ترك برس
عادة ما يسطر القادة الأقوياء بسلوكياتهم وأفعالهم، فكرًا عمليًا يُصبح بمثابة التجربة الناجحة التي يُقتدى بها، أو بمثابة الدرس الواعظ الذي يُحذر من الوقوع به، وتُحدد إيجابية أو سلبية هذه التجارب من خلال نتائجها التي تظهر على السطح بعد تطبيق القائد القوي لأفكاره على أرض الواقع.
يُشير الباحث السياسي محمد تازكان، الكاتب في جريدة ملييت، من خلال مقاله "البوتينية" إلى أن "هناك عددًا كبيرًا من القادة حول العالم الذين أصبحت تمثل أسمائهم تيارات فكرية شائعة مثل؛ التيار الكسنجري الذي يختص بمجال التجارب الدبلوماسية، والتيار الناصري الذي يمثل القومية العربية، وفي الفترة الأخيرة أصبح هناك التيار البوتيني الذي أصبح يتصل ويُضرب به المثل في مجال "الإدارة المزاجية" المُندفعة دون الرجوع إلى التخطيط السليم".
ويُضيف تازكان "محاولة بوتين لتضخيم الأزمة، وتطبيقه لقرارات مُتضاربة مع قوانين التجارة الدولية، وتعزيزه للعداء التركي لدى شعبه من خلال وسائل الإعلام، وتطبيقه لقرار "عرقي" يمنع المواطنين الأتراك من العمل في روسيا ويُجبرهم على ترك البلاد، وإلغاءه لتذاكر السفر المُتجهة لتركيا، وغيرها الكثير من التطبيقات "المُتهورة"و"غير المُتزنة" تصف التجربة البوتينية المُرتكزة على الإدارة المزاجية التي تستند بدورها إلى القرارات العرقية المُتهورة التي لا تستند إلى العقلانية والواقعية".
ويتابع تازكان حديثه بالقول: "نعم البوتينية أصبحت أحد أشكال الإدارة السياسية في العالم، هذه الإدارة تعني إدارة الرجل الواحد المُعتمدة على المزاجية والقرارات الفردية، هذه التجربة غيرت النظام السياسي والاقتصادي، في روسيا، من خلال الاعتماد على مصادر الغاز الطبيعي والنفط فقط، وأعرضت عن إحداث تقدم هيكلي نوعي في الاقتصاد الروسي الذي كان يمكن أن يعتمد على عدة مجالات أخرى".
ويوضح الكاتب السياسي في جريدة ميلييت، علي نهاد أوزجان، في مقاله "الدعاية السوداء، إرث روسيا من سلفها "الاتحاد السوفييتي"، أنه "لو حدثت أزمة مماثلة بين تركيا وأي دولة أخرى، لتصرفت الدولة المُسقطة طائرتها بكل عقلانية وطالب بإجراء تحقيق موضوعي، ولكن بما أن روسيا يحكمها رجل مُتفرد بالإدارة المزاجية، لم تقم بطلب ذلك بل اتجهت إلى التصعيد في التوتر، ففرضت التأشيرة على المواطنين الأتراك وشددت الرقابة الجمركية على الصادرات التركية واستعانت بالدعاية السوداء لتشويه صورة تركيا أمام العالم ولعزلها عن الساحة السورية بشكل خاص".
ويضيف أوزجان "هذا ما تؤول إليه التطورات على الساحة، في حين كان صناع القرار متفردين به، ويحتكمون إلى مزاجهم ومشاعرهم الشخصية عوضًا عن الاستعانة بالعقلانية والواقعية، بوتين بإدراته المزاجية سيزيد من خسارته خسارة وسيعود بروسيا إلى فترة التسعينات حيث الفساد والفقر المدقع والأزمات المتعدد والمتنوعة".
ويرى الباحث السياسي غوناري جفا أوغلو، في مقاله "لاعبو الشطرنج والكرملين" الذي نُشر في صحيفة "ملييت"، أن "بوتين نقل روسيا نقلة نوعية، حيث كانت روسيا، في فترة التسعينات، دولة ضعيفة ووصل الحد بها إلى درجة الوقوف على شفا السقوط في حفرة "الدول الفاشلة"، ولكن بوتين أخذ بيدها وأبعدها من السقوط في تلك الحفرة، إلا أن بوتين حينما أبعد روسيا عن حفرة السقوط، جعلها دولة تعتمد في اقتصادها على الغاز الطبيعي والنفط فقط، وأرجعها إلى سنوات "الديكتاتورية" أو"الإدارة الفردية" التي كانت خاضعة لها في فترة حكم الاتحاد السوفييتي".
ويُدغم جفا أوغلو بالقول "أصبح النموذج بوتين مثال واضح للإدارة المزاجية التي ستكون درس يُدرس في مجال العلوم السياسية، لتحذير طلاب المجال من مغبة السقوط في بوتقة الإدارة المزاجية التي تُلقي بهم في مهاوي السقوط الموجعة".
ويؤكد جفا أوغلو أن "الإدارة المؤسسية أثبتت منذ قديم الزمان نجاحها ونجاعتها، واليوم الإدارة الأمريكية، وإن كنا نعارض خط سيرها في بعض القضايا، إلا أن إدارتها السياسية تُعتبر من أنجح الإدارة المؤسسية، لأن الرئيس الأمريكي لا يستطيع اتخاذ أي قرار دون عرضه على الكونجرس "المنتخب ديمقراطيا ً" والمحكمة العليا لإعادة معاينة عقلانية ونجاعة القرار، وبشكل عام الإدارة المؤسسية البرلمانية المُعتمدة على السبل الديمقراطية تسطر نجاحات ملموسة أكبر مقارنة بالإدارة الفردية التي تعتمد على مزاج الشخص الواحد".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!