أكرم كيزيلتاش - صحيفة تقويم - ترجمة وتحرير ترك برس
بعد المجازر والدماء المسفوكة في الحرب العالمية الأولى والثانية بين الدول الأوروبية على أرضها بدوافع وأسباب مختلفة نراهم اليوم وقد قرروا حل مشاكلهم وخوض حروبهم على أراضي غيرهم. فهل يوجد قرار للبيض بعدم خوض معاركهم على أراضيهم؟ أم أنه يكفي أن يصنعوا أسلحة تلك المعارك في بلادهم؟ لا أحد يعلم ذلك يقينا، لكن ما نعلمه هو أنهم يتصرفون على هذا النحو بكل وضوح بعد الحرب العالمية الثانية، فالدول الإمبريالية تصفي حساباتها بشكل مباشر أو غير مباشر في مناطق سيطرتها خارج حدود الوطن الأم. وكما يقول المثل "تسحق الفيلة الأعشاب وهي ماضية في طريقها" فهم حرضوا الشعب السوري على استخدام السلاح ضد دكتاتورهم من أجل تحصيل حريتهم.
لو أردنا أن نعدّ أجندات وحسابات الدول التي تتدخل في سوريا مثل روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي وأمريكا لما أحصيناها من كثرها، ومن أجل تصفية حساباتهم يكون الشعب السوري هو الثمن. وكما يسحق الفيل الأعشاب وهو يسير فإن الضحايا التي تسقط في سوريا والعراق وفلسطين وتركيا لا حساب ولا وزن لها في حسابات الدول الغربية التي لا تحتمل رؤية قتيل بين صفوفها، فإذا كان المواطن الغربي له تقديره وثمنه العادي فالبشر في منطقة الصراع أصبحوا أدنى من ذلك.
نعلم أن قتل 132 فرنسي في هجمات باريس الأخيرة حدث مؤلم، لكن ماذا نقول للقتلى العراقيين والسوريين والفلسطينيين وغيرهم كثير في مناطق الصراع؟ فهم أيضا أرواح! لا يجوز تفسير تعود الناس على القتل في مناطق الصراع بأنه حدث يومي، لأن معظم المغدورين والضحايا هم من الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين.
وما يزيد الطين بلة هو عدم معرفتهم أو حتى عدم إدراكهم لأسباب كل هذه الحروب. ولو تركنا كل هذا ونظرنا إلى من يحمل أوزار هذه الحرب لوجدنا أن معظم من يحملها هو تركيا ولبنان والأردن، ولوجدنا أيضا أن الموقف الأوروبي تجاه هذه الأزمات غريب ومثير للاستهجان. ورأينا كذلك الحدث غير المسبوق في موت من يحاول بالأمل أن يصل إلى أوروبا في عرض البحر، بينما الدول الأوروبية هي المتسببة بخروجهم بشكل مباشر عبر تصفية حساباتها بين بعضها البعض أو بشكل غير مباشر عبر المنظمات الإرهابية التي كانت قد انتجتها وما زالت تُغذّيهم.
الحزن على أرواح موتى باريس شيء عادي، لكن الذي غير ذلك هو قولهم بأنه لا حاجة لأن تحزن على من مات مدافعا عن أرضه وحرّيته أو من فقد حياته وهو يعبر غمار البحار. فمن مات في باريس هو مثل من يموت في العراق وسوريا وفلسطين وتركيا والمياه الباردة في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه، لهذا يجب أن يتم نعيهم جميعا مثل بعضهم، كما ويجب أن نولول من أجلهم كلهم، فلا يجوز أن تختلف الأرواح باختلاف الجغرافيا. ومهما كانوا حذرين فإن النيران قد وصلتهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس