
ترك برس
كشف تحقيق لقناة الجزيرة القطرية تجربة تركيا في كسر احتكار صناعة الطائرات المسيّرة بعد أن واجهت أنقرة لعقود قيودا غربية على استيراد المكونات الحساسة للطائرات القتالية.
ومن داخل مصانع شركة "بايكار" التركية، يصور الفيلم مراحل تطور المشروع الوطني للمسيّرات، بدءا من النماذج الصغيرة التي استخدمت لأغراض استطلاعية، وصولا إلى الطائرات الهجومية التي باتت تصنع بالكامل داخل البلاد.
ويظهر في الفيلم كبير المهندسين سلجوق بيرقدار متحدثا عن الدوافع التي قادت إلى المشروع، مؤكدا أن "القيود الخارجية كانت سببا في ولادة صناعة محلية متقدمة"، وأن فكرة تطوير الطائرة في الميدان، بالتزامن مع القتال، كانت عاملا حاسما في تفوق النماذج التركية.
ويستعرض "المتحري" شهادات لخبراء عسكريين أكدوا أن فلسفة التطوير في "بايكار" تقوم على سرعة الاستجابة لمتطلبات الجبهات، وإجراء تحديثات ميدانية متواصلة، مما جعل الطائرة التركية واحدة من أكثر النماذج فاعلية في النزاعات الحديثة، ولا سيما في ليبيا وأذربيجان وأوكرانيا.
وفي مشاهد حصرية، عرض البرنامج مقاطع من حرب أوكرانيا، حيث تحولت المسيّرات إلى عنصر حاسم في القتال، وتُظهر اللقطات هجمات نفذتها أوكرانيا بمسيّرات على مواقع روسية حساسة ضمن عملية عُرفت باسم "الشبكة العنكبوتية"، استخدمت فيها أكثر من 100 طائرة مسيّرة في هجوم متزامن أدى إلى تدمير معدات ومنشآت إستراتيجية.
ويصف أحد المحللين العسكريين هذه العملية بأنها "علامة فارقة في تاريخ الحروب"، إذ أثبتت أن دولة محدودة الإمكانات يمكنها أن تواجه قوة نووية باستخدام تكنولوجيا منخفضة الكلفة ومرتفعة الدقة.
فوضى عسكرية
في المقابل، ينقل التحقيق تحذيرات خبراء من أن الانتشار المتسارع للمسيّرات سيجعل السماء "ساحة مزدحمة لا يمكن ضبطها"، وأن السلاح الذي منح الصغار توازنا مؤقتا قد يخلق فوضى عسكرية عالمية جديدة.
ويربط "المتحري" بين الاستخدامات الميدانية للمسيّرات والسباق الصناعي العالمي المحموم لإنتاجها، موضحا أن خفة وزنها وسهولة تشغيلها جعلاها السلاح المفضل للجيوش والجماعات المسلحة على حد سواء.
كما أشارت الحلقة إلى أن تصنيعها لم يعد حكرا على الدول الصناعية الكبرى، بل بات في متناول دول ناشئة وشركات صغيرة وأفراد يمتلكون معرفة تقنية محدودة، مما جعلها "سلاحا ديمقراطيّا"، على حد وصف أحد ضيوف البرنامج.
وتظهر في الفيلم لقطات لمعامل تركية وإيرانية وصينية وأوكرانية تعمل جميعها على تطوير نماذج مختلفة من المسيّرات الهجومية والانتحارية، بعضها قادر على التحليق لأكثر من 24 ساعة متواصلة، وبعضها لا يتجاوز وزنه عدة كيلوغرامات لكنه يحمل رؤوسا متفجرة دقيقة التأثير.
ويحذر أحد الخبراء في الفيلم من أن غياب العنصر البشري المباشر في ساحة المعركة يجعل اتخاذ القرار بالقتل أسهل وأقلّ مسؤولية، مشيرا إلى أن الدول التي تتباهى بـ"الضربات النظيفة" تخفي وراءها واقعا أكثر تعقيدا، إذ تبقى الأخطاء القاتلة حاضرة مهما بلغت دقة التقنية.
ويرى مقدم برنامج "المتحري" أن السماء لم تعد حكرا على القوى الكبرى ولا على الطيارين الذين يحملون النياشين على بزّاتهم العسكرية، ففي زمن المسيّرات يمكن لصندوق معدني صغير يزن بضعة كيلوغرامات أن يقلب موازين حرب بأكملها.
وينطلق البرنامج في حلقته "حرب المسيّرات" في رحلة استقصائية تكشف وجها خفيًّا لصراع أعاد رسم خريطة القوة في العالم وجعل من السماء ميدانا تتقاطع فيه الهندسة بالتكتيك، والعلم بالعقيدة العسكرية، والتكنولوجيا بالسياسة.
كما عرضت الحلقة سلسلة تحقيقات وشهادات ميدانية ومقابلات حصرية مع مطورين وخبراء عسكريين، كشفت كيف تحولت المسيّرات من أدوات استطلاع محدودة إلى سلاح إستراتيجي قادر على ترجيح كفة الحروب وتغيير مفهوم السيطرة الجوية التي كانت لعقود حكرا على القوى الكبرى.
واستعاد التحقيق مشاهد أرشيفية نادرة تُظهر أول استخدام للمناطيد المحمّلة بالقنابل في مدينة البندقية عام 1849، حين حاول الجيش النمساوي إخضاع المدينة الثائرة بقصفها من الجو.
ورغم محدودية تأثير تلك التجربة، فإنها شكّلت -بحسب أحد الخبراء الذين استضافهم الفيلم- نقطة البداية لفكرة "الهجوم من السماء"، التي تطورت لاحقا إلى استخدام المسيّرات في الاستطلاع والتصوير، قبل أن تتحول إلى سلاح فتاك يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف وتنفيذ الضربات الدقيقة.
ويروي الفيلم كيف دخلت الطائرات غير المأهولة مرحلة الاستخدام العسكري الفعلي خلال الحرب العالمية الثانية، ثم توسعت أميركا وبريطانيا في تطويرها خلال الحرب الباردة، وصولا إلى تحوّلها الجذري في تسعينيات القرن الماضي مع دمجها بالصواريخ الذكية وأنظمة الملاحة الحديثة، لتصبح أداة اغتيال عن بُعد في "الحرب على الإرهاب".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











