ترك برس

تناول مقال للكاتب والمحلل التركي إسماعيل ياشا، إعلان تنظيم حزب العمال الكردستاني المحظور وقف عملياته داخل الأراضي التركية وانسحاب عناصره إلى إقليم كردستان العراق، مستعرضا خلفيات هذا الإعلان الذي تلاه حل التنظيم وإلقاء السلاح في أيار/مايو 2025 وطقوس حرق الأسلحة في تموز.

يبيّن الكاتب في مقاله بصحيفة "عربي21" ترحيب أنقرة بهذا التطور وتحرِّيها الحذر إزاء نوايا التنظيم، مشيرًا إلى أن الانسحاب بدا رمزياً (حيث يُقدّر عدد المنسحبين بنحو 30 مقاتلاً) وأن المخاوف تتركز على استمرار أعمال التنظيم في العراق وسوريا وفرعه السوري "وحدات حماية الشعب" الذي يواصل تعزيز موارده وتحركاته.

كما يناقش التوتر بين رؤية أنقرة التي تطالب بتفكيك كامل لهياكل التنظيم وإلقاء السلاح في كل المنطقة، ورؤية التنظيم التي تكتفي بوقف الأعمال داخل تركيا مع السعي للحفاظ على مكاسبها في سوريا، ويخلص إلى أن اختبار مصداقية هذا المسار يكمن في الخطوات الملموسة التالية وعلى رأسها معالجة الفرع السوري وعلاقات اللاعبين الإقليميين.

وفيما يلي نص المقال:

أعلن حزب العمال الكردستاني، الأحد، وقف عملياته داخل الأراضي التركية وانسحاب عناصره منها إلى إقليم كردستان العراق. وقال التنظيم الإرهابي الانفصالي إنه سينسحب أيضا من قواعده ومغاراته القريبة من الحدود التركية. وكان حزب العمال الكردستاني قد أعلن في أيار/ مايو 2025 حل نفسه وإلقاء السلاح، تلبية لدعوة مؤسسه عبد الله أوجلان، كما نظَّم في تموز/ يوليو الماضي مراسم بالقرب من السليمانية في شمال العراق ليحرق عدد من قادته وعناصره أسلحتهم، ووُصفت تلك الخطوة آنذاك بـ"التاريخية" والمنعطف المهم في طريق الوصول إلى هدف "تركيا خالية من الإرهاب".

الحكومة التركية رحَّبت بإعلان حزب العمال الكردستاني عن سحب عناصره من الأراضي التركية. وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشليك، إن انسحاب العناصر الإرهابية من تركيا هو تقدمٌ يتماشى مع الهدف الأساسي لمشروع "تركيا خالية من الإرهاب"، مضيفا أن تفكيك هياكل حزب العمال الكردستاني المسلحة وغير القانونية داخل تركيا وفي جميع أنحاء المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا، والاستمرار في إلقاء هذه العناصر أسلحتها، يُعدّ الهدف الرئيس لمشروع "تركيا خالية من الإرهاب".

ترحيب أنقرة بانسحاب حزب العمال الكردستاني من تركيا وقواعده القريبة من حدودها، مع التأكيد على ضرورة إلقاء التنظيم سلاحه في العراق وسوريا، يثير علامات استفهام حول حقيقة هذه الخطوة وما يسعى إليه قادة حزب العمال الكردستاني؛ لأن "الانسحاب من تركيا" يعد تراجعا عن "حل التنظيم نفسه"، ويشير إلى أن التنظيم الإرهابي سيواصل أنشطته في العراق وسوريا. وهذا ما لا يتوافق مع مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" الذي لا يهدف إلى إنهاء أنشطة حزب العمال الكردستاني في الأراضي التركية فقط، بل في جميع دول المنطقة.

هناك أمر آخر، وهو أن حزب العمال الكردستاني تلقى ضربات قاسية داخل تركيا وحتى في مناطق شمال العراق القريبة من الحدود التركية، ولم يبق إلا عدد قليل جدا من عناصره المسلحة في تركيا بسبب تلك الضربات. ويقدر عدد الإرهابيين الذين انسحبوا من تركيا حوالي 30 إرهابيا. ولذلك، انسحاب تلك العناصر من الأراضي التركية ليس خطوة ذات قيمة كبيرة، كما أن التنظيم الإرهابي يمكن أن يرسل عناصره من الدول المجاورة إلى تركيا في المستقبل للقيام بعمليات إرهابية. وإضافة إلى ذلك، هناك تشكيلات تابعة لحزب العمال الكردستاني تنشط في المدن، وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "ماذا عن عناصر تلك التشكيلات؟".

الخطوات التي تقدم بها حزب العمال الكردستاني حتى الآن تبدو رمزية واستعراضية، وما زالت أنقرة تنتظر منه خطوات ملموسة تؤكد أن قرار حل التنظيم نفسه وإلقاء سلاحه ليس مناورة تهدف إلى كسب الوقت ومنع تركيا من القيام بعملية عسكرية جديدة في سوريا. وفي الوقت الذي يعلن فيه حزب العمال الكردستاني انسحاب عناصره من تركيا، تواصل وحدات حماية الشعب الكردي، الفرع السوري للتنظيم الإرهابي الانفصالي، حفر الأنفاق وإجراء المناورات في المناطق التي تحتلها في الجزيرة السورية؛ استعدادا للقتال ضد الجيش السوري والقوات التركية.

يبدو أن هناك اختلافا كبيرا بين رؤيتي أنقرة وحزب العمال الكردستاني؛ وبينما ترى أنقرة أن حزب العمال الكردستاني يجب أن يلقي السلاح في سوريا والعراق إلى جانب تركيا، يسعى التنظيم الإرهابي إلى تعزيز نفوذه في سوريا، مكتفيا بسحب عناصره المسلحة من الأراضي التركية. ويرى حزب العمال الكردستاني أن إعلان إنهاء قتاله ضد تركيا يكفي لطمأنة أنقرة، وأنه لا ينبغي أن تتدخل تركيا في المفاوضات التي يجريها التنظيم الإرهابي مع دمشق لحماية المكاسب التي حصل عليها بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي. وبعبارة أخرى، يريد حزب العمال الكردستاني من أنقرة أن تتقبل مشروعه الانفصالي في سوريا مقابل تخليه عن القتال ضد تركيا.

الحكومة التركية ما زالت متفائلة، وتقول إن مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" يسير نحو هدفه بسلام، مؤكدة أن الوضع تحت السيطرة. إلا أن هناك استياء متزايدا بين الأتراك، بمن فيهم المؤيدون لحزب العدالة والتنمية، من تجاهل مناورات التنظيم الإرهابي وتعزيز نفوذه في سوريا تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وعدم تحرك تركيا عسكريا ضد الفرع السوري للتنظيم الإرهابي، خوفا من انهيار المشروع الذي يهدف إلى طي صفحة الإرهاب الانفصالي بطرق سلمية.

أنقرة عيَّنت قبل أيام نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، سفيرا لدى دمشق. وهو من المقربين من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وعمل معه في جهاز الاستخبارات الوطنية، ومطلع على تفاصيل الملف السوري. ومن المؤكد أن حل ملف الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني سيكون أهم اختبار له، في ظل الدعم الذي يتلقاه التنظيم الإرهابي من إسرائيل، كما أن أنظمة عربية لعبت دورا هاما في انضمام عشائر عربية إلى "قسد" ومنزعجة من تنامي النفوذ التركي في سوريا؛ ترغب في استغلال حزب العمال الكردستاني كــ"حصان طروادة" لضرب القيادة السورية الجديدة وعلاقاتها المتينة مع تركيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!