حسين بسلي - صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس
نتحدث اليوم عن احتلال العراق، والتطورات في مصر، وتعقديات المشهد في سوريا، فالقضية الفلسطينية، ثم داعش، ومجزرة سوروج، وأنقرة ولبنان، وأخيرا مجازر باريس، وفي نفس الوقت نستخدم مصطلحات، كافر ومرتد وحنفي وشيعي وسلفي، فهل يكرر التاريخ نفسه؟
في بداية الألفية الأولى، كان الإسلام قد بنى حضارة ضخمة جدا على مدار 400 عام، وكانت الفتوحات الإسلامية تسير بوتيرة سريعة، وجغرافية الدولة الإسلامية كانت من الهند حتى المحيط الأطلسي، ومن اليمن حتى جبال البلقان، ورافقت ذلك ثورة علمية وسياسية وأدبية وفنية وحضارية وفلسفية ومعمارية، فكان هناك تطورات هائلة في كل مجالات الحياة.
بعدها وصلت الأمور نقطة الإشباع، ودخلت الدولة الإسلامية في مرحلة ركود، وهذا ما كان يحصل في تاريخ كل الحضارات، وهو مرحلة "ركود" بعد نهضة واسعة، تحدث فيه النزاعات والانقسامات والتمزق والحروب، ومع بداية الألفية الأولى كان الخليفة العباسي يحكم من بغداد، وكان بمثابة القائد للدولة الإسلامية، لكنه لم يكن يحكمها جميعا، لأنّ تلك الفترة كانت تعيش فيها الدولة الإسلامية، انقساما سياسيا وجغرافيا، ووجدانيا وذهنيا، ومعلوماتيا ودينيا.
وحينها تقلصت الحدود الجغرافية للحضارة الإسلامية، واستغلت قوى استعمارية وجود نزاعات أهلية داخلية، واحتلت أجزاء من الدولة الإسلامية، وبدأ التمزق الجغرافي، وأصحبت معظم المدن تعتبر نفسها دولة لوحدها، وانقسام السياسة كان يعني بالضرورة تدهور العدالة، وكان هناك نزاع بين المدارس الدينية والمذاهب الدينية، حتى إنهم استهدفوا حياة بعضهم البعض.
وتمزق الحياة السياسية والفكرية، يؤدي إلى تمزق وتفرق الحياة في كل تفاصيلها، وهذا يغذي زيادة التعصب للمذهب والفكر والقومية، وبعدها أصبح هناك دولة فاطمية جعلت من القاهرة عاصمة لها، واحتل الصليبيون القدس، وبدأت الحملات الصليبية تنطلق من فاتيكان روما نحو أراضي الدولة الإسلامية، منطلقين تحت شعار "إن الحكم إلا لله".
وفي خضم تلك التطورات، تدخل السلجوقيون في هذه المعمعة، وأنشأوا دولة مركزية قائمة على الوحدة السياسية، وكان لهذه الوحدة السياسية انعكاسات إيجابية على حياة الناس، من حيث نشر العدل والطمأنينة، وبعد توحيد الأرض والسياسية، بدأت جهودهم تنصب نحو توحيد اللغة، والوجدان والفكر، وقد نجحوا في ذلك، ووصلوا إلى قمة النجاحات عندما حرر صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس واسترجعها من يد الغزاة الصليبيين، وقضى على الدولة الفاطمية في مصر.
وقد استمرت بعد ذلك هذه الحضارة الإسلامية ما يقارب 1000 عام دون أي تمزق ولا تراجع ولا نزاعات، لكن بعد ذلك، رجع العالم الإسلامي مجددا إلى ما كان عليه الوضع قبل 1000 عام.
اليوم، لم يتبقّ أي أثر على وحدة سياسية في العالم الإسلامي، وجغرافيا الدولة الإسلامية ممزقة ومشتتة، وتقريبا كل مدينة من المدن الرئيسية شكلت دولة لوحدها، وتجمد النشاط العقلي والفكري، وتبخرت العدالة، وكل حزب ومذهب وعرق منشغل بإشعال فتنة وحرب مع المذاهب الأخرى، واستغلت قوى الاستعمار هذه الحروب الأهلية واحتلت أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي.
القدس اليوم محتلة، ويتدخل الغريب والأجنبي في كل جزئيات الحياة في العالم الإسلامي، وتبدلت أسماء أمس، وتكررت اليوم، وأصحبنا نتداول الحديث عن بغداد ودمشق والقاهرة، وقونية أصبحت أنقرة، وشرق روما أصبح إسطنبول، وغرب روما نتحدث عن باريس.
لا أعلم إذا كان التاريخ اليوم يكرر نفسه، ليبدأ أحفاد السلجوقيين بإنشاء دولة موحدة جغرافيا وسياسيا وفكريا، وهل لذلك أنْ ينتج صلاح دين أيوبي جديد؟ إذا شاء الله لنا سنعيش ونرى ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس