وائل عصام - القدس العربي
بالتأكيد أن الأكراد الانفصاليين في كوباني والقامشلي وعفرين شمال سوريا، يشكلون التهديد الأكبر على الأمن القومي التركي جنوب البلاد، لأنهم في حال ثبتوا كيانهم الكردي بهويته اليسارية القومية الكردية، فإنه سيؤثر بلا شك في إذكاء الميول الانفصالية للاكراد جنوب شرق تركيا ويعزز التوترات الداخلية العميقة التأثير على الأمن القومي التركي.
«تنظيم الدولة» أقل خطرا لأسباب عديدة، أبسطها أنه ليس طرفا في صراع داخلي بتركيا وليس التيار الانفصالي الذي اصطدم مع الدولة التركية لعقود خلت مسببا شرخا كبيرا في النسيج الوطني.
صحيح ان التيار السني الجهادي لـ«تنظــــيم الدولة» متمرد على النظام الاقليمي والغرب، وانه يختلــــف ويتعارض مع الصوفية الاسلامية المعتدلة التي ينتمي لها جمهور حزب العدالة الاكثر تصالحا مع الغرب والولايات المتحدة، إلا أن حدة صدامه تبقى أقل، مقارنة بصراع عميق ذي وجه قومي بين الترك والكرد، وبدرجة اخرى بين اسلاميين ويساريين.
إذن يرى الاتراك أن الاولوية هي لنزاعهم مع الاكراد الانفصاليين، وضرورة منعهــــم من تحقـــيق كيان مستقل قوي في شمال سوريا، ولكن مشكلة تركيا أن حلفاءها الامريكيين يدعمون اعداءها الكرد شمال سوريا ضد «تنظيم الدولة»!
لا تستطيع تركيا الخروج عن خطوط الولايات المتحدة الحمراء في الشرق الاوسط، هي ليست تابعة عمياء لها كالانظمة العربية، ولكنها ايضا لا تملك هامش الحرية بضرب اعدائها بالاقليم كما تملكه ايران.. فلا تستطيع تركيا ضرب الاكراد الانفصاليين في سوريا، رغم انهم اعداؤها المعلنون، لأنهم حلفاء امريكا، فتذهب لقصف اشقائهم في شمال العراق لانهم ليسوا حلفاء امريكا!
يبدو واضحا ان العلاقة التحالفية لتركيا مع الولايات المتحدة كبلتها على صعيد سياستها الخارجية في الشرق الاوسط، وكما قلنا سابقا ان صفر مشاكل قد تحول الى صفر على الشمال!
وكحل وسط بين حفاظ تركيا على علاقتها مع الولايات المتحدة وبين وضع حد للنفوذ الكردي شمال سوريا، كانت الصفقة كالتالي: يتولى الاتراك محاربة «تنظيم الدولة» شمال سوريا بدلا من الاكراد، وتفتح تركيا قاعدة انجرليك لطيران التحالف لقصف «تنظيم الدولة» وبالمقابل يوقف الامريكيون دعمهم للاكراد شمال سوريا، لكن السؤال هل الاتراك جادون فعلا في التماهي مع الرغبة الامريكية الجامحة بقتال «تنظيم الدولة»، رغم انه لا يشكل خطرا داهما على الأمن القومي التركي كما يشكله الاكراد الانفصاليون؟
حتى لو كانوا جادين فإن تحقيق منطقة آمنة من «تنظيم الدولة» شمال سوريا هي فكرة تبدو صعبة التحقيق لاسباب عديدة، أهمها عدم وجود قوات برية سورية من الفصائل مؤهلة لمواجهة «تنظيم الدولة» في المنطقة التي يسيطر عليها، ومهما كانت الغارات الجوية عنيفة فإن اخراج التنظيم من مدن يحظى فيها بحاضنة سنية خالصة، وفي محيط سني خالص، لم ينجح ولا مرة لا في العراق ولا في سوريا، وحدها مدن الاكراد تراجع منها التنظيم شمال سوريا، لأن المحيط المعادي ساعد قوات برية عقائدية للاكراد على استثمار القصف الجوي المركز، فتضافرت العوامل الثلاثة، الحاضنة والقوات البرية القوية فنيا وعقائديا والقصف الجوي المركز، وتبقى تكريت حالة مختلطة، حيث كانت القوات العقائدية قادرة على استثمار القصف الجوي، إضافة إلى أن محيط تكريت محاصر بقواعد وقرى غير متحمسة للتنظيم وبعضها بات قاعدة للميليشيات كسامراء.
النقطة الثانية أن الجهاديين والفصائل الإسلامية ستجد من الصعوبة بمكان اقناع أفرادها بقتال «تنظيم الدولة» بجدية، نظرا لأن الفصائل المرتبطة بالانظمة والغرب باتت مرفوضة في عموم مناطق المعارضة، أضافة إلى أن الفصائل غير الجهادية المرتبطة مباشرة بالمشروع التركي الامريكي كالجيش الحر، ضعيفة جدا مقارنة بالفصائل الاسلامية كالنصرة وجند الاقصى والاحرار، ولم تمض ساعات على إعلان فكرة دعم فصائل ضد «تنظيم الدولة» حتى أعلن احد كبار المنظرين الجهاديين المعروفين بعدائهم للتنظيم، أن من يقاتل تنظيم الدولة ضمن مشروع المنطقة الامنة هو «موال للكفار» .. وبعدها بساعات اختطفت النصرة قائد الفرقة 30 في الجيش الحر وهو تركماني الاصول بعد عودته من تركيا مباشرة، ثم هاجمت في اليوم اللاحق مقر الفرقة في اعزاز، وقتلت وجرحت العشرات من اعضائه، هذا كله حدث من فصائل كالنصرة والاقصى يفترض انها غير مستهدفة بمشروع المنطقة الامنة!
تبقى قضية القرابة العائلية، فمعظم ابناء القرى شمال سوريا منقسمون بين عدة فصائل، ولن يكون سهلا تحشيد قوات كبيرة ضمن فصائل واقناع مقاتليها بقتال اولاد عمومتهم وابناء قراهم في «تنظيم الدولة»!
وهذا ربما ما بدا واضحا من نتائج اختيار القوات التي تدربت امريكيا في تركيا، فمن ضمن 300 اسم تم ترشيحها، تم استبعاد الاشخاص الذين تربطهم قرابة حتى الدرجة الرابعة بمقاتلين في تنظيم الدولة او جبهة النصرة، فلم يبق سوى ستين فقط! لذلك لا يبدو السنة في العراق ولا حتى في الشام جادين في الانخراط بقوة وعزم بالقتال ضد التنظيم، لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها من الانظمة العربية، بينما تعجز امريكا والانظمة العربية عن توجيه اي عمل عسكري ضد نظام الاسد او العبادي او ايران! وهذا الحماس الضعيف للمشروع الامريكي في محارية تنظيم الدولة هو الذي دفع رئيس الاركان الامريكي الجديد وقبله وزير الدفاع الامريكي للقول إن الاكراد هم حلفاؤنا الحقيقيون والفاعلون ضد تنظيم الدولة.
لهذا كله، تدرك تركيا ان مجرد الخوض في دعم فصائل صغيرة موالية للغرب من الجيش الحر سبق ان طردت خارج سوريا، كجمال معروف وحركة حزم، هو عبث قد لا ينجح بتحقيق أي نتائج سوى اذكاء اقتتال سني سني في شمال سوريا، يؤدي لكثير من الدماء والدمار، بل ولمزيد من المهجرين والنازحين من منطقة يفترض انها تعد لاستقبال عودة النازحين في تركيا! النازحين الذين لم تجد الخطة التركية الامريكية مكانا يصلح ان يكون آمنا لهم في شمال سوريا سوى ستين كيلومترا يسيطر عليها تنظيم لدولة من اصل ستمئة كيلومتر يسيطر على معظمها الاكراد!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس