مروى شبنم أوروتش – صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
نتحدث دائما عن "ترتيبات جديدة في الشرق الأوسط" أو رسم لخارطة الشرق الأوسط من جديد، أو بعبارة أخرى إعادة توزيع للأدوار في المنطقة، يبدو أن هذه الجهود بدأت تاخذ الطابع الرسمي. فكل من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن برئاسة الولايات المتحدة وباتفاقها النووي مع طهران من جهة والوكالة الدولية للطاقة الذرية من جهة ثانية إضافة إلى تقرير مراقبي الأمم المتحدة الذي يقضي "بمطابقة مشروع إيران النووي للمخططات" تكون قد وضعت نقطة النهاية للحصار الاقتصادي الذي بدأته الدول الغربية على طهران بعد الثورة الإيرانية عام 1979م. أما الولايات المتحدة ومن خلال المسرحية التي عرضتها قبل أيام عن "إمكانية فرض عقوبات جديدة على طهران"، إضافة إلى احتجاز إيران عدد من الجنود الأمريكان، هي تحاول ومن خلال عمليات دقيقة ينفذها كل من اللوبي الأمريكي وقسم العلاقات العامة أن تحدث تغيرات كبيرة في طبيعة العلاقات بين البلدين، وتسعى لتسويق الأمر تحت مسمى "بداية جديدة من أجل عالم أكثر أمانًا".
لا شك أن تركيا كانت تهدف من جهودها في عام 2010 لتخفيف التوتر بين الولايات المتحدة وإيران إلى الانتقال إلى عالم أكثر أمانًا. وقد أثارت رؤية تركيا التي تشمل كذلك اضطلاعها بدور ريادي في عمليات السلام في المنطقة والعالم بشكل عام، حنق الكثيرين وسببت لهم القلق وعدم الراحة، فالولايات المتحدة لم تُعِر أي انتباه لهذه الجهود واستمرت في تنفيذ مخططاتها سعيًا وراء أهدافها الدفينة، ففي عام 2013م حاول أوباما الاستفادة من التوتر الحاصل في المنطقة جراء هجمات السلاح الكيماوي في سوريا والتي تكرر حدوثها في ذلك الوقت، وعمل على نشر أفكاره وأهدافه والترويج لأسلوبه لنرى الأجندات على ما هي عليه الآن. يقضي أسلوب أوباما هذا بالسيطرة على نشاطات إيران من خلال احتواء طهران مرة أخرى في النظام الاقتصادي العالمي . لا بد من الإشارة إلى أن دنيا الأعمال وعالم الطاقة تحاول المرور من عنق الزجاجة الذي حصرته فيها الأزمة الاقتصادية العالمية، وهو بحاجة إلى لاعب مهم وسوق كبيرة مثل إيران. وحقيقة أنه لا أهمية لكون إيران قوة تمويلية عظمى وذات غنى فاحش أظهرته لنا قدرتها على تمويل سياستها التوسعية الاحتلالية في المنطقة رغم الحظر الاقتصادي المفروض عليها ولا أهمية كذلك لزيادة عدوانية وشراسة السياسة الإيرانية ولا لزيادة جرأتها ووقاحتها بعد أن تجري 100 مليار دولار في حسابات طهران إثر رفع الحظر التجاري المفروض عليها مقارنة بأهمية الخروج من مأزق الأزمة الاقتصادية العالمية.
ولهذا السبب بالتحديد دخلت منظمة أوبيك، أو بمعنى أصح دخلت المملكة السعودية العام المنصرم بحرب تخفيض أسعار البترول بعد أن ظهرت على الصين عملاق التجارة العالمية علامات الركود وإشارات الكساد. تعمل الولايات المتحدة بدورها على إيجاد تنظيم جديد وقولبة جديدة للعلاقات في المنطقة، الأمر الذي أثار ضيق نفس عند شركائها القدماء والمهمين في الشرق الأوسط، فرفض المملكة السعودية تخفيض أسعار البترول بشكل كبير وعنادها السياسي ما هو إلا تحدٍ لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، مما حدا بالولايات المتحدة ورغم انخفاض أسعار النفط وعدم ثباتها لرفع قرارات حظر تصدير البترول والتي مضى على بدء تطبيقها أكثر من أربعين عامًا. فقد دفع وصول سعر برميل النفط الخام إلى 30 دولار الغرب الذي رأى بإيران لاعبًا مهمًا على الساحة لإعطائه لها الضوء الأخضر كإذن لدخولها إلى سوق النفط من جديد، وما قول خبراء الطاقة العالميين "لنرَ كيف ستضطر السعودية الآن إلى موازنة أسعار البترول" إلا إشارة على ذلك.
بمعنى آخر، إن ما يجري هو لعبة روليت روسية تجمع أصحاب الخزائن الكبيرة وأولئك الذين لا يملكون الكثير من الاحتياطي على طاولة واحدة ولعبة واحدة؛ ولا بد أن من خطط لهذه اللعبة أخذ بالحسبان جرعة التوتر المرتفعة في المنطقة وكذلك المخاطر المحتملة وما قد تؤول إليه الأمور جراء تحركات السعودية من قبل والتي قد لا تتراجع عنها من بعد. أضف لذلك أن لعبة الروليت الروسية هذه أكثر من يتحمل مخاطرها هم الروس وقد تكون الرصاصة الوحيدة من نصيبهم، خصوصا وأن الروس لم يحسبوا للمخاطر التي قد يتعرضون لها نتيجة تسويقهم لمعاهدات واتفاقيات التسلح النووي.
في الواقع، لهذا السبب ينطوي اجتماع أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني مع بوتين في روسيا على أهمية كبيرة. وسكوت روسيا بعد الضجيج الذي افتعلته إثر إسقاط المقاتلة الروسية التي اخترقت الحدود التركية هو كذلك مرتبط بما يحصل. وعلاوة على ذلك مساعي الإمارات العربية إلى إعادة ترميم العلاقات الدبلوماسية وبحثها عن سبل لتحريك العلاقات من جديد بعد سنوات عجاف من العداء الكبير لتركيا، يظهر لنا أول المتضررين من لعبة الولايات المتحدة الجديدة في المنطقة ويدل على عدم الرضا تجاه الولايات المتحدة الجديدة الأمر الذي دفع بهم إلى اتخاذ وضعيات مخالفة للماضي وسياساته.
يمكن القول إن إسرائيل لن تكون وحدها من يسعى لقطع الطريق على وصول الملف الإيراني بحلته الجديدة إلى الكونغرس الأمريكي، ولن يكون اللوبي الصهيوني وحده كذلك من يعيق تمرير الموافقة عليه. ولا بد من انعكاس ذلك على شكل حرب ونقاشات حادة بين اللوبيات والقوى الأمريكية أثناء فترة الانتخابات الرئاسية القادمة. لن تقف الأمور عند الولايات المتحدة وإنما ستتعداها إلى دول الخليج كلها وعلى رأسها السعودية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية كلها مع إيران، فلا يخفى أن الملك سلمان يتعرض لهجمات من فوق الطاولة في الإعلام وإلى ضربات من تحت الطاولة كذلك.
من جهة أخرى تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى الخروج من مستقعات الشرق الأوسط لتدخل عالم آسيا- الباسفيك والصين وتركز أعمالها وأقدامها هناك، لكن روسيا التي اختلت بتلك المنطقة برهة من الزمن ترفض التخلي عن الصين وترى في العلاقة الإيرانية- الغربية التي نشهد بوادرها هذه الأيام تهديدا على مصالحها في المنطقة. أما الصين فليست مجرد سوق تجاري كبير لكل من روسيا وإيران وإنما هي شريك عسكري سياسي اقتصادي مهم، هذه الدولة القوية وإن كانت تبدو لنا كمتفرج إلا أنها في الحقيقة قد أعدت نفسها وهي في طور الصمت الآن.
يسعى أوباما وراء جائزة نوبل للسلام، وإلى إيهام العالم بحماية الدنيا من خطر السلاح النووي ومن خطر حرب عالمية ثالثة تتهدد الجميع، لكن الحقيقة أن الخدع المرسومة والمنظمات الإرهابية التي يستخدمها كمرتزقة لتحقيق أهدافه وإتمام أعماله هي في الحقيقة قنبلة موقوتة تقترب يوما بعد يوم من أبوابنا جميعا.
قد يكون الشرق الأوسط في مرمى النار وتحت الخطر لكن ما ينتظر على باب الولايات المتحدة الخلفي هو جنون من نوع آخر، كوريا الشمالية الصديق المقرب لكل من سوريا وإيران والصين ومن خلال إعلانها عن نجاح تجاربها في صنع أول قنبلة هيدورجينية تحمل رسالة إلى الولايات المتحدة بإنهاء المسرحية الأمريكية في الشرق الاوسط وإنهاء تلاعب الأمريكان ليس بالمنطقة فحسب وإنما بالعالم أجمع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس