
د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
وصف الله عزَّ وجَلَّ فرعون بأنه كان من المفسدين، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾]القصص:٤٠[، ومعنى الفساد في القرآن الكريم هو خروج الشيء عن الاعتدال الذي خلقه الله تعالى له، ويستعمل في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة.
والإفساد هو فعل الشَّرِّ الناتج عنه إخراج الشيء عن حالته الأصلية الصالحة التي خلقه الله عليها إلى حالة فاسدة.
وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ بيان ما كان يفعله فرعون مما ذكره الله في الآية الكريمة من قتل الأطفال واستحياء النساء.. إلخ، فهو فساد وإفساد في الأرض، فكل تلك الأعمال الشنيعة التي فيه هي ذات صلة وثيقة بعلوّه وتجبّره وإفساده، وإنما هي ناتج عن ذلك.
كما أن تلك الأعمال باعتبارها قبيحة ولا تستقيم مع منطق الصلاح والإصلاح في الأرض، اعتبرت فساداً وإفساداً.
وقد بيّنت الآية الكريمة أن هذه المظالم الاجتماعية التي ذكرتها تهدم أساس المجتمع وتفسده (1).
ولذلك مضت سنة الله في المفسدين الذين رفضوا دعوة موسى - عليه السلام -، ولم يتركوا الظلم والعتو والجحود، واستمروا على فسادهم العقدي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي.
قال تعالى:﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾]النمل:١٤[.
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾]الأعراف:١٠٣[.
ولا شكّ أن الفساد الذي قام به فرعون وملأه كان من أسباب هلاكهم ودمارهم.
قال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (٥٦)﴾]الزخرف:٥٤-٥٦[.
والآية الكريمة تبين أن فرعون استخف عقول قومه بما أبدى لهم من الشبهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا حقيقة تحتها، وليست دليلاً على حق، وإنما تروَّج على ضعفاء العقول الّذين بسبب فسقهم قُيِّضَ لهم فرعون، يُزَيِّنُ لهم الشِّركَ والشَّرَّ.
﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾؛ أي: أغضبونا بأفعالهم.
﴿انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (٥٦)﴾ ليعتبر بهم، ويتَّعظ بأحوالهم المتَّعظون (2).
لقد وصف القرآن الكريم قوم فرعون بالفسق، وهو الخروج عن طاعة الله والوقوع في الخطايا والذنوب، فإذا ما اجتمعت المعاصي بأنواعها على أمة فإن هذه الأمة تعاقَب ويحُل بها الهلاك (3).
قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ ]الأنعام:٦[.
إن الذنوب سبب للانتقام وزوال النعم (4)، فهي تعزل الأمم عن مصدر القوة الحقيقية، وتستعدي عليهم قوى الإيمان ومعها قوة الله، وهذه سنة الله أن يأخذ الأمم بالذُّنوب (5)، كما قال تعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾]آل عمران:١١[.
إن من أسباب هلاك الأمم وزوالها ظهور المعاصي وارتكاب الخطايا والانغماس في الذنوب.
المصادر والمراجع:
(1) مفهوم الاستكبار والاستضعاف، مصطفى أوعيشة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2014م، ص١٣١.
(2) تفسير السعدي، ص١٠٣٤.
(3) نوح والطوفان العظيم، ص٣٣٩.
(4) تفسير رشيد رضا، "تفسير المنار"، (٧/٣٠٨-٣٠٩).
(5) المصدر نفسه، (٢/٢٣٨).
(6) موسى كليم الله، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، 2022.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس











