أفق أولوطاش – صحيفة أقشام - ترجمة وتحرير ترك برس
تركيا ومنذ اليوم للمسألة السورية وهي تسير وفق خطة تشكل الإنسانية مركزها ونواتها وتسير بعيدا عن متطلبات السياسة وثقلها. فلا شك أن تركيا التي قدمت القيم الإنسانية على القضايا العسكرية والسياسية تستحق جائزة نوبل على أدائها وصنيعها. بالطبع ان تقديم تركيا للإنسانية وتعاملها مع القضية السورية بشكل إنساني بعيدا عن المصالح السياسية العسكرية يخضع لنقاش مطول لكن تصرفها هذا يعتبر درسا تم تلقينه للغرب وأوروبا أدعياء الديمقراطية والقيم الحضارية. عند النظر من الخارج إلى تعامل تركيا مع المسألة السورية قد يبدو لنا أن الإنسانية لا تملأ البطون ولا الجيوب ولا تقي من حر الشمس ولا زمهرير الصقيع لكن لا بد من إدراك أن التعامل الإنساني مع القضايا بمختلف أنواعها له ثمرات تُجنى بعد طول أمد كما أن له ثمارًا حقيقيةً يمكن أن نقطفها مبكرا وهذا ما عبر عنه رئيس الوزراء داود أوغلو في جولته الأخيرة إلى أوروبا وفي زيارته لبروكسل التي ناقش فيها قضية اللاجئين السوريين وحاول التسويق لها.
من هذه اللحظة يمكننا القول إنه لا حل منزه عن النقص فيما يخص القضية السورية بما في ذلك مسألة اللاجئين السوريين فصورة الطفل أيلان الغريق لا تفارق مخيلاتنا وتهمس في آذاننا أنه لا يوجد من يعد بحل مثالي منطقي عادل لقضية اللاجئين السوريين. فالحل المثالي الممكن لهذه القضية هو الحل الذي ينقذ الأطفال الأبرياء من الغرق ومن مصير مشابه لما حصل للطفل أيلان.. لكن هذا الحل لم نجده إلى الآن... لا بد من التذكير بأننا لهذا السبب نسعى بكل ما أوتينا من قوة وبكل ما تملكه أيدينا للوصول لحل في زمن ازدادت فيه ثروات مهربي البشر وفشلت فيه الإنسانية في الامتحان بعد أن أغلق أدعياؤها في الغرب أبوابهم في وجه السوريين ولهذا السبب كذلك انطلق داود أوغلو بمشروعه إلى بروكسل.
حسب هذا المشروع فإنه واعتبارا من اللحظة الأولى لسريان الاتفاقية ستتم إعادة كل اللاجئين غير الشرعيين الموجودين على الجزر اليونانية، وفي المقابل سيتم تسفير عدد مساوٍ من اللاجئين السوريين إلى دول الاتحاد الأوروبي وهناك ستتم معاملتهم كلاجئين قانونيين، أما اللاجئون غير السوريين المتواجدون على الجزر اليونانية فسيتم إرجاعهم إلى أوطانهم.
هذه المذكرة أو مشروع الاتفاقية تحتوي بندين مهمين أولهما: عملية مبادلة نفس العدد من اللاجئين السوريين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وثانيهما وهو الأهم: سيتم منع محاولات تهريب السوريين إلى جزر اليونان، هذه العمليات تنطوي على خطورة بالغة كما تنطوي على أرباح بالغة للمهربين. هذا المشروع والاتفاقية سيقلل بدرجة جدية التهريب والموت بعد توفير سبُل أكثر منطقية من التهريب وسلبياته. برأيي إن توصل تركيا إلى هذه الفكرة والحل الإنساني الذي لم تصل له 28 دولة مجتمعة لأمر يستحق أن ترفع له القبعات وتنحني له الرؤوس.
هناك مجموعة من التفاصيل الأخرى التي تحتوي عليها الاتفاقية، لا بد من الإشارة قبل ذلك إلى أن هذه الاتفاقية لم توقع بعد وأنه وبعد عشرة أيام ستكون هناك قمة أخرى، إذ أن هناك عدة بنود لا بد من موافقة المجلس عليها - طبعا إذا لم تحُل المعارضة دون ذلك - لكن وفي ظل هذا الظرف، المتمثل باقتراح تحت النقاش، لا يمكن إنكار أن تركيا تجني ثمار مشروعها على المدى القريب والبعيد؛ فعلى سبيل المثال البند المتمثل بأن تمويل هذا المشروع - ثلاث مليارات يورو حاليا من أصل ستة مليارات يورو - سيكون على نفقة الاتحاد الأوروبي يدل على أن الاتحاد الأوروبي أدرك أن المشروع الذي باشره بشكل منفرد لن يكتب له النجاح دون مشاركة تركيا. أما السماح للمواطنين الأتراك بحرية التنقل في أوروبا دون الحاجة إلى فيزا هو مثال آخر على الثمار التي تجنيها تركيا.
النقاط المقترحة تحت البنود (15، و23، و24، و26 و31) يمكن وصفها بأنها بنود تشجيعية للاتحاد الأوروبي من قبل تركيا حيث أن محاولات التقرب من موقف ألمانيا وميركل التي تمثل أكثر أعضاء الاتحاد الأوروبي معارضة لانضمام تركيا إلى الاتحاد على درجة من الأهمية. أمثلة أخرى على هذه الثمار تتمثل بظهور التيارات المساندة للمقترحات التركية بإنشاء مناطق آمنة داخل سوريا، فحتى مع عدم إنشاء هذه المناطق بعد وعدم دعم الاتحاد الأوروبي لهذه المقترحات رسميا إلا أن ظهور هذه التيارات الموافقة على المقترح التركي والمساندة لفكرة المنطقة الآمنة على درجة من الأهمية. مسألة اللاجئين السوريين ليست من البساطة بمكان ولا يمكن حلها سريعا بإزالة ضمادة الجرح ولهذا شهدنا توجه الأوروبيين مؤخرا نحو إنشاء منطقة آمنة. الآن أصبح إقناع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعارض كل ما تتقدم به تركيا من واجب الاتحاد الأوروبي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!