محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
أنونيسيا دولة تقع في جنوب شرق آسيا تضم 17508 جزر. ويبلغ عدد سكانها حوالي 240 مليون شخص، وهذه هي رابع دولة من حيث عدد السكان، وأكبر عدد سكان في العالم من المسلمين. عاصمة البلاد جاكرتا. يشترك البلد بحدود برية مع بابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وماليزيا. وتشمل الدول القريبة الأخرى سنغافورة والفلبين وأستراليا والأراضي الهندية من جزر أندامان ونيكوبار.
تدهور اقتصاد إندونيسيا بشكل كبير في ستينات القرن العشرين نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والحكومة والشابة الفاقدة للخبرة، وتأميم الاقتصاد، مما أدى إلى الفقر المدقع والجوع. عندما سقط سوكارنو في منتصف الستينات، كان الاقتصاد في حالة من الفوضى ومعدل تضخمه السنوي 1000٪، وتقلصت عائدات التصدير وانهارت البنية التحتية وكانت المصانع تعمل في حد قدرتها الأدنى.
بعد سقوط الرئيس سوكارنو، و بعد تولي سوهارتو السلطة عام 1968 (وهو عسكري استطاع تهميش سلطة ودكتاتورية سوكارنو بعد الاضطرابات التي واجهت البلاد وقمع الحزب الشيوعي الإندونيسي)، قام هذا الرئيس بتشجيع الاستثمارات الأجنبية في اندونيسيا والذي أدى بالفعل إلى تسارع وتيرة النمو الاقتصادي الكبير في البلد في العقود الثلاثة اللاحقة التي تلت هذا التشجيع وذا النوع من التطوير الاقتصادي قامت إدارة النظام الجديد بتوجيه سياسات اقتصادية تقشفية أدت إلى انخفاض معدلات التضخم بسرعة وأعيدت جدولة الديون الخارجية وجذبت المساعدات والاستثمارات الخارجية. كانت إندونيسيا وحتى وقت قريب العضو الوحيد في جنوب شرق آسيا في منظمة أوبك، وكان لأسعار النفط في فترة السبعينات الأثر في تقديم مكاسب كبيرة من عائدات التصدير التي ساهمت في متواصل ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي بمعدل سنوي يزيد على 7٪ للفترة من 1968 حتى 1981.
وبعد مزيد من الإصلاحات في أواخر الثمانينات تدفقت الاستثمارات الأجنبية إلى إندونيسيا، لا سيما في قطاع الصناعات التحويلية المخصة للتصدير التي شهدت نموًا سريعًا، وللفترة من عام 1989 حتى عام 1997 والاقتصاد الإندونيسي نما بمعدل يزيد على 7%. إلا أن الأزمة المالية التي عصفت في آسيا وكانت إندونيسيا البلد الأكثر تضررًا من الأزمة المالية الآسيوية عام 1997. وقد أدى السخط الشعبي المتزايد من النظام الجديد إلى احتجاجات شعبية في جميع أنحاء البلاد. فاستقال سوهارتو في أيار/ مايو 1998، وفي عام 1999، صوت التيموريون الشرقيون لصالح الانفصال عن إندونيسيا بعد حكم عسكري دام 25 عامًا وإدانة دولية لقمع أبناء تيمور الشرقية، بعد استقالة سوهارتو، عززت العمليات الديمقراطية وبرامج الحكم الذاتي الإقليمي، وأجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في عام 2004. فانخفضت حالات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاضطراب الاجتماعي والفساد والإرهاب.
الأهمية الاقتصادية والسياسية لإندونيسيا ودول الآسيان بالنسبة إلى الصين
جاءالإعلان المشترك لرؤساء دول وحكومات الآسيان والصين حول الشراكة الاستراتيجية للسلام والرخاء في اجتماع القمة السابع للآسيان في تشرين الأول/ أكتوبر 2003 في بالي بإندونيسيا. وأعقب ذلك تبني خطط العمل الخمسية 2005-2010 لتنفيذ هذا الإعلان في الاجتماع الثامن للقمة الآسيانية- الصينية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 في لاوس من أجل توسيع وتعميق علاقات الحوار بطريقة شاملة تحقق المصالح المتبادلة، وتطور الشراكة الاستراتيجية من أجل السلام والتنمية والرخاء. واتفق الجانبان علي التعاون في 11 مجالا تشمل الطاقة، والنقل، والثقافة، والصحة العامة، والسياحة، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، والاستثمارات المتبادلة بتطوير الموارد البشرية، والبيئة، يدفع مجالات الجانبين إلى مستوى علاقات الشراكة الاستراتيجية المتسارعة. وفي هذه الفترة القصيرة، أصبحت الصين والآسيان يرتبطان بعدد من المواثيق المهمة في المجالين السياسي والأمني، أما في المجال الاقتصادي فقد صدرت عدة اتفاقيات نذكر منها مايهم بحثنا:
- إنشاء منطقة التجارة الحرة في نوفمبر عام 2002 بصورة تدريجية وتحقق ذلك للأعضاء جميعا في عام 2015 (إن زيارة الطيب أردوغان جاءت بعد أن استوفت اتفاقية إنشاء المنطقة الحرة وشملت الأعضاء العشرة المنتمين إلى المنظمة).
- عقد اتفاقية التجارة في الخدمات في كانون الثاني/ يناير عام 2007.
- توقيع اتفاقية الاستثمار في آب/ أغسطس 2009.
ولتقوية التعاون الاقتصادي بين الجانبين، أعلنت الصين عن إنشاء صندوق استثمار بقيمة 10 مليارات دولار يختص بمشروعات التعاون الاستثماري في مجالات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والموارد البشرية. وتتواصل مشاورات الجانبين لعقد مذكرات تفاهم حول إنشاء المركز الصيني- الآسياني والتعاون في مجال الملكية الفكرية والقيود الفنية علي التجارة. وفي 2008، بلغ حجم التجارة بين الجانبين 192.5 مليار دولار، بينما كان 59.6 مليار دولار فقط في 2003، بما يجعل الصين الشريك التجاري الثالث للآسيان في 2009 بإجمالي 11.3% من إجمالي تجارة الآسيان. وإضافة إلي ما سبق ذكره من وثائق، فقد وقع الجانبان العديد من مذكرات التفاهم التي تغطي مجالات الصحة، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والنقل، والثقافة، والإعلام، والشباب، والعلوم والتكنولوجي.
(سبقت زيارة الطيب أردوغان إلى إندونيسيا زيارته إلى الصين لعدة عوامل، منها أن الصين شريك استراتيجي لدول الآسيان حيث بلغت حجم التجارة بين الصين ودول الآسيان أكثر 192 مليار عام 2009، وكما نوهنا لذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار أن التجارة الحرة التي تم الاتفاق عليها بينهما -الصين ودول الآسيان -لم تكن تشمل جميع الدول الأعضاء لدول الآسيان في عام 2009، إضافة إلى ذلك ولتنوع الاتفاقيات الصينية مع هذه الدول وأهميتها ولاستفادة دول الآسيان وحاجتها لهذه الاتفاقيات ومع إدراك هذه الدول أن ليس للصين مصالح تعلو المصلحة الاقتصادية وهي تريد البقاء والاستمرار كثاني أكبر اقتصاد في العالم، لذا فإن سبق الزيارة إلى الصين فتح الباب على مصراعيه لتركيا في حالة طلبه إقامة نوع من أنواع التفاهم مع دول الآسيان وخصوصا بعد إبرام الطيب أردوغان اتفاقيات تجارية استراتيجية ضخمة مع الصين.
أما الصين فمن ناحيتها تعتبر إقامة أية علاقات متطورة مع تركيا مكسبا إضافيا لها لأن بإمكان البضاعة الصينية إذا ماوصلت إلى تركيا فستجد لها سوقًا لنحو مليار وستمئة مليون مستهلك، وبالطبع هذه المرة عبر البوابة التركية لأن تركيا تلتزم بالمقاييس الدولية للجودة فهذا يعني دخول البضاعة الصينية التنافس من جديد وخصوصا في الأسواق العربية، بعدما كسدت بضاعتها في هذه الدول بسبب جشع التجار العرب وعدم الاهتمام الصيني الجدي لسمعة بضائعها في الأسواق العربية حتى أصبحت هذه البضائع تصنف كدرجة ثالثة وفي أحسن الأحوال كدرجة ثانية.
لكن إندونيسيا لوحدها واجهت صعوبات كثيرة في تحريك دول آسيان نحو تحقيق الكثير من الأهداف التي طرحتها- لا سيما بعد توسع آسيان وضمها عشر دول- في مجال التكامل الاقتصادي وتوحيد الموقف تجاه بحر الصين الجنوبي، مع أنها تحقق الكثير مما طمحت إليه جاكرتا من خلال آسيان، وما زالت تسعى لأن تجعل الآسيان دورًا أكبر في تحقيق البنية الأمنية الإقليمية، وهذا مطمح أمريكي وغربي ترغب في إقامته حتى لا تقع هذه الدول في ظل النفوذ الصيني، وكذلك لإعطاء هذه الدول حالة من الاستقرارية الأمنية حتى لا تكون بؤرة للنزاعات ومدار عدم الاستقرار خوفا من تدخلات صينية. وأن تتحقق حالة من التضامن السياسي والعلاقات الاستراتيجية بين الأعضاء.
لكن جاكرتا طالما بدت أكثر طموحًا من كل دول الآسيان فالحسابات الذاتية لكل دولة من الدول تكون لها الأولوية في أية تفاهمات إقليمية؛ وهذا ما يطرح تساؤلات أمام الدبلوماسيين الإندونيسيين حول ضرورة الاهتمام بدول ما وراء آسيان في المستقبل القادم.
جاكارتا الان بحاجة ملحة إلى تقوية علاقاتها مع دول ومنتديات أخرى خارج اسيان وذلك لأهداف اقتصادية وسياسية وحتى أمنية وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1- بروز وصعود واضح دول مثل كوريا الجنوبية والهند.
2- الخوف من توجه انفصالي في شرق إندونيسيا يجعلها بحاجة إلى تقوية علاقاتها مع منتدى جزر المحيط الهادي.
3- عدم وضوح الموقف الأسترالي من إندونيسيا والذي يضفي عليها طابع السلبية في أغلب الأحيان.
4- ورغم ما يعانيه البعض من دول الآسيان من تردي الأوضاع الاجتماعية فإن التحاق دول مثل غينيا الجديدة وسيريلانكا في المستقبل (وحسب ماتتداوله وسائل الإعلام) مما يعني مزيدا من العبء الاقتصادي لهذه الدول.
(وإذا استمرت اندونيسيا بالنمو اقتصادي وإذا أبدت اهتمامًا خاصًا بالتنمية بخطوات جريئة، فإنها يمكن أن تحقق الكثير من طموحاتها في السنين العشرة القادمة، وعليه فإن إندونيسيا يجب أن تتطلع إلى فتح أسواق جديدة وواسعة تستوعب قدراتها الإنتاجية الهائلة والتي تفيض ولا تستوعبها أسواق دول الآسيان).
ومن جانب آخر ومهم أن ما يشغل تفكير الاقتصاديين والسياسين في جاكارتا هو طموحهم غير المحدود لخلق كادر صناعي تكنلوجي متطور خلاق لطبقة واسعة من العاملين في إندونيسيا قادر على المبادرة والابتكار بغية التخلص من هيمنة العلماء اليابانيين والكوريين.
ولهذا نرى أن من أحد أسباب استعداد جاكارتا لإقامة علاقات طموحة واستراتيجية مع تركيا هو لطموحهم في الاستفادة من مجالات التدريب الفني العالي والتي تقدمها تركيا المتقدمة في هذا المجال، وخصوصا بعدما رأت وغيرها من الدول مستوى الكفاءة العلمية التركية وخير مثال قريب هو التعاون التركي السعودي في مجالات التكنولوجيا الجوية العسكرية.
وإندونيسيا هي أحد الأعضاء المؤسسين للآسيان وعضو في مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية. الاقتصاد الإندونيسي هو الثامن العشر عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي والخامس عشر من حيث القوة الشرائية. ولذلك فإن جاكرتا ماضية في توسيع أفقها الدبلوماسي والاقتصادي نحو المزيد من الاتفاقات المبرمة موسعة بذلك من الأسواق للمنتجات المحلية.
خطوة الطيب اردوغان التاريخية
جاء طلب الطيب أردوغان من الرئيس الإندونيسي وهم الذين كانوا أحد المؤسسين لمنظمة الآسيان بمثابة سحب البساط من تحت قدم الرئيس الإندونيسي، ليستعجل في طرح توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا خلال العام الجاري. فالرئيس أردوغان يدرك جيدا أن إندونيسيا هي التي دعت وطرحت فكرة خروج دول الآسيان من نطاق منطقتهم والتوجه إلى توسيع علاقاتهم مع دول تملك مقومات الدول القوية ولا تؤدي إقامة العلاقات معها استفزازا لأي من الدول الإقليمية أو الغربية أو الصين، ولهذا كان الترحيب الواسع لتركيا من قبل جاكارتا وغيرها من دول الآسيان.
إن الموقف الإندونيسي من إقامة علاقات متميزة واستراتيجية مع تركيا لهو دليل واضح على قوة القرار التركي السياسي الثابت وكذلك قوة ومتانة اقتصادها والعلاقات الواسعة لتركيا مع المنتديات الاقتصادية الإقليمية والتي تؤمن أكثر من مليار وستمائة مستهلك، إضافة إلى الموقع الجغرافي المتميز لتركيا.
وبكل الأحوال وأدراكا من جاكارتا بأن العلاقة مع دول الآسيان تمر بكثير من المعوقات وخصوصا وأنها قد خاضت تجربة رفع التعريفية الجمركية بين الدول الأعضاء والتي استمرت سنين طويلة حتى تحققت مع دول الآسيان العشر، ولهذا فإن إقامة أية علاقات إندونيسية مع دول ومنها تركيا على سبيل المثال هي بمثابة هروب إلى الأمام للتخلص من الرتابة السائدة في اتخاذ القرارات المصيرية داخل المنظمة.
وأخيرا فإني أرى أن أية علاقات اقتصادية تركية مع جاكارتا لوحدها لا تقل أهمية عن قيام علاقات مع دول الآسيان وحتى تتوضح السمة السائدة للمنظمة في حالة قبولها لأعضاء جدد. أو إقامة علاقات جديدة مجتمعة مع اليابان أو الاتحاد الأوروبي.
المصادر
1- علي عواد الشرعة، الآسيان وتجربة التعاون الإقليمي، مجلة إنسانيات العدد السادس.
2- رشيد احمايمي، الآسيان قطب اقتصادي متطور، جامعة عمان كلية الاقتصاد.
3- خالفي علي، رميدي عبدالوهاب، رابطة دول الآسيان، مجلة اقتصاديات جامعة الجزائر 2003.
4- مصطفى قصباوي، دول الآسيان قطب اقتصادي متطور، موقع الشامل الإلكتروني.
5- مدحت أيوب، الآسيان بين بكين وواشنطن، دراسات الجزيرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس