سحبان مشوح - خاص ترك برس
الغرب بصورة عامة غير راض عن حكومة العدالة والتنمية ولا عن سلوكها السياسي؛ خاصة في مرحلة ما بعد الثوارت العربية، وهو حريص بصوررة ما؛ على التخلص منها عن طريق صناديق الاقتراع أو غيرها من الطرق؛ على ألا تشكل أي واحدة من هذه الطرق سبيلا إلى زيادة الزعزعة في استقرار المنطقة، حيث إن هذه القوى الغربية وبقدر رغبتها في التخلص من العدالة والتنمية فإنها خائفة من الفوضى التي ربما يخلقها الفراغ أو الثأر بعد التخلص من الحزب التركي الحاكم.
ولذلك فإن هذه القوى لم تعمد إلى إثارة عامة تثير فوضى لا يمكن التحكم بها في منطقة تعد البوابة الشرقية لمركز العالم القديم "أوروبا"، وإنما استخدمت نفوذها في التشويش على الحزب الحاكم وتشويه منجزاته، إضافة إلى دعم خصومه السياسيين؛ في الميادين؛ كأحداث غزي بارك منتصف عام 2013، أو في دعمهم بطرق شتى في الانتخابات لتوحيد جهودهم للحيلولة دون سيطرة العدالة والتنمية المطلقة على الحكومة عام 2015.
من جانب آخر؛ تواردت مؤخرا أنباء عن تحركات للحرس الثوري الإيراني في المناطق الكردية في إيران والمحاذية للحدود التركية، جاءت بعد تصريحات مختلفة من مسؤولين رسميين إيرانيين ومن أذرع إعلامية شبه رسمية تهاجم سياسات الحزب الحاكم في تركيا تجاه الملف السوري بالتحديد، أعقبها مؤخرا اتهامات مباشرة من قبل حسن نصر الله بدعم الإرهاب وتمويله. تشكل مجمل هذه المواقف والتحركات وخاصة بعد الاتفاق النووي "وإن لم يكن في هذا الاتفاق ما يشير إلى ذكر مباشر لتركيا" واحدة من أسباب الرد التركي على منظمتين؛ تتمتع واحدة منها بصلات قوية مع إيران "العمال الكردستاني"، وتتهم الأخرى بدعم خفي من قبلها "تنظيم الدولة".
ما يثير التساؤل وربما الخشية هو الدور الأمريكي في أحداث تركيا الأخيرة، فمن المعلوم أنه لم يكن لمليشيا وحدات الحماية الكردية أن تحرز تقدما يذكر على الحدود التركية السورية دون الدعم المباشر والقوي للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، الأمر الذي استفز الأتراك؛ خشية من تشكل كيان كردي على حدودهم الجنوبية الشرقية والتي تغص بوجود كردي واضح.
التحرك التركي جاء ردا على الدورين الإيراني والأمريكي (الغربي بالعموم)، بل إن السماح التركي للطائرات الأمريكية بتوجيه ضرباتها انطلاقا من أراضيها بعد ممانعة دامت نحو عام؛ جاء تحت هذين الضغطين؛ اللذين أجبراها على تغيير قائمة أولوياتها، ليصبح الخطر الأولى بالمواجهة هو تنظيم الدولة بعد أن كان نظام الأسد على مدى العامين الأخيرين من الثورة السورية، والذي تحول فيهما اهتمام الشرق والغرب "الولايات المتحدة، أوروبا، روسيا، إيران، إسرائيل، معظم الدول العربية" من المطالبة برحيل نظام يعمد إلى قتل شعبه بكافة الوسائل إلى عنوان المرحلة الراهن وهو مكافحة الإرهاب، وببراغماتية عالية ومرونة حاضرة في السياسة التركية؛ استطاعت الأخيرة أن تتحصل على واحد من مطالبها المهمة، وهو المنطقة الآمنة والحظر الجوي "ربما" داخل الأراضي السورية وبعمق يصل حتى 50 كيلومترا.
قد تكون تركيا دفعت عن نفسها بالانخراط الواسع في نشاط التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة؛ خطرا وشيكا، تحاول من خلاله الثأر لنفسها من تنظيم أشد عداوة لها وأقدم؛ وهو حزب العمال الكردستاني؛ إلا أن أغلب الظن أن الأيام القادمة لا تحمل في ثناياها الكثير من الرخاء والاستقرار لهذا البلد الذي قضى سياسيوه نحوا من ثلاثة أرباع قرن لاستعادة هيبته بعد انحلال الخلافة، وإعادة بعض من مظاهر القوة والأنفة العثمانية!
ربما تكون تركيا قد تأخرت كثيرا في محاولة دفع هذه الغوائل المتربصة بنهضتها عن طريق دعم غير محدود للثورة السورية وثوارها الذين كانوا في أيام مضت أبعد ما يكونون عن الأدلجة والاستقطاب؛ المانعَين اليوم من التوحد على الساحة السورية، وربما لم تزل الفرصة مواتية عبر دعم للأقوياء الفاعلين!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس