فايز سارة - الشرق الأوسط
لا يحتاج إلى تأكيد أن تركيا كانت بين أهم الدول التي وقفت إلى جانب السوريين في محنتهم، التي بدأت مع قيام نظام الأسد بشن حربه على الشعب السوري مع بداية المظاهرات. وكانت بداية الحرب ملاحقة النشطاء والمتظاهرين لاعتقالهم وقتلهم، ثم تطورت إلى هجمات على الحواضن الجغرافية والاجتماعية للثورة بما فيها من مدن وأحياء وقرى، وكلها أدت إلى نزوح واسع للنشطاء والأهالي هربًا من حرب النظام، وفتحت تركيا حدودها لدخول السوريين دون قيد أو شرط، مما أدى إلى دخول أعداد كبيرة منهم، استقر جزء منهم في مخيمات أقامتها الحكومة التركية على امتداد الحدود التركية السورية، والقسم الآخر استقر مقيمًا في مدن تركيا وقراها.
لقد نظر الأتراك للسوريين القادمين على أنهم أصحاب محنة، وأن الحق مساعدتهم، وتوجت الحكومة التركية الموقف الشعبي في مساعدة السوريين بالقول إن السوريين ضيوف على تركيا، وباستثناء المساعدات، التي قدمتها الحكومة للوافدين السوريين في المخيمات، فإن منظمات المجتمع المدني والأحزاب التركية والمجتمعات المحلية في المدن والقرى، قدمت هي الأخرى مساعدات كبيرة للوافدين السوريين.
لقد عومل السوريون في حالات كثيرة مثل المواطنين الأتراك، ومنحوا حالات تفضيلية أحيانًا، لكن ذلك ظل دون «قوننة»، لأنه كان محكومًا بالتعاطف، وبالإجراءات الإدارية من جهة أخرى. ولأنه بدا أن ثمة كثيرًا من الإيجابيات في الموقف التركي، فقد كانت هناك سلبيات أيضًا. كان الأهم والأبرز في سلبياته أن السوريين لم يسجلوا في تركيا بوصفهم «لاجئين»، وهذا منعهم من الحصول على حقوق اللاجئين المتعارف عليها دوليًا وفق القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة. ولا يحتاج إلى تأكيد القول بأن تركيا لم يكن بمقدورها تسجيل الوافدين بصفة لاجئ طبقًا للقانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة، بسبب الأعداد الكبيرة من الوافدين والتي تقدر بما يقارب مليوني نسمة، في وقت تئن فيه أوروبا أمام موجة المهاجرين التي لا تتجاوز بضع مئات الآلاف، أغلبهم وصلوا إليها خلال الأشهر القليلة الماضية.
تسبب التدفق السوري في ظل إصرار تركيا على عدم غلق أبوابها في وجه السوريين بارتباكات في السياسة التركية من نواحٍ سياسية واقتصادية وقانونية وإدارية، يسعى الأتراك إلى تجاوزها عبر إعادة ترتيب سياستهم، التي يصرون على ألا تمس حق السوريين بالمجيء إلى تركيا والإقامة فيها طبقًا لما يردده المسؤولون الأتراك، ويؤكدونه، لكن ذلك لن يمنع من معاناة أغلبية السوريين الوافدين، وهو بين العوامل التي دفعت وسوف تدفع مئات آلاف منهم إلى المغامرة بركوب البحر في رحلات هجرة غير شرعية إلى أوروبا، تشتكي منها الأخيرة، ولا تستطيع تركيا منعها.
إن أبرز ما تركه السلوك التركي في استقبال السوريين بأعدادهم الكبيرة تخلي الأمم المتحدة عن مسؤولياتها تجاه اللاجئين إلى تركيا لدرجة رفضها تسجيلهم، بخلاف ما حصل في بلدين هما الأردن ولبنان، حيث تم تسجيل نحو مليوني لاجئ سوري هناك، تولت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بإمكانات متواضعة مساعدتهم، وتأمين قدر قليل من حقوق بعضهم.
إن تجربة اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا في حرب عام 1948 تستحق الاستدعاء في مقاربة للتجربة التركية حيال الوافدين السوريين. ففي تلك التجربة استقبل السوريون شعبًا وحكومة الفلسطينيين بإحساس يشبه إحساس الأتراك بالسوريين، لكن ذلك لم يمنع تسجيلهم في وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم، التي ما زالت تتابع مسؤولياتها نحوهم - ولو بقدر قليل.
يحتاج موضوع السوريين في تركيا إلى التوقف عنده من جانب الحكومة التركية للضغط على الأمم المتحدة للمساعدة في حل هذه المعضلة، التي صارت لها تداعيات يتصل الأغلب فيها بوجود السوريين وحقوقهم الأساسية، وبقدرات تركيا على توفير ذلك بمساعدة جدية من الأمم المتحدة، وليس بعيدًا عنها، كما هو الوضع حاليًا، كما يتطلب الأمر تدخلاً من بلدان العالم، والكبرى منها، لا سيما دول أوروبا المحتارة في موضوع اللاجئين، مما يفرض تدخلاً في مستويين؛ أولهما إسعافي يتعلق بمساعدة اللاجئين، والثاني بالعمل على وقف خروج السوريين من بلدهم، وهذا لن يكون من دون وقف حرب النظام وحلفائه، ووقف إرهاب المتطرفين، وإيجاد حل سياسي يأخذ السوريين إلى نظام جديد، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس