ترك برس
في ظل التوترات التي تشهدها العلاقات بين روسيا وتركيا، على خلفية إسقاط الأخيرة مقاتلة روسية حربية من طراز "سوخوي24"، نهاية الشهر الماضي، تُكثّف أنقرة من جهودها للتوجه إلى مصادر "بديلة وموثوقة" في مجال الطاقة، وفي إطار ذلك، توصلت الحكومة التركية إلى اتفاق مع أذربيجان "الشقيقة"، من أجل إنجاز مشروع "تاناب" (خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول، والذي ينقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر تركيا)، قبل عام 2018 وهو التاريخ المحدد للانتهاء من المشروع.
واعتبر رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس أذربيجان، إلهام علييف، على هامش زيارته للعاصمة الأذرية باكو يوم الخميس الماضي، أن "نمو أذربيجان هو من نمو تركيا والعكس صحيح"، مبينًا أن "البلدين يمتلكان الإرادة من أجل القيام بكل شيء مطلوب من أجل رفع التبادل التجاري الحالي والبالغ 5 مليارات دولار أمريكي بين البلدين إلى 15 مليار دولار"، ومضيفًا أنه "سيتم القيام بما يترتب من أجل مشروع تاناب داخل الحدود التركية والأمر ذاته ساري على أذربيجان، وسنعمل ليل نهار لانجازه".
بدوره قال الرئيس الأذري إلهام علييف، إن أعمال إنجاز مشروع خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي من بلاده إلى أوروبا عبر تركيا، المسمى (مشروع تاناب)، "جارية على قدم وساق، ونسعى للانتهاء من المشروع قبل 2018"، مشيرًا إلى أهمية المشاريع المشتركة بين بلاده وتركيا، في مجالي الطاقة والمواصلات، وأن "أذربيجان دولة غنية بحقول الغاز الطبيعي، ويبلغ احتياطي الغاز لدينا 2,6 تريليون متر مكعب، وتركيا تقع في موقع الطريق الأول لتصدير غازنا، ومن ثم نقله إلى أوروبا عن طريق أراضيها (تركيا)".
الكاتب والصحفي التركي، إسماعيل ياشا، قال في تصريحات لصحيفة ديلي صباح، إن "العلاقات التركية الأذربيجانية متجذرة ولذلك دائمًا نقول "نحن دولتان وشعب واحد"، وقد اكتسبت العلاقات بين الدولتين أهمية أخرى بعد تفجر الأزمة بين أنقرة وموسكو. وجاءت زيارة داود أوغلو لباكو في ظل هذه الأزمة"، لافتًا أن "تركيا تبحث اليوم عن بدائل أخرى للغاز الروسي، وآذربيجان أحدى تلك البدائل".
من جانبه، قال الباحث المتخصص في الشؤون التركية، علي باكير، في حديث لصحيفة ديلي صباح، إن توقيت الزيارة التي أجراها داود أوغلو إلى أذربيجان، مهم جدًا على ضوء التصعيد الروسي ضد تركيا مؤخرا والتهديد باستخدام كل الاوراق بما في ذلك ورقة الغاز.
وأضاف علي باكير، أن "روسيا تؤمن عبر شركة غاز بروم حوالي 57% من واردات تركيا من الغاز وهذه نسبة كبيرة جدا خاصة إذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن معظم الغاز التركي المستورد إنما يأتي من دولتين هما روسيا وإيران بنسبة حوالي 75 %، ورغم جهود تنويع مصادر الطاقة خلال السنوات الماضية، لم يحصل تقدم كبير، ولذلك تأتي الآن فرصة مهمة في زيارة تنويع مصادر الطاقة من الخارج والتحرر من الانعتاق الروسي من خلال زيارة رئيس الجمهورية أردوغان إلى الدوحة مؤخرا وزيارة رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إلى أذربيجان".
وأردف باكير قائلًا: "كما تعلمون قطر تمتلك ثالث أكبر احتياطي من الغاز في العالم، وهي أكبر مصدّر للغاز المسال (LNG) في العالم أيضا، وأذربيجان تمتلك مصادر طاقة لا يستهان بها ومن الممكن زيادة الحجم المستورد من هاتين الدولتين لتخفيف الاعتماد على روسيا، بالإضافة إلى دول أخرى مثل الجزائر ونيجيريا".
ويهدف مشروع " تاناب" لنقل الغاز الآذري إلى أوروبا، إلى نقل حوالي 16 مليار متر مكعب من الغاز الأذري (10 مليار متر مكعب إلى أوروبا، و6 مليار متر مكعب إلى تركيا)، ومن المقرر الانتهاء من تنفيذ المشروع عام 2018.
وهناك مشروع خط أنابيب البترول باكو- بيتليس- جيهان الذي يُعد من أهم المشاريع الاقتصادية في آذربيجان حيث يتم تصدير البترول الأذري لأوروبا عن طريق ميناء جيهان بتركيا، وتبلغ الطاقة الاستيعابية لخط الأنابيب حوالي 50 مليون طن سنويًا.
وفي سياق متصل، وقعت كل من شركة خطوط أنابيب نقل البترول التركية (بوتاش)، وشركة النفط الوطنية القطرية، مذكرة تفاهم أولية لاستيراد تركيا الغاز الطبيعي المسال من قطر على المدى الطويل وبشكل منتظم، وذلك في اليوم الثاني من زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الدوحة الأسبوع الماضي.
وبدأ الجانبان بالإعداد من أجل تشكيل أرضية للاتفاق الأساسي، حيث من المنتظر أن يتم التوقيع على الاتفاق الذي يحتوي على تفاصيل مدة الاتفاق وكمية الغاز الطبيعي المسال المزمع استيراده من قطر، خلال وقت قريب.
وكان تقرير صدر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، قال إن الأهمية الاستراتيجية لموقع تركيا تزداد، من حيث نقل البترول والغاز القادم من روسيا، ودول الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، عبرها، وأن المعدل اليومي لكمية النفط الخام، الذي مّر خلال 2013، من مضيقي "الدردنيل والبوسفور" التركيتين بلغ 2.9 مليون برميل.
وأشار التقرير أن تركيا تستورد سنويًا بمعدل 10 مليار متر مكعب من الغاز الإيراني، عبر خط أنابيب "تبريز- أنقرة"، إلى جانب 6.6 مليار متر مكعب من أذربيجان عبر خط أنابيب "باكو - تفليس - أرضروم"، و"أن تركيا تستعد لأن تكون مركزًا رئيسيًا للغاز الطبيعي".
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فإن معدلات استخدام الطاقة بتركيا ستواصل النمو بـ 4.5 % على أساس سنوي بين عامي 2015-2030، ومن المتوقع أن يتضاعف معدل النمو خلال العقد المقبل، كما تتوقع الوكالة أن ينمو الطلب على الكهرباء بوتيرة أسرع.
ويتزايد دور تركيا في قطاع الطاقة ليس فقط لكونها سوقا رئيسية للإمدادات، وإنما أصبحت مركز لعبور إمدادات الطاقة، حيث أنها محورا رئيسيا لحركة إمدادات النفط والغاز الطبيعي من روسيا ومنطقة بحر قزوين والشرق الأوسط إلى أوروبا.
أشارت تقديرات "مجلة النفط والغاز" العام الماضي، إلى أن احتياطيات الغاز الطبيعي لدى تركيا تبلغ 241 مليار قدم مكعب، وأنتجت تركيا 22 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2012، وتعتمد بشكل حصري تقريبا على الواردات لتلبية الطلب المحلي.
وتنتج تركيا كمية صغيرة جدا من الغاز الطبيعي، ووصل إجمالي الإنتاج إلى 22 مليار قدم مكعب في عام 2012، ودخل عدد من حقول الغاز الطبيعي مرحلة الإنتاج في البحر الأسود.
وتعتمد تركيا بشكل متزايد على واردات الغاز الطبيعي بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي سنويا.
وزاد الطلب على الغاز في تركيا لأكثر من ثلاثة أمثاله منذ عام 2000 ليصل إلى نحو 47 مليار متر مكعب، ومن المتوقع أن يواصل ارتفاعه مع نمو اقتصاد البلاد وعدد سكانها. ويبلغ إجمالي إنفاق تركيا على الطاقة نحو 60 مليار دولار سنويا.
ويستخدم الغاز الطبيعي بتركيا بشكل رئيسي في قطاع الطاقة الكهربائية، وزاد استهلاك الغاز الطبيعي بسرعة على مدى العقد الماضي، فعلى الرغم من الانخفاض المؤقت في عام 2009، بلغ استهلاك الغاز الطبيعي ذروته ليتجاوز 1.6 تريليون قدم مكعب في عام 2012.
ويستخدم الغاز الطبيعي بشكل أساسي في توليد الكهرباء والتدفئة، رغم أن كميات كبيرة من الغاز الطبيعي توجه إلى قطاع الصناعة، ومن المتوقع أن يظل نمو الاستهلاك قويا بسبب تزايد استهلاك الكهرباء كما أن محطات توليد الطاقة الجديدة تواصل تحفيز الاستمرار في الطلب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!