
ترك برس
رأى مقال للكاتب التركي نبي ميش، أن المخاوف الأوروبية من السياسة الانعزالية التي تتبناها الإدارة الأميركية الحالية، واتساع الفجوة بين ضفتي الأطلسي يفرض على القارة العجوز مراجعة موقفها من تركيا وتعزيز التعاون الإستراتيجي مع أنقرة.
وقال الكاتب، في مقال نشرته صحيفة "صباح" التركية، إن أوروبا التي تجاهلت هواجس تركيا الأمنية طيلة السنوات الماضية وتبنت نبرة متعالية، تجد نفسها اليوم مضطرة للتقارب مع أنقرة في ظل الحقائق الجيوسياسية الصعبة المفروضة على القارة.
ويؤكد ميش أن التباعد بين الولايات المتحدة وأوروبا لم يعد مجرد موقف عابر يتبناه الرئيس الحالي دونالد ترامب وإدارته، بل تحول إلى وثيقة رسمية ملزمة، وهي إستراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2025، بحسب ما نقلته شبكة الجزيرة القطرية.
وحسب نيبي ميش، فإن الوثيقة تصور القارة الأوروبية على أنها "مستهلك للأمن" يرفض تحمل مسؤولياته في مجال الدفاع، ويفضل نقل المخاطر إلى الولايات المتحدة.
ويرى أن الوضع الراهن يحتّم على أوروبا مراجعة موقفها من تركيا، وأن تدرك أنها أخطأت طوال العقد الماضي بتوجيه الانتقادات لأنقرة وتجاهل مخاوفها الأمنية ومخاطبتها بنبرة متعالية.
واعتبر أن خوف الأوروبيين من المستقبل يشكل فرصة لتركيا من أجل إعادة ضبط علاقاتها مع القارة العجوز، خاصة أن التصريحات الأوروبية الأخيرة تظهر تحولا من التركيز على الشؤون الداخلية التركية إلى نهج بناء بشكل أكبر، وفق تعبيره.
ويضيف نيبي ميش أن اتساع الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة يزيد من أهمية تركيا في ظل مساعي الأوروبيين نحو "الاستقلالية الإستراتيجية"، حيث يفتح هذا التوجه آفاقا للتعاون في مجالات الأمن والدفاع وأمن إمدادات الطاقة والنقل وسلاسل التوريد، إضافة إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية لحل الأزمات في الشرق الأوسط والبحر الأسود.
أهمية تركيا
وحسب الكاتب، من الصعب على أوروبا تحقيق "الاستقلالية الإستراتيجية" دون الاستعانة بالقدرات العسكرية والثقل الدبلوماسي والخبرة التركية في إدارة الأزمات.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قد انتقدت هذا الأسبوع، بشدة هجمات الرئيس ترامب على أوروبا، مناشدة القارة أن تضع مسارها في عالم متغير، وفق وكالة بلومبيرغ.
وقالت فون دير لاين، في أوضح توبيخ لتلك الهجمات حتى الآن، أمام البرلمان الأوروبي: "لا يمكن أن نتحمل السماح لوجهات النظر العالمية للآخرين أن تعرفنا. لا ينبغي أن يشعر أي منا بصدمة إزاء ما يقوله الآخرون عن أوروبا".
وأضافت "دعوني أقول هذا: إنها ليست أول مرة يتبين فيها أن الافتراضات بشأن أوروبا قديمة. ولن تكون أول مرة يتغير فيها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية لمرحلة تفوق التصور".
غضب
وجاءت تصريحات فون دير لاين بعد أسبوع من انتقاد ترامب لقادة الاتحاد الأوروبي باعتبارهم "ضعفاء" ووضع إستراتيجية أمن قومي أميركية جديدة ذهبت إلى أن الاتحاد الأوروبي يواجه محوا حضاريا وانحدارا اقتصاديا.
وانتقدت الإستراتيجية بشدة الحلفاء الأوروبيين، وقالت إن الولايات المتحدة ستدعم معارضي القيم التي يقودها الاتحاد الأوروبي ومنها تلك المتعلقة بالهجرة.
كما حذّر رئيس المجلس الأوروبي للزعماء الوطنيين، أنطونيو كوستا، مؤخرا إدارة ترامب من التدخل في شؤون أوروبا.
وفي تصريح نشرته صحيفة الغارديان البريطانية مؤخرا نبه رئيس الوزراء البرتغالي السابق إلى "وجود خلافات طويلة الأمد مع ترامب حول قضايا مثل أزمة المناخ، لكن الإستراتيجية الأميركية الجديدة تجاوزت ذلك إلى ما لا نقبله وهو التهديد بالتدخل في السياسة الأوروبية".
وقال منتقدا "لا يهدد الحلفاء بالتدخل في الخيارات السياسية الداخلية لحلفائهم ولا يمكن للولايات المتحدة أن تحل محل أوروبا في رؤيتها لحرية التعبير ويجب أن تكون أوروبا ذات سيادة".
تعود جذور العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى عام 1963 مع توقيع اتفاقية أنقرة، التي أرست إطار الشراكة بين الجانبين، قبل أن تصبح تركيا دولة مرشحة رسميا للانضمام إلى الاتحاد عام 1999، وتبدأ مفاوضات العضوية عام 2005.
إلا أن هذه المفاوضات شهدت جمودا خلال العقد الأخير بسبب خلافات سياسية وحقوقية، وتباين المواقف بشأن قضايا الأمن والهجرة وشرق المتوسط، رغم استمرار التعاون الوثيق في مجالات التجارة، والطاقة، وإدارة ملف اللاجئين، ما يجعل العلاقة بين الطرفين قائمة على الشراكة البراغماتية أكثر من مسار الانضمام الكامل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











