ترك برس

روى الإمام "أحمد ألتان" الذي يعمل في جمعية دفن الموتى، في ولاية "إزمير" التركية المواجع التي تنتابه، والمواقف التي يعجز فيها لسانه عن الكلام والدعاء أمام أجساد السوريين الذين يموتون غرقا خلال رحلة الأمل التي يبدؤون بها، فتنتهي حياتهم قبل أن تبدأ الرحلة، فيغسلون من دون قريب يفجع، ويصلّى عليهم من دون جماعة تقف خلف الإمام، ويؤخذون إلى المقبرة من دون حاملي نعش، ويقرأ لهم الدعاء من غير أن يؤّمن شخص ما خلف الإمام، ويدفنون من دون أن تعرف أسماؤهم ليكتبوها على حجارة قبورهم.

يؤدي الإمام "ألتان" مهمة من أصعب المهام على الإطلاق، إذ يصلّى على جنازة طفل سوري لم يبلغ من العمر سنتين، كان قد خرج مع عائلته في رحلة الأمل، لا يوجد على الوثيقة الرسمية الخاصة به أية معلومات شخصية، حتى اسمه غير معروف، العبارة الوحيدة المكتوبة على الورقة التي وضعت على نعشه هي"طفل مجهول الهوية"، ما يقصم الظهر ليس الهواء البارد فقط، إنما الكلمات التي تتزاحم في صدر الإمام للبوح عن المواجع  ولكنها تنحبس في صدره  فلا تتمكن من الخروج.

يقف "ألتان" أمام جنازة الطفل السوري، للصلاة عليه، فلا مصلي غيره، سيبدأ بالدعاء فلا تسعفه الكلمات، فتنفد طاقته، فيخرج من جيبه منديلا ليمسح دموعه، وأول عبارة ينطق بها: "عندما يكون الأمر متعلقا بطفل من الصعب أن يحتمل الإنسان".

يقول الإمام "ألتان" الذي يعمل في جمعية دفن الموتى منذ أكثر من 35 عاما، في روايته لطقوس صلاة الجنازة التي تصلى على اللاجئين السوريين الذين يلقون حتفهم غرقا خلال رحلة الأمل: "هناك 8 جثامين، بانتظار الصلاة عليهم، هؤلاء أيضا لا أقرباء لهم، من يحمل نعوشهم هم الأئمة، والعاملون في حفر القبور، فلا معلومات لدينا فيما يخصهم، باستثناء أعمارهم، ومكان انتهاء حياتهم، تم إيجاد أجسادهم في منطقة "كوش اداسي" و"ديديم"، علمنا أنهم ماتوا غرقا خلال رحلتهم التي كانت متوجهة نحو إحدى الجزر اليونانية، سيتم دفنهم جميعا في مقبرة تدعى بمقبرة "الأيتام".

"أشار "ألتان" إلى أن المقبرة الكائنة في منطقة "دوغان تشاي" في إزمير فيها قسم خاص باليتامى، الذين لا أقرباء لهم ولا أنسباء، وفيها 412 متوفي" من بينهم 32 سوريا.

وتابع قائلا: "منذ 4 أشهر ونصف أولت البلدية مهام دفن اللاجئين السوريين الذين يموتون غرقا في البحر إلينا، ولا ملجأ لي سوى الصبر على ما أراه، والدعاء لهم، تعبت كثيرا من المشاهد التي أراها".

ويطلق "ألتان" صرخة عتاب فيقول: "من الصعب جدا القيام بمثل هذا العمل، العالم بأسره أغمض عينيه أمام هذه الفاجعة، يا للأسف، إن الذين يموتون أيا كانت ديانتهم، سواء المسيحية أم الإسلامية أم اليهودية، إنهم في نهاية المطاف بشر، علينا أن نولي أهمية للإنسان، أصبح الأناس بلا رحمة، كلّ يضع قدمه فوق الأخرى ويشاهد ما يحدث ببرودة دم، فما ذنب هذا الطفل البريء؟

يقول "ألتان" إن جثامين اللاجئين السوريين التي تصل إلينا، يتم تشريحها، ومن ثم توضع في البراد لـ 15 يوما، وعندما لا يأتي أحد لأخذهم يتم إجراء تحليل الحمض النووي DNA لهم، ومن ثم دفنهم في مقبرة الأيتام في "دوغان تشاي".

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!