محمد زاهد جول - أورينت نت
لم تكتف السياسة الروسية برفض قرارات مؤتمر المعارضة السورية المعتدلة الذي تبنته السعودية سياسياً، بل تعداه إلى العدوان العسكري على قادته والفصائل المشاركة فيه، وقد جاء العدوان الروسي على مؤتمر الرياض وخطته باغتيال قادة جيش الاسلام في العاصمة السورية دمشق من بينهم الشهيد "زهران علوش" قائد جيش الاسلام، في موقف عدواني غادر للعملية السياسية التي تدعي روسيا أنها ترعاها مع أمريكا.
بينما هي تصطف إلى جانب ميليشيات الأسد، وتقاتل بالنيابة عنه في قتل الشعب السوري، بعد ان فشل الأسد في قمع إرادة الشعب في التغيير والإصلاح ورفض حكمه المستبد، لقد انعقد مؤتمر المعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض يومي 9و10/12/ 2015، وجاء العدوان الروسي بتاريخ 25/12/2015، أي بعد أسبوعين فقط من انعقاد مؤتمر الرياض.
لقد انعقد مؤتمر الرياض برعاية صريحة ومعلنة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ووزير خارجيته عادل الجبير، فقد اجتمع الجبير مع وفود المؤتمر قبل ساعة من افتتاح المؤتمر، والتقاهم الملك السعودي الملك سلمان الوفود بعد انتهاء فعاليات المؤتمر وصدور البيان الختامي، فكان ذلك إشارة صريحة بان هذا المؤتمر هو في حماية الملك السعودي أولاً، وانه يحمل وجهة نظر الشعب السوري وممثليه الحقيقيين.
ثانياً، وكان من اهم مقررات مؤتمر الرياض أن فصائل المعارضة السورية متفقة على الحل السياسي الذي ينقذ الشعب السوري من صراع خمس سنوات أولاً، وأن الفصائل التي حضرت مؤتمر الرياض هي الفصائل السورية التي تمثل الشعب السوري.
وأن تمثيلها للشعب السوري جاء من خلال تواجدها على الأرض السورية ودفاعها عن الشعب والأرض السورية ضد جيوش الاستبداد الداخلي، وضد جيوش الاحتلال الخارجي، وبالأخص الاحتلال الخارجي الأخير من الجيش الروسي، الذي جاء ليفرض حلاً عسكريا على سوريا اولاً، ثم ليفرض حلاً سياسياً ثانيا، يخدمه ويخدم الاحتلال الإيراني الذي سبقه بسنوات دون أن يحقق إلا قتل الشعب السوري وتدمير حياته.
لذا ينبغي قراءة الغارة الجوية التي وقعت مساء الجمعة 25/12/2015 والتي استهدفت اجتماعاً لقيادات «جيش الإسلام»، أحد أكبر فصائل المعارضة العسكرية لميليشيات الأسد، والتي قُتل فيها قائد هذا التنظيم زهران علوش، وخمسة من مساعديه، على أنه استهداف لكل ما يمثله مؤتمر الرياض من سياسات وقرارات وقيادات ورعاية ملكية سعودية.
أي أن القيادة الروسية التي تخدع القيادة السعودية بالاتصالات الهاتفية بين بوتين والملك سلمان، والدعوات والزيارات ودعوات التعاون الاقتصادي وغيرها في الأشهر الأخيرة، هي سياسة تهدف إلى خداع السعوديين فقط، إن لم تكن انتقاما منهم لأنهم رفضوا صداقة الاتحاد السوفيتي وحاربوه في أفغانستان في السنوات الماضية.
فهذه السياسة البوتينية ليست إلا جزءا من سياسة المداهنة والخداع الروسية التي ينتهجها بوتين، لكسر حاجز المعارضة السعودية للهيمنة على البلاد العربية والشرق الأوسط، بحجة ان ذلك التحرك الروسي يتم بالتفاهم مع الرؤساء والملوك العرب.
فذلك ما يعبر عنه بوتين أمام الشعب الروسي ووسائل الإعلام العالمية، بينما هو جزء من سياسة الخداع التي تتبعها السياسة الإيرانية الناعمة مع الدول العربية، بينما يدها العسكرية الالصلبة من الحرس الثوري والمليشيات الطائفية العراقية والسورية واللبنانية واليمنية تمارس سياسة القتل والتدمير والتطهير العرقي في البلاد العربية والخليجية.
هذه السياسة الروسية المخادعة للعرب ينبغي كشفها، فقد فشلت في خداع القادة الأتراك، عندما دعا الرئيس الروسي بوتين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى الانضمام إلى الحلف الرباعي الذي أقامه بوتين مع خامنئي وحيدر العبادي وبشار الأسد.
ولكن أردوغان رفض المشاركة في هذا الحلف، الذي يدعي محاربة الارهاب لأن فيه اكبر شخصية إرهابية عرفها القرن الحادي والعشرين على الإطلاق وهو بشار الأسد، وإن كان زملاءه الآخرين لا يقلون عنه إرهاباً، لأنهم شركاء معه في قتل الشعب السوري منذ خمس سنوات، وهم شركاء في محاولة تغيير هوية المنطقة الحضارية والدينية والمذهبية والثقافية والديمغرافية.
وأيضاً شركاء في مشاريع تغيير هويات الدول السياسية القائمة في المنطقة، وصناعة دول أخرى طائفية وقومية تخدم مصالحهم ووفق رؤيتهم لتقسيم خارطة البلاد العربية في المستقبل. إن هذا الاغتيال لأحد قادة المعارضة الذين شاركوا في مؤتمر الرياض هو دلالة واضحة على استهداف موسكو للسياسة السعودية.
ولعل عدم زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي للرياض قبل أيام بالرغم من زيارته دول المنطقة هو مؤشر على رفض السعودية لهذا النهج الروسي المخادع في السياسة، وأن الروس كانوا مدركين أن اغتيالهم لقادة جيش الاسلام هو اغتيال للقادة الذين تراهن عليهم السعودية أن يكونا شركاء في الحل السياسي، بعد أن كانوا يرفضون الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع حكومة بشار الأسد.
فالسعودية لم تصنع زهران علوش ولا قادة الفصائل الخرى، وإنما استطاعت كسب بعضهم إلى الحل السياسي، الذي يخدم الحل الذي يرضي الشعب السوري، واستهداف علوش هو قرار روسي باستهداف السياسة السعودية في سوريا، وبالتالي هو استهداف للسياسة العربية من أجل السياسة الإيرانية وبشار الأسد.
فضلاً عن ان روسيا إذا تستهدف المعارضة المعتدلة فهي تقتل الشعب السوري كله، لأن المعارضة المعتدلة هي امل الشعب السوري والحل السياسي العادل، وقد قتلت روسيا اكثر من ستمائة مواطن سوري مدني منذ دخول الاحتلال الروسي إلى سوريا من تاريخ 30/9/2015 ، بحجة حربها الكاذبة ضد الارهابيين.
إن استهداف روسيا للسعودية في سوريا لن يؤدي إلا إلى فشل الحل السياسي، الذي من المأمول أن يحفظ الدولة السورية موحدة وعربية الهوية السياسية والدينية والحضارية، وهذا يرجح ان روسيا تخادع الدول العربية في الحديث عن حل سلمي، لأن المخطط الروسي الواضح الآن هو توفير البيئة الجيوسياسية لإقامة دويلة علوية على الساحل السوري، وإقامة دويلة كردية شمال سوريا، وإنهاء أي مشروع لدولة عربية يمكن ان تكون معارضة للهيمنة الروسية في المنطقة.
وفي نفس الوقت لا تكون قادرة على مواجهة الكيان الصهيوني الإسرائيلي، وهذا هو السر في التقارب الحقيقي بين روسيا وإسرائيل بعد احتلال روسيا لسوريا، وحادثة قتل سمير القنطار دليل على ذلك التآمر الروسي مع الإسرائيليين، حيث ان إسرائيل تريد بقاء الأسد في الحكم الذي خدم امنها وأبيه لخمسين سنة، وترى انه القادر على حفظ أمنها في السنوات القادمة.
ولا تستطيع موسكو التنصل من اغتيال قادة جيش الإسلام وزهران علوش بحجة ان طائرة تابعة لبشار الأسد هي من نفذت الهجوم، لأن بشار الأسد نفسه الآن تحت الاحتلال الروسي ولا يستطيع أن يحرك طائرة ولا جنديا واحدا إلا بأمر الاحتلال الروسي، وبالتالي فإن روسيا لو كانت صادقة في التعاون مع السعودية في إيجاد حل سلمي لمنعت بشار من تنفيذ هذا الهجوم أولاً.
وإضافة لذلك فإن روسيا تصنف كل الفصائل العسكرية التي تدافع عن الشعب السوري بالقوة العسكرية بأنها منظمات إرهابية، وترفض حضورها مؤتمر فيينا أو نيورك أو جنيف الذي سيعقد بين المعارضة وحكومة بشار الأسد برعاية أممية.
وبالتالي فإن روسيا تدمر كل محاولات نجاح الحل السلمي، الذي إن تم فإنه سوف يكون نتيجية حتمية لرحيلها من سوريا، ولذلك فإن روسيا تريد ان يكون الحل السياسي هو تثبيت بشار الأسد في الحكم، وهو ما يلتقي عليه الروس مع إسرائيل وامريكا والدول الأوروبية، دون التفات لإرادة الدول العربية بما فيها السعودية وقطر وتركيا.
ولكن إرادة الشعب السوري هي التي ستقرر ذلك، وليس الاحتلال الخارجي، ولا اللامبالاة الأمريكية، التي تمارس سياسة استنزاف لكل الأطراف التي ترغب في المشاركة العسكرية الحربية وقتل الشعوب على الأرض السورية والعراقية واليمنية واللبنانية والليبية وغيرها.
فهذه الأطراف الخارجية مستفيدة من استمرار الصراع في سوريا، وأما الدول العربية وفي مقدمتهم السعودية فعليها أن تحسن قراءة الضربة الروسية الموجهة لها بنفس القدر الموجه إلى الشعب السوري، وأن ترسم سياستها المستقبلية مع الدول التي تشاركها الرؤية الصادقة في الحرص على الشعب السوري وحماية المنطقة من الطامعين والطائفيين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس