ترك برس
بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في تركيا بتاريخ 7 حزيران/ يونيو أعلن حزب الشعب الجمهوري الذي حصل على نسبة 25% بعد هذه الانتخابات، أثناء التشاور مع حزب العدالة والتنمية بهدف التوصل إلى التوافق الذي يدعم تأسيس حكومة ائتلافية بين الطرفين، بأنه يوافق ويدعم حزب العدالة والتنمية في قضية التشاور البرلماني من أجل تغيير الدستور التركي الحالي.
وكان حزب العدالة والتنمية الذي حصل على نسبة 40,9 % أعلن أكثر من مرة أن هناك حاجة ماسة من أجل تغيير الدستور الحالي، وبما أن أكبر حزبين برلمانيين يؤيدان تغيير الدستور التركي فهذا يعني بأن مانسبته 65% من الشعب التركي ترغب في تغيير الدستور التركي القائم.
وإذا كان أكثر من نصف الشعب التركي راغب في تغيير الدستور فماهي الأسباب الماسة والملحة التي تجعل من تغيير الدستور أمر لا بد من تحقيقه في تركيا في الوقت الحالي؟
على مدار تاريخ تركيا منذ التأسيس وحتى تاريخ إعداد الدستور الحالي جميع الدساتير كان مُعدة ومُنظمة من قبل الجيش أو بناءًا على تعليماته؛ ففي عام 1921، قبل تأسيس الجمهورية بعامين، تم إعداد أول دستور للجمهورية التركية من قبل مجلس الشعب التركي الأعلى الذي تم تأسيسه من قبل مصطفى كمال أتاتورك وأصدقاؤه الثوريين خلال حرب الاستقلال أو حرب التحرير وسُمى هذا الدستور بدستور حرب التحرير وكان للجيش وقادته دور كبير في إعداده وإقراره.
وفي عام 1924 أي بعد تأسيس الجمهورية التركية بعام قام مجلس الشعب التركي الأعلى بإعداد دستور جديد هو الأخر كان عسكري ومُعد من قبل قادة الجيش ورجاله القانونيين واستمر هذا القانون إلى تاريخ 27 أيار/ مايو 1960 إذ قام الجيش نفسه بالانقلاب على هذا الدستور والحكومة السياسية القائمة في ذلك الوقت وقام الجيش بإعداد دستور جديد عام 1961 وقام الجيش في سابقة هي الأولى من نوعها بإعطاء الشعب الحق في التصويت على قبول الدستور أو رفضه وبعد هذا الاستفتاء الذي تم بتاريخ 9 تموز/ يوليو 1961 صدرت نتائج القبول ب61,7 % ونتائج الرفض 38,8% ويُذكر بأن هذا الدستور تم في أجواء عسكرية الأمر الذي كان قد شكل وسيلة ضغط على المصوتين.
وبتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر 1980 عاد الجيش من جديد وانقلب على دستور 1961 والحكومة السياسية التي كانت موجودة في ذلك الوقت وفي عام 1982 قام الجيش بتجهيز دستور جديد وعرضه على الشعب بتاريخ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1982 وقُبل الدستور بنسبة 91,37% في حين كانت نسبة رفضه 8,63% ويرى الكثير من الباحثين الحقوقيين والتاريخيين بأن هذه النسبة غير معقولة وغير مقبولة لا سيما بأنه تم الحصول عليها في ظل عربدة عسكرية قاسية لم تشهد تركيا لها مثيل على مدى تاريخها فلا يعقل أن يقوم الشعب الذي أُعدم بعض منه بتهم مزورة ونُفي الآخر واعتقل بعضه الآخر وعُذب أن يقوم بالتصويت بنسبة 91% على دستور يحد من الحريات السياسية والاجتماعية والثقافية.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 3 عقود على هذا الدستور الحديدي القاسي إلا أنه ما زال إلى يومنا الحالي هو الدستور المعمول به في تركيا. ويُشير الباحث الحقوقي محمد مصطفى أرتورك إلى أن "هذا الدستور أصبح عتيق وهرم وقد مدى على مدة صلاحيته السنوات العديدة بعد تنعم تركيا بحكومة ديمقراطية ليبرالية تُعطي جميع المواطنين بلا استثناء ودون أي قيد أو شرط جميع حقوقهم السياسية والقانونية والاقتصادية والمدنية والاجتماعية والثقافية وتعطيل هذا الدستور الهرم للحكومة في إعطاء المواطنين في تركيا المزيد من الحقوق يُعد السبب الرئيس في ضرور تغييره وإعداد دستور جديد يؤهل الحكومة ويُسهل لها إمكانية توفير جميع الحقوق التي أصبحت تُعد طبيعية لمواطنيها دون أي تمييز أو تفرقة".
ويضيف أرتورك أنه "إلى جانب هذا السبب الرئيس يوجد العديد من الأسباب الفرعية الأخرى التي تجعل من تغيير الدستور العسكري الهرم حاجة ماسة مثل؛ كما قلنا هو دستور عسكري ولا يناسب تركيا الحالية المُعروفة والمميزة بمدنيتها وتقدمها الديمقراطي والسياسي مقارنة بالدول الإقليمية الأخرى المجاورة لها وهذا الدستور العسكري أصبح دستورًا لا ينسجم مع تطلعات تركيا الديمقراطية، كما أن هذا الدستور واقعي أمني بحت يُقدس الدولة أكثر من الإنسان بكثير وهذا يضر بمبادئ الدولة الاجتماعية الديمقراطية المدنية التي تسعى الحكومة التركية الحالية إلى صنع صورتها وتطبيقها على تركيا".
وأيضًا يبين الباحث السياسي إيمراه يايلالي، في دراسة أكاديمية له على موقع "برهان" التركي بعنوان "دستور 1982" نُشرت بتاريخ 05 أيلول/ سبتمبر 2008، أن "دستور 1982 لم يمتثل لمبدأ فصل السلطات الذي يُعد المبدأ الأساسي للدول الديمقراطية، إذ جعل المحاكم العسكرية ولجنة الأمن القومي المؤسسات الحاكمة الأساسية في البلاد والمُقررة بشكل نهائي لجميع المسائل الأساسية المتعلقة بتركيا وهذا بدوره يُعطل عمل المؤسسات التشريعية والقضائية ويجعلها متصل الجانب التنفيذي للدولة مما يعطل مبدأ فصل السلطات ومبدأ "دولة القانون".
ويوضوح يايلالي أيضًا أن "دستور 1982 يحتوي على العديد من الشوائب والمبادئ التي تعطل بعض السمات الأساسية لتركيا مثل سمة أو مبدأ الجمهورية ومبدأ الديمقراطية ومبدأ حقوق المواطنين المدنية الأساسية وغيرها الكثير من المبادئ التي تسعى تركيا كدولة ومؤسسات وحكومة إلى تحقيقها وللنجاح في تحقيق ذلك لا بُد من دستور جديد يحمي هذه المبادئ".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!