ألون بن ميئير - ترجمة وتحرير ترك برس

في أعقاب الرعب غير المعقول جراء الحرب العالمية الثانية، ألزم المجتمع الدولي نفسه بعدم السماح بتكرار مثل هذه الأعمال الوحشية دون عقاب. ولكن مثلما هو الحال مع كثير من جرائم الإبادة الجماعية المأساوية التي وقعت منذ ذلك الحين، كتلك التي وقعت في البوسنة ورواندا، نشهد في الوقت الراهن تدميرا ممنهجا لبلد ولشعبه دون أن يثير ذلك غضب الضمير الإنساني، ما يلحق العار بكل رؤساء العالم.

لم تعد سوريا سوى بيدق في أيدي تجار الحرب من دول ومجموعات متطرفة متباينة استخدموا  حياة أبناء الشعب السوري دون رحمة لتنفيذ مخططاتهم السياسية الضيقة. أما حقيقة أن أكثر من ثلاثمائة ألف سوري لقوا حتفهم، وجرح أكثر من ضعف هذا العدد، وأكثر من 12 مليون شخص صاروا لاجئين أو نازحين في الداخل، فتبدو أنها لا ترعب روسيا أو إيران اللذين قدما الدعم دون توقف لنظام الأسد.

استمرت روسيا وإيران في دعم آلة القتل الأسدية من أجل تأمين مصالحهما فقط، وهو ما كان يمكن الحصول عليه في الواقع دون أن يفقد سوري واحد حياته. وبهذه الطريقة يعبر خامنئي عن أسلوبه في الرحمة والشفقة، ويظهر بوتين رعايته للشعب السوري.

سحقت أجساد وأرواح جيلين سوريين، وقضي على آمالهم وأحلامهم، وسرقت كرامتهم وعزتهم، وبقى الملايين يحترقون شوقا يأملون أن يفيقوا كل صباح من هذا الكابوس، بيد أنهم يدركون أن الحياة الكابوسية هي مصيرهم.

من الصعب أن ندرك كيف تلاقت كثير من جماعات العنف المتطرفة في سوريا، تتنافس ويقتل بعضها بعضا، وأي جنون يمكن أي يشوه عقولهم، ويجعل الخبل يسيطر عليهم. وماذا يوجد في الحامض النووي لهذه المجموعات القاسية الميؤوس منها، ولا سيما جيش الأسد وداعش، بحيث يدفعهم إلى هذه الوحشية برباطة جأش؟

نحن نعيش في عالم بلا قيادة، في عصر صار فيه الصمت فضيلة، واللامبالاة دعما، والافتقار إلى الشجاعة مناورة حذرة، وغياب الحل خلاصا.

لم يتمكن المجتمع الدولي بأسره من حشد الموارد وإعلان التزامه الأخلاقي بإنهاء ذبح مئات الآلاف من النساء والرجال والأطفال. هل من العجيب أن تحدث مثل هذه الأعمال الوحشية مرارا وتكرارا؟ كان من الممكن إذا وضعت خطة عمل واستراتيجية لإنهاء الحرب الأهلية في وقت مبكر أن تمنع حدوث المذبحة في سوريا.

عندما فشل المجتمع الدولي أمام اختبار الزمن، وصارت الحماقة دليلا للمستقبل، فلماذا إذن يجب على أي دولة أن تخضع أمنها القومي لأهواء الدول الأخرى أو لأهواء الأمم المتحدة، حيث تفرض السياسة وليست الإنسانية برنامجها؟

والآن، وبعد أن اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على وضح حد للمأساة السورية، يجب عليهما أن يضمنا أن أي حل مستقبلي يجب أن يأخذ في الحسبان الحالة النفسية لمختلف الجماعات والطوائف.

أولا: إن تشكيل الحكومة الانتقالية يجب أن يعكس التركيبة السكانية في سوريا، وأن تتألف من تكنوقراط، وتبقى في السلطة لمدة لا تقل عن خمس إلى سبع سنوات. ويجب أن تركز هذه الحكومة على إعادة بناء البنية التحتية، والمدارس، والعيادات، والمستشفيات، والحفاظ على الأمن الداخلي، والانخراط بشكل منهجي في عملية المصالحة لمنع عمليات الثأر والانتقام.

ثانيا: مهما تكن حقارة الأسد، يجب أن يكون جزءا من أي حل، بحيث يمكن أن يبقى لمدة عامين أو ثلاثة في الفترة الانتقالية.وهذا لن يسهل الحل فحسب، بل سيسمح أيضا للمؤسسات الرئيسة في سوريا، ولاسيما الجيش والأمن الداخلي والاستخبارات والدواوين الحكومية، بالبقاء لمنع تفكك البلاد مادامت هذه المؤسسات تخضع للحكومة المركزية الانتقالية.

ثالثا: لا يوجد مكان في هذه المرحلة لمحاولة تضمين أي قرار فكرة إنشاء دولة ديمقراطية من خلال إنشاء دستور جديد، وإجراء انتخابات عامة قبل انقضاء الحكومة الانتقالية.

يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ألا يفترضا ببساطة أنه يمكن غرس القيم السياسية الغربية، أو أن هذه الفكرة يمكن أن تنجح حتى على المدى القصير أو البعيد، فقد فشلت الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة فشلا ذريعا في تأسيس الديمقراطية قبل الأوان في ليبيا ومصر والعراق، ويجب ألا تتكرر.

رابعا: يجب أن يتجنب الحل الاعتقاد بصحة أن بعض المعجزات يمكنها ببساطة أن تعيد البلاد إلى ما كانت عليه، بحيث تكون المصالحة بين الطوائف التي صارت عدوا لدودا لبعضها ستكون عملية طبيعية، حيث تحتاج كل مجموعة إلى وقت للتفكير وتضميد الجراح.

خامسا: يجب على الغرب وروسيا في الوقت نفسه وضع استراتيجية شاملة بما في ذلك إدخال قوات برية كبيرة لهزيمة داعش الأمر الذي سيساعد في وقف الاضطرابات الجارية في المنطقة. والواقع أن استمرار وجود داعش في سوريا يمكن أن يقوض بسهولة أي اتفاق سياسي، ما يجعل القضاء على داعش شرطا أساسيا للحل الدائم.

سادسا: أن الحرب المندلعة بين السنة والشيعة في العراق يمكن أن تستمر لمدة طويلة من الزمن، وربما لعقود، وكانت سوريا مسرحا للمعارك بين الجانبين، ولن يهدأ التنافس بين إيران الشيعية والسعودية السنية من أجل الهيمنة على المنطقة في أي وقت قريب.

ويتعين على البلدين أن يلعبا دورا مهما في أي حل للحرب الأهلية في سوريا، دون التخلي بالضرورة عن مصالحهما فيها. وما عدا ذلك فإن البلدين سينتهي بهما المطاف إلى الخسارة حيث لا يوجد احتمال لخروج أحدهما سالما.

وعلاوة على ذلك، فإن إيجاد حل للحرب الأهلية في سوريا قد يساعد في الواقع وربما إلى حد كبير على تخفيف حدة الصراع بين السنة والشيعة، بحيث يمكن للطرفين البناء على ذلك، واستعادة الوضع  السابق الذي كان سائدا قبل حرب العراق.

إن التضحيات المستحيلة التي قدمها الشعب السوري لا يجب أن تذهب عبثا، فقد صار النظام الدولي والحضارة والأخلاق على المحك. وإذا فشل المجتمع الدولي في التحرك في الوقت الحالي، فإن الأجيال القادمة ستتذكر كيف فقد المجتمع الدولي بوصلته الأخلاقية والإنسانية، وترك العالم كله عرضة لأيام كئيبة لم تأت بعد.

عن الكاتب

ألون بن ميئير

أستاذ إدارة الأزمات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس