ولاء خضير - خاص ترك برس
كنتُ في محيط منطقة "جامعة غازي" في العاصمة التركية أنقرة، وصادف يومها زيارة رئيس الوزراء التركي "داود أوغلو"، أدى خلالها صلاة الجُمّعة، وتوجه إلى مدرسة إمام خطيب الدينيّة، للاطلاع على أوضاعها.
ليس الغريب هو زيارة مسؤول، وصاحب منصب للمدرسة، الغريب هنا، أنه وفي أكثر المدارس شُهرة وقُوة تعليم في تركيا، وهي مدارس الإمام خطيب الدينية، التي تَخّرج منها العديد من القيادات، وأعضاء حزب العدالة والتنمية، هي ببساطة مدارس "مُختلطة"!.
هو ذات الأمر، بأن عقيلة رئيس البلاد رجب طيب أردوغان، وخلال عقد مؤتمر قمة العشرين في انطاليا، صافحت زعماء العالم، واستضافتهم بجوار "زوجها"، تبسمّت كثيرًا، وشاركت الحدث لحظة بلحظة، وظهرت بكامل حشمتها، وأناقتها، وجمالها، وباهى بها رئيس البلاد، ويصحبها أينما حلّ وذهب!.
تركيا التي كرست نموذجًا رائعًا في حقيقة معنى الإسلام المعتدل، بعد أن عاشت سنوات عجاف في ظلمة خنق الإسلام، وإقصائه قبل سنوات عديدة، حتى اضّطُر خلالها الرئيس "أردوغان"، لإرسال ابنته لتتلقى تعليمها في الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تفادي خلع حجابها، والتصادم مع قوانين المؤسسة العلمانية آنذاك، بمنع الحجاب في الأماكن العامة، ورغم ذلك أصرت زوجته أيضا على ارتداء الحجاب، رغم كل ألوان الهجوم التي تعرضت لها.
ثم جاء "أردوغان"، ممثلًا بحزبه حزب العدالة والتنمية، ليعيد للإسلام شأنه ومكانته دون أي انعزال أو تخلف أو معاداة، بل بالعكس، بات نموذجا للعمل والإصلاح والتطور، ليس في تركيا بحسب، بل في العالم أجمع.
من يعايش الأتراك يدرك تماما معنى الالتزام الديني الذي في قلوبهم، هم متعطشون للدين أكثر من أي وقت مضى، وبما يتصفون به من أخلاق الإسلام من حسن المعاملة، وروابط الإنسانية والأخوة، وعدم احتقار، أو إهانة الآخر، لمجرد اختلافه عنك!.
"إلهي.. أصواتنا مبحوحة.. لا تترك مساجدنا من دون آذان..
إلهي نادي لنا النحل، لتصنع لنا العسل.. أو لا تحرمنا من الخلايا..
إلهي لا تترك مآذننا من دون نور.. ولا تترك سماءنا من دون نجوم..
إلهي لا تترك وطني المسلم دون مسلمين.. إلهي امنحنا قوة..
إلهي لا تترك ميادين الجهاد بلا فرسان منا.. إلهي لا تترك الحشود التي تنتظر بطلًا من دون أبطال..
إلهي علّمنا كيف نقاوم العدو ونوقفه عند حدّه، لا تتركنا دون روح.. إلهي لا تبعثر لنا الجموع التي بقيت وحيدة.. أو لا تحرمها راعيها يا إلهي..
إلهي لا تتركنا دون حب وماء وهواء ووطن.. لا تترك وطني المسلم دون المسلمين يا الهي".
تلك هي كلمات قصيدةٍ، ألقتها فتاة ألبانية من طلبة مدرسة (إيشكودرا) أمام الرئيس أردوغان، خلال افتتاح مسجد "كاليه إتشي"، في العاصمة الألبانية تيرانا، والتي تأثر بها الرئيس التركي، وجعلته يبكي امام الحشود، وهي ذات القصيدة التي ألقاها بنفسه أمام 2 مليون من أنصاره في إسطنبول، قبيل الانتخابات المحلية في عام 2014.
ورأينا كثيرا أحداث أبكت الرئيس أردوغان، لها دلالة أكبر من أن تكون مجرد عاطفة، الزعيم الذي يقف كالجبال أمام أعدائه ومناصريه على حد سواء، يبكيه موقف وكلمة، لا لشيء إلا لشعوره بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، كونه يحمل لواء الأمة والإسلام، بعد أن تخلى عنها الكثيرون.
وتعرض أردوغان لحملات شرسة، تناولت شخصه وعائلته، حين أغلق نوادي القمار، ومنع مهرجان الخمر الذي تنطمة مدينة "أضنة" التركية كل عام، فالجمهورية التركية لا تمنع شرب الخمر، ولكنها دولة إسلامية لا يمكن أن تقوم بالدعاية، والتشويق إليه.
كما أكثر أردوغان من بناء الجوامع والاهتمام بها، حتى باتت تركيا تعرف باسم بلاد المساجد، وخرج ونادى بالحشود: "كل ما أفعله لأجلكم، لا أريدكم ان تسقطوا بالمستنقع، أريد منكم عمل وجهد وحياة كريمة".
أردوغان الذي استخدم حنكة وذكاء سياسي، وسط محيط متلاطم من العلمانية، المنغرسة في كل المؤسسات المدنية والعسكرية في تركيا، عدا عن أنه ورث تركة علمانية ثقيلة، وتبعية مقيتة للغرب، لكنه أثبت أن المعاداة والتصادم المستمر هو سبب لانعزال الإسلام، فقرر خوض غمار اللعبة السياسية، بأسلحة متينة، كان أبرزها الإيمان الحقيقي، والأخلاق، والإنسانية.
تلك الأسباب مُجتمعة، تؤكد لك، أن تركيا لن يخرج منها ما يسمى بـ"الجماعات الإسلامية المتطرفة"، لن يخرج منها متعصب لقومية، أو لمذهب، أو لعرق، أو لدين، أو لحزب على حساب حزب آخر، علم تركيا فقط هو من يرفع في المنازل، والمؤسسات، والمراكز وكل مكان.
أثبتت تركيا أنها نموذج عالمي لدولة متطورة في مساراتها السياسية، والاقتصادية، والسياحية، مزجت العلم، والإسلام في عقل مواطنيها، وبذلك استطاعت أن تكون دولة ديمقراطية متطورة، دون أن تلغي هويتها الإسلامية، وكانت سببا في أن الأمة الإسلامية بأجمعها الآن، تعقد النية على أن تركيا القادمة، هي حاميّة المشروع الإسلامي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس