د. إدريس ربوح - خاص ترك برس
وعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بكتابة دستور توافقي للجمهورية الجزائرية إلا أن التوافق كان الغائب الأبرز في رحلة صياغة الدستور بدءا بمشاورات عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة وصولا إلى أحمد اويحي مدير ديوان الرئيس المكلفين من طرف الرئيس لاستقبال الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية دون أن يكلف الرئيس نفسه استقبال رؤساء الأحزاب والمنظمات كما جرت العادة في عهد الرئيس الشادلي بن جديد حيث دأب على استقبال رؤساء الأحزاب والمنظمات ليتوجها بندوة وطنية أشرف عليها رئيس الحكومة آنذاك سيد أحمد غزالي للحوار مع الأحزاب السياسية حيث كان من بين ضيوفه عمالقة السياسة الجزائرية عبد الحميد مهري أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني وحسين ايت أحمد رئيس جبهة القوى الاشتراكية ومحفوظ نحناح رئيس حركة المجتمع الإسلامي.
وتابعت الجزائر هذا العرس الديمقراطي الذي أفضى إلى أول انتخابات تشريعية تعددية ليعيد الكرة الرئيس اليامين زروال وذلك بتشكيل لجنة من الأحزاب السياسية وممثلي عن السلطة بغرض صياغة دستور جديد للجزائر. إن إقدام بوتفليقة على هذه الطريقة في إعداد الوثيقة الأساسية للدولة ما هو إلا انتكاسة للمسار الديمقراطي الذي عاشته الجزائر بعد إقرار التعددية السياسية في دستور 1989 في عهد الشادلي بن جديد وتم تعميق ذلك في دستور 1996 في عهد اليامين زروال ولم يتم الاستفادة من هذا الرصيد السياسي كما لم يتم الاستفادة من التجارب المماثلة كتجربة تركيا والتي مرت بمرحلة سيطرة العسكر على الحياة السياسية وهيمنتها على كتابة دستور البلاد كان آخرها دستور الجنرال إفرين بعد انقلاب 1980 لتصل إلى مرحلة الديمقراطية الحقيقية والتي دشنها حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي فضل الأسلوب التوافقي في كتابة الدستور رغم سيطرته على جميع مؤسسات الدولة: البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، حيث تم تشكيل اللجنة التوافقية لكتابة الدستور الجديد بعدد متساوي من الاعضاء لكل حزب ممثل في البرلمان بغض النظر عن حجم الحزب وكتلته البرلمانية.
وكانت اللجنة الوفاقية المتساوية الاعضاء مكونة من حزب العدالة والتنمية AKP وحزب الشعب الجمهوري CHP، وحزب الحركة القومية MHP، وحزب السلم والديمقراطية BDP حيث تم الاتفاق: 1/على أن تؤخذ القرارات في المواد المختلف عليها بصورة جماعية. 2/ تم الاتفاق على أن لا تدرج أي مادة في مسودة الدستور الجديد إلا بعد التوافق بين أعضاء اللجنة الستة عشر بمعنى أن حزب الأغلبية الحاكم AKP الممثل في البرلمان بأكثر من 320 نائبا منح قوة التأثير ذاتها في اللجنة التي منحت لحزب السلم والديمقراطية الممثل بثلاثين مقعد برلمانيا. كان بإمكان حزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان رئيس الحكومة آنذاك أن يشكل لجنة تعكس الأوزان الانتخابية والبرلمانية للأحزاب أو حتى يسمي لجنة من المختصين الدستوريين لوضع مسودة للدستور يجري التصويت عليها بعد ذلك من البرلمان ولكنه اختار نهج اللجنة التوافقية من أجل وضع الدستور الجديد على قاعده الإجماع الوطني وما يعنيه ذلك من دلالات على مستوى الشرعية.
إن استعراض التجربة الجزائرية في عهدي الرئيسين الشادلي بن جديد واليامين زروال ومقارنتها بطريقة عرض المشروع التمهيدي للدستور من طرف بوتفليقة تبين حجم التراجع الكبير في المسار الديمقراطي في مجال إصدار أهم وثيقة ناظمة للحياة الديمقراطية والمكرسة للحقوق والحريات الفردية والجماعية لذا وجب على الجميع التحرك وفي مختلف المستويات: 1/ على الأحزاب السياسية المعارضة أن تتحمل مسؤولياتها وتوحد جهودها وذلك بعدم المشاركة في مسار أحادي لم يحترمها ولم يحترم مطالبها المشروعة. 2/ على القيادات الحزبية أن تكون وفية للمبادئ التي تعلنها وتصرح بها وإلا فإن المستقبل القريب لا يرحم وهو كفيل بكشف المستور في علاقات بعضها مع السلطة حيث بدأت تظهر أسرار صفقة الانتخابات التشريعية 2012 وغيرها. 3/ على المناضلين في الأحزاب السياسية المعارضة أن يتنبهوا لعمليات شراء الذمم والتزكيات والتي ستكون على حساب التوافقات الحقيقية المفضية إلى الإرادة الشعبية عبر استفتاء شعبي نريه. 4/ على النخب العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التحرك وإبداء مواقفها من مشروع دستور أحادي الأعداد من حقها وحق كل مواطن المساهمة في إعداده وإلا تحولت هي الأخرى إلى أرقام في القطيع السياسي الذي تسوقه السلطة. 5/ على كل فرد من المجتمع الجزائري أن يجعل موضوع تعديل الدستور بداية لمعركة لافتكاك حقه في المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية لأن موسم الريع انتهى والأموال التي كانت تشتري سكوتهم قد تم تبذيرها ونهبها والتوقف عن القبول بالاستركاب والاستحمار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس