمه المستقل.
ـ علاقته بتركيا وسياسة تركيا اتجاهه: من اليوم الأول لإعلان بي يي دي استقلاله وتركيا معترضة على هذه الخطوة بدعوى أنها تهدد وحدة سوريا واستقررها المستقبلي، وفي حقيقة الأمر الخطر ليس على وحدة سوريا فقط بل على وحدة تركيا أيضًا، حيث يمكن لاستقلال بي يي دي الذاتي أن يشجع حزب العمال الكردستاني على إعلان الحرب حتى تأسيس دولة مستقلة وطلب الدعم من الأحزاب الكردية المسلحة وعلى رأسهم "بي يي دي"، الأمر الذي يهدد أمن تركيا واستقرارها السياسي.
وتختم الباحثة تقريرها بالإشارة إلى أنّ "هذه الدراسة من أكثر الدراسات إيجازًا لتوضيح العلاقات بين بي يي دي والعناصر الإقليمية الفعالة وتركيا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!