ترك برس

سلّط مقال للكاتب والباحث الفلسطيني سعيد الحاج، الضوء على الرسالة المفاجئة التي وجّهها زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني المحظور عبد الله أوجلان من سجنه في حزيرة إيمرالي إلى ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية، داعيًا إياها للاندماج في مؤسسات الدولة السورية والانضمام إلى الجيش.

ووفقا للكاتب، تأتي الرسالة من عبد الله أوجلان في لحظة سياسية حساسة، مع تضاؤل الدعم الأمريكي، وتصاعد التنسيق التركي–السوري، والضغوط المتزايدة على "قسد" للقبول بتسوية تضعها ضمن إطار الدولة السورية.

يناقش الحاج، في مقاله بصحيفة "عربي21"، دلالات الرسالة، ومكانة أوجلان الرمزية، وحدود تأثيره على قرار "قسد" التي تحاول الحفاظ على هامش مناورة محدود وسط تحولات إقليمية ودولية متسارعة. وفيما يلي نص المقال:

قالت صحيفة "حرّيت" التركية يوم الأربعاء الفائت إن زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا عبد الله أوجلان قد وجه رسالة مباشرة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، يطالبهم فيها بالاندماج الكامل في مؤسسات الدولة السورية والانضمام للجيش السوري.

أتى ذلك على هامش زيارة قامت بها لجنة برلمانية تركية لجزيرة "إيمرالي" المحتجز فيها أوجلان، للمرة الأولى منذ اعتقاله في 1999، في إطار جهود متابعة مبادرة "تركيا بلا إرهاب" التي شملت دعوة منه لحزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح وحل نفسه، وهو ما استجابت له المنظمة.

وقد أوردت صحيفة "المدن" اللبنانية إقرارا من "قسد" بوصول الرسالة لها، عبر مصدر عسكري منها، والذي أكد على أن الرسالة "تخضع للنقاش على أعلى المستويات السياسية والعسكرية"، مقدرا "أي نصيحة أو رؤية تصب في صالح شعب سوريا ووحدة أراضيها".

أتت الرسالة المباشرة من أوجلان في توقيت لافت، حيث يفترض أن تنتهي نهاية الشهر الجاري المهلة التي منحها اتفاق العاشر من آذار/ مارس، بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، للأخيرة للاندماج في الجيش السوري.

كما أنها أتت بعد زيارة الرئيس السوري للولايات المتحدة ولقائه مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، والتي لم تشهد فقط إشادة الأخير بالشرع وتأكيده دعم واشنطن لوحدة أراضي سوريا، ولكن أيضا اجتماعا بين وزراء خارجية البلدين بحضور وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، فيما بدا نقاشا مباشرا بخصوص مستقبل الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا ومصير "قسد".

وكانت الزيارة زادت من منسوب القلق لدى "قسد" التي تتوجس أصلا من توجهات الرئيس ترامب، الذي كان اتخذ قرارا بسحب قوات بلاده من سوريا في فترته الرئاسية الأولى، والذي يتمتع بعلاقات جيدة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، كما صدرت عدة تصريحات من أركان إدارته تتفهم الطرح التركي بخصوص "قسد" وتدعم وحدة أراضي سوريا. فإذا ما أضيف لكل ذلك دور أنقرة وحضورها المتزايد مؤخرا في المنطقة، تصبح هواجس "قسد" مفهومة إلى حد كبير.

نتج عن هذا الانزعاج وهذه الهواجس، التي اشتركت بها "قسد" مع "إسرائيل" وبعض قيادات السويداء، توترات عدة في كل من الأخيرة وشمال شرق سوريا، فضلا عن العدوان "الإسرائيلي" في بيت جن الذي سقط بسببه عدة شهداء، فضلا عن جمود المحادثات بين "قسد" ودمشق.

وبالعودة لرسالة أوجلان، فلا شك أنها تزيد من الضغوط على "قسد" للاندماج في مؤسسات الدولة السورية وخصوصا الجيش، لا سيما مع اقتراب العام من نهايته، لما للزعيم الكردي من مكانة تاريخية وسياسية ورمزية كبيرة. فقد سبق لمظلوم عبدي نفسه أن وصف احتمال لقائه به (إثر دعوة وجهها له) بـ"الشرف العظيم"، ووصفه بأنه "صاحب مشروع فكري ورمز كردي ذو تأثير سياسي عميق"، مؤكدا على أهمية ودور أفكاره في "حل القضايا الكردية".

ومما يعزز هذه الدلالة أن الوقت يسير في الفترة الحالية في مسار يقلل من مساحات المناورة أمام "قسد". فالموقف الأمريكي -الأهم بالنسبة لمصير الأخيرة- يوحي بتغير كبير أو على الأقل عدم الثبات على الموقف السابق، ودمشق تعزز أوراق قوتها السياسية داخليا والعسكرية بالتعاون مع تركيا بشكل رئيس، والأخيرة ما زالت تؤكد على أن عملية حل حزب العمال الكردستاني ووقف الإرهاب تشمل إلى جانب تركيا كلا من سوريا والعراق وإيران وأوروبا، وما زالت تضغط باتجاه اندماج "قسد"، ملوّحة بالورقة العسكرية مع لدمشق.

في المقابل، لا ينبغي النظر لرسالة أوجلان على أنها قرار واجب التنفيذ بالنسبة لـ"قسد". فالرجل له رمزيته ومكانته لدى مختلف الهيئات المرتبطة بالعمال الكردستاني بما فيها "قسد" ولا شك، لكن الأخيرة تتمتع بمساحة مناورة واستقلالية أكبر من الباقين، بالنظر للتطورات الأخيرة في سوريا والدعم الأمريكي ومسار الحل للمسألة الكردية في تركيا مؤخرا. ولذلك فقد حرص مظلوم عبدي بين يدي دعمه لنداء أوجلان لحل الكردستاني وإلقاء السلاح؛ على التأكيد بأن ذلك يعني تركيا ويخصها هي فقط ولا يشمل سوريا (رغم تأثرها به).

من جهة أخرى، ورغم رسالته، لم يقف أوجلان في خصومة أو مواجهة مع "قسد" وخياراتها، حيث ما زال ينظّر للامركزية -الشرط الأهم لـ"قسد" في مواجهة دمشق- ويدعو لما أسماه "الكونفدرالية المركزية"، ويحذر من المركزية التي يراها بابا للدكتاتورية، كما سبق له أن دعا تركيا للحوار معها و"عدم التدخل في الشأن السوري الداخلي".

ولذلك، لا ينبغي النظر لرسالة أوجلان على أنها نهاية مرحلة متعلقة بـ"قسد"، ولكنها عنصر ضغط إضافي بالتأكيد، من الناحية الرمزية لما يملكه الرجل من كاريزما وتاريخ وقيادة يدين لها معظم أتباعه أولا، وثانيا لما ستحدثه الرسالة داخل هيئات "قسد" من نقاش وجدل وخلافات محتملة مما سيزيد الأمور تعقيدا.

ومما يدعم ذلك، أنه في ظل عدم وضوح قرار واشنطن وتراجع دعمها المتوقع، لا تملك "قسد" بديلا حقيقيا. فحتى "إسرائيل" التي تدّعي الدعم وتعرض التعاون ضد دمشق وأنقرة، لا تملك ذلك لاعتبارات عدة؛ في مقدمتها قرب مناطق الإدارة الذاتية من الحدود التركية الذي يفرض تحديات جغرافية وميدانية ولوجستية كثيرة.

يعيد كل ذلك "قسد" للمنطق البسيط الواضح منذ سقوط نظام الأسد، وهو أن الرهان على الخارج لصالح المشاريع التقسيمية لسوريا لم يعد ذا جدوى كبيرة وأن فرصه محدودة في المدى المنظور، وأن الأفضل والأسلم لها ولسوريا أن تتخلى عن أحلامها ومشاريعها الذاتية لصالح سوريا وقوتها ووحدة أراضيها وسلامة شعبها بكل مكوناته.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!