جلال سلمي - خاص ترك برس
أعلنت هولندا ومن ثم ألمانيا والولايات الأمريكية المتحدة، الأعضاء في حلف الشمال الأطلسي "الناتو" بأنهما سيقومان بسحب أجهزة الدفاع الأرض جوية "باتريوت" من تركيا لعدم حاجة تركيا إلى هذه الأجهزة بعد الآن، على حد تعبيرهم.
بعد اشتعال الثورة السورية عام 2011 أصبحت الكثير من الصواريخ تسقط داخل الحدود التركية وأصبح النظام السوري يهدد بشن العديد من الهجمات الجوية ضد تركيا لأنها تقوم بدعم الإرهاب والتدخل في شؤونه الداخلية، وبناءًا على هذه التهديدات قامت تركيا عام 2012 بتقديم طلب رسمي إلى حلف الشمال الأطلسي "الناتو" تطلب فيه إحضار أجهزة دفاع جوية ووضعها داخل حدودها لحماية نفسها من أي خطر يمكن أن يهدد أمنها واستقرارها.
واليوم بعد مرور 3 سنوات على إحضار هذه الأجهزة أعلنت هولندا ومن ثم ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستقوم بسحبها لعدم حاجة تركيا إليها بعد الآن، وفي تحليل متصل بالسياق يقول الباحث في معهد الأبحاث الاستراتيجية في أنقرة أيدين بولات، في دراسة تحليلية له في نفس الشأن بعنوان "الأسباب الخفية وراء سحب أجهزة الدفاع الجوي"، بأن "هذه الأجهزة تم إحضارها في وقت كانت تركيا لا تحتاجها فيه كثيرًا ولكن اليوم بعد ازدياد حاجة تركيا لهذه الأجهزة يتم الإعلان عن سحبها!!".
ويضيف بولات "أن سحب هذه الأجهزة لم تأتي من فراغ بل هناك أسباب سياسية واستراتيجية ورمزية من وراء سحب هذه الأجهزة، والأعذار الرسمية التي تم إعلانها من قبل الحكومات الساحبة للأجهزة هي محل نقاش ولا تعكس الحقيقة والنية الصادقة من وراء سحب هذه الأجهزة من تركيا في هذا الوقت بالتحديد".
وحسب المصادر العسكرية لوزارة الدفاع الجوي؛ "قامت هولندا أولا في شهر كانون الثاني/ يناير 2015 بسحب أجهزتها الموجودة على الحدود التركية وقامت بتحويلها إلى إسبانيا وبتاريخ 15 آب/ أغسطس 2015 قامت ألمانيا بسحب أجهزتها، وبتاريخ 16 أغسطس 2015 أعلنت الولايات المتحدة بأنها ستسحب أجهزتها الدفاعية لعدم حاجة تركيا إليها بعد اليوم". وتبين المصادر العسكرية التركية بأن "تركيا في أمس الحاجة لهذه الأجهزة وأن أسبابًا استراتيجية وسياسية خفية جعلت الدول المذكورة أعلاه تقوم بسحب أجهزتها، قرار السحب كان بمثابة المفاجأة لنا لا سيما بأن تاريخ سحب هذه الأجهزة كان يمتد إلى يناير 2016".
الأعذار الرسمية من وراء سحب هذه الأجهزة
حسب تقرير بولات؛ أعلنت الجهات الرسمية للدول الساحبة للأجهزة الدفاعية بأن هناك عدة أسباب دفعتها للقيام بعملية السحب، هذه الأسباب كانت بالشكل التالي:
ـ "على الرغم من عدم انتهاء تهديد استخدام النظام السوري لصواريخ "بليستيك" الكيميائية ضد تركيا بشكل كامل، إلا أن هذا التهديد أصبح ضئيلًا جدًا، ولم تعد تركيا بحاجة هذه الأجهزة".
ـ "مفهوم التهديد تغير وأصبح تهديدًا إرهابيًا وليس تهديدًا نظاميًا، اليوم داعش هي التهديد الأول لتركيا ويمكن لتركيا التغلب على هذا التهديد بنفسها أو من خلال التعاون معنا بأساليب عسكرية أخرى".
ـ "حاجة الأجهزة إلى تحديث وإصلاح ميكانيكي، وكما أن تكاليفها كانت باهظة على الدول التي وضعتها مما جعلها تضطر إلى سحبها".
الأسباب الحقيقية وراء سحب هذه الأجهزة
يبين العديد من المحللين والخبراء الأتراك بأن هناك أسبابًا أخرى وراء سحب أجهزة الدفاع لا سيما في ظل حاجة تركيا الماسة لها بعد ازدياد حجم الأخطار والتهديدات في سوريا، ويبين الخبراء أن أسباب الانسحاب ليست اقتصادية أو عسكرية إنما سياسية استراتيجية، ويوجز الخبراء بالشكل التالي:
ـ توصل الولايات المتحدة الأمريكية لاتفاق نووي مع إيران وأرادت من سحب هذه الأجهزة إظهار نيتها الحقيقية في التقرب لإيران.
ـ اعتراض ألمانيا على مهاجمة تركيا لحليفها الإقليمي في المنطقة حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" واعتراضها على مستوى إجراءات تركيا الضعيف في مواجهة داعش.
ـ يمكن أن يكون مؤشر لعدم رغبة الغرب بالتخلص من نظام الأسد بشكل كامل خاصة بعد الاتفاق مع إيران.
ـ اعتراض حلف الشمال الأطلسي "الناتو" على قيام تركيا بتوقيع اتفاقيات عسكرية واسعة مع الصين التي تعتبر منافس قوي للعديد من دول الناتو وعلى رأسهم الولايات الأمريكية المتحدة.
ـ عدم رغبة الناتو في الوقوع تحت سياسة الأمر الواقع في حين قامت تركيا بالتدخل العسكري المباشر في سوريا لإقامة "المنطقة الأمنية" خاصة في ظل المعارضة الواضحة للكثير من أعضائه لإقامتها.
ـ رسالة خاصة من ألمانيا لتركيا مفادها "إنّكِ دولة ضعيفة يجب أن تلزمي حدودك" خاصة بعد سعي تركيا لمنافسة ألمانيا اقتصاديًا.
وبالعودة إلى الباحث أيدين بولات يوضح الأخير "بأنه يجب على تركيا أن تسعى على الفور إلى تأمين أجهزة دفاع متطورة بديلة لهذه الأسلحة وأن تسعى لإنتاج هذه الأسلحة بنفسها، ولا بد بأن نثق بأن تركيا قادرة على حماية نفسها بنفسها فهي خاضت حرب قبرص عام 1974 دون الحاجة لأي حليف وهي اليوم قادرة على خوض أي حرب بالاعتماد على نفسها وعزيمتها دون الحاجة لأي حليف أخر".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!