ترك برس

تناول تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، موقع تركيا المتقدم في مؤشر القوة العسكرية لعام 2025 الصادر عن مبادرة "غلوبال فاير باور"، حيث احتلت القوات المسلحة التركية المرتبة التاسعة عالميًا، متقدمة بفضل خبرتها القتالية وانتشارها الجيوسياسي.

يناقش الكاتب تطور الصناعات الدفاعية التركية ومسار التحول نحو الاعتماد الذاتي في إنتاج المقاتلات، من مشروع الطائرة الوطنية "قان" والطائرة المسيرة "قزيل إلما" إلى منظومة الدفاع الجوي "القبة الفولاذية".

وفي السياق ذاته، يستعرض بستان تفاصيل المفاوضات الجارية لشراء مقاتلات "يوروفايتر" من المملكة المتحدة وقطر وعُمان كحلٍّ مرحلي لضمان الجاهزية الجوية التركية خلال المرحلة الانتقالية. وفيما يلي نص التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق:

هناك مبادرة أمريكية تُعرف باسم "غلوبال فاير باور" (القوة النارية العالمية). وهي موقع يقوم بإعداد مؤشر لتصنيف القوى العسكرية في العالم استنادًا إلى المعلومات المتاحة من المصادر المفتوحة. وبحسب ما يعلنه القائمون عليه، فإن المشروع لا يرتبط بأي جهة رسمية، بل يُدار بشكلٍ مستقل تمامًا.

لقد اطّلعتُ على مؤشر القوة العسكرية لعام 2025 الصادر عن "غلوبال فاير باور"، فوجدت أن القوات المسلحة التركية قد صُنِّفت كتاسع أقوى جيش في العالم. وجاءت جيوش الولايات المتحدة وروسيا والصين في المراتب الثلاث الأولى. ولا أعلم إن كانت عملية التقييم قد أخذت بعين الاعتبار معايير مثل الخبرة القتالية — وهي مسألة في غاية الأهمية — أو الانتشار الجيوسياسي وعدد القواعد العسكرية الخارجية ونطاق التموضع النشط في الخارج. فمن بين الدول التسع الأولى، لا توجد أي دولة لديها خبرة قتالية باستثناء تركيا والولايات المتحدة وروسيا. كما تتميز القوات المسلحة التركية عن العديد من الدول في المراكز التسعة الأولى من حيث الانتشار الجيوسياسي وعدد القواعد النشطة.

كما اطلعت على مؤشر القوة الجوية للعام نفسه الصادر عن "غلوبال فاير باور"، وتبيّن أن سلاح الجو التركي يحتل أيضًا المرتبة التاسعة عالميًا (فيما جاءت "إسرائيل" في المرتبة 16، واليونان في المرتبة 19). ولا حاجة للتأكيد أن تركيا تمتلك أقوى أسطول من الطائرات المسيّرة المسلحة. فلماذا إذن لا نزال نناقش اليوم قضايا مثل مقاتلات يوروفايتر، وإف-16، وإف-35؟

المشتريات للمرحلة الانتقالية

في الحقيقة، نحن لا نتحدث عن واقع اليوم بل نناقش ملامح الغد. فقد قطعت تركيا خلال السنوات الأخيرة — ولا سيما خلال العقد الماضي — شوطًا كبيرًا في تطوير صناعاتها الدفاعية. وتتواصل أعمال إنتاج المقاتلة الوطنية "قان" وفق الجدول الزمني المحدد، فيما يُتوقع أن تدخل الطائرة الحربية المسيرة "قزيل إلما" المخزون العسكري في عام 2026. وعندما تُستكمل جميع هذه المشاريع، ستمتلك تركيا إحدى القوات الجوية النادرة القادرة على استخدام الأنظمة المسيرة وغير المسيرة التي طورتها بإمكانياتها الخاصة بالتنسيق والتكامل فيما بينها. أما فيما يتعلق بالدفاع الجوي، فسيتم تغطية احتياجات تركيا بالكامل عبر منظومة الدفاع الجوي متعددة الطبقات "القبة الفولاذية".

لكن "الأمر لا يحدث بضغطة زر". فهناك فترة يتعين علينا الانتظار خلالها لحين دخول أنظمة الطائرات المحلية الخدمة بكامل طاقتها. وخلال هذه المرحلة الانتقالية، يجب أن تحافظ القوات الجوية التركية على قوتها الرادعة، وأن يظل الأسطول الذي تمتلكه قوياً وحديثاً. وفي هذا السياق، تأتي النقاشات الدائرة حول مقاتلات "يوروفايتر" و"إف-16" و"إف-35".

شهدت قضية "يوروفايتر" تطورات هامة في الأسبوع الماضي. فقد طُرحت مسألة الحصول على مقاتلات "يوروفايتر" من قطر وعُمان خلال زيارة الرئيس أردوغان لدول الخليج. وبالأمس، زار رئيس الوزراء البريطاني ستارمر تركيا. كما سيزور المستشار الألماني ميرز أنقرة هذا الأسبوع أيضًا.

إذن، وفي خضم الحديث عن قطر وعُمان والمملكة المتحدة، ما هي احتياجات وتوقعات تركيا؟ وما هو العدد الإجمالي للطائرات التي سيتم شراؤها؟ ولماذا طُرحت فكرة الشراء من دول الخليج بينما كانت أنقرة تتفاوض مع لندن؟ وما هو دور الألمان في هذه العملية؟ من الطبيعي أن تُطرح هذه الأسئلة بكثرة. سأحاول الإجابة عليها بناءً على ما لدي من معلومات:

ما هو دور المستشار الألماني في هذه النقاشات؟

أولاً: لا علاقة لزيارة المستشار الألماني هذا الأسبوع بشراء مقاتلات "يوروفايتر". فخلافاً لما يُعتقد، لم يلعب الألمان أي دور في هذه العملية باستثناء كونهم شريكاً في الكونسورتيوم. وقد أُجريت المفاوضات مع الجانب البريطاني.

ثانياً: إن عملية شراء "يوروفايتر" تتسم بالديناميكية العالية. ولم يُحدَّد بعد العدد الذي سيتم شراؤه ومن أي الدول بشكل كامل، مع وجود بعض الاستثناءات. وقد تتغير الأرقام المتداولة لاحقاً.

ثالثاً: تسعى أنقرة للحصول على النسخة الأحدث والأكثر تطوراً من مقاتلات "يوروفايتر". ووفقاً لتحليل الحد الأدنى من الاحتياجات، يتمثل الهدف في الحصول على 20 طائرة في البداية، ثم رفع العدد إلى 40. وفي هذا الإطار، تم التوصل إلى اتفاق مع البريطانيين (بدعم من الشركاء الآخرين في الكونسورتيوم وهم إسبانيا وإيطاليا وألمانيا). وقد تقرر بشكل نهائي الحصول على 20 طائرة من المملكة المتحدة. ومن المتوقع أن تصل هذه الطائرات إلى أنقرة خلال ثلاث سنوات.

رابعاً: لكن ثمة طلبات قيد الانتظار على خط الإنتاج. وفقاً للاتفاقيات السابقة، ستُنفذ أولاً طلبات القوات الجوية البريطانية والقطرية، ثم يحين دور تركيا لاحقاً. وهذا الأمر سيستغرق وقتاً. (فهل يمكن للدول المنتظرة في قائمة الطلبات أن تتنازل عن دورها لتركيا؟ نعم ولم لا؟) ومن هنا يطرح خيار الشراء من قطر وعُمان.

التدريب أولًا ثم العمليات

خامساً: تمتلك قطر أسطولاً قوياً يفوق احتياجاتها، ولا تستخدمه بكامل طاقته. ولهذا السبب، فإن الدوحة تُرحب بفكرة البيع. وتداولت وسائل الإعلام أرقامًا مختلفة حول عدد الطائرات التي ستأتي من قطر (سمعتُ أنه سيتم توريد 12 طائرة يوروفايتر). ويتطلب ذلك توقيع اتفاقية مع قطر. هذه الطائرات مجهزة بالكامل (من طراز Tranche 3) ولا تحتاج إلى تحديثات. وعندما تصل الطائرات من قطر، ستبدأ عملية تدريب الطيارين المقاتلين الأتراك. وبالتالي، من المتوقع أن يبدأ استخدام مقاتلات يوروفايتر في العمليات خلال عام ونصف تقريباً.

سادسًا: هناك مفاوضات لشراء طائرات يوروفايتر من عُمان أيضًا. لكن الطائرات القادمة من هناك ستحتاج إلى تحديثات.

سابعًا: كان تحليل احتياجات تركيا وخططها الأولية يقضي بشراء 40 طائرة، ولكن نظراً لزيادة عدد الدول التي يمكن الشراء منها وتنوع المصادر، يمكن القول بالنظر إلى الجدول أعلاه إن عدد الطائرات التي ستصل إلى أنقرة قد يتجاوز الـ 40 طائرة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!